دراسات نقدية

الدكتور جوزف لبُّس*: المفكِّرة الرومانيّة. يوميّات رحلة إلى المدينة الخالدة

بقلم: د. جوزيف لبٍّس

«لا نزال نسعى إلى إيطاليا هذه التي لا تزال تفرّ من أمامنا» ﭬرجيليوس[1] عكّاز الرحلة (مقدّمة في أدب الرّحلة) العالَم أقطارٌ وبِحار، جبالٌ وأنهار، كأنّه «صندوق فرجة» مملوءٌ بالطّرائف. والإنسان مفطورٌ على التّنقّل والتّرحال والسّفر. كان صيّاداً يرحل من مكان إلى مكان. وكان راعياً، موطِنُه ظَهْرُ الجَمَل. وابتدعتِ المخيّلةُ البشريّة شخصيّةَ السّندباد، أنموذج المغامرة والكفاح والتّوق إلى المعرفة؛ قضى عمرَه في الخطر ومصاعبِ السّفر، وكأنّ في الاستقرار موتَ الإنسان وفي المخاطرة حياتَه. ومنذ غابر الأزمان والإنسانُ يحلم بأن يطير كما تطير الطّيور. منذ إيكاروس، وعبّاس بن فِرْناس، وليوناردو دا ڤنشي. ولم يتحقّق حُلمُه إلّا بعد أن بذلَ في سبيله أثماناً باهظة. وقديماً قيل: «السّفر قطعة من العذاب»[2]. وقيل أيضاً: «آهِ من قِلّة الزّاد، وطول الطّريق، وبُعد السّفر»[3]. وكانتِ الطائرة... بساطُ ريحٍ جديد، معها أصبحت أبعدُ نقطتَيْن على وجه الأرض على بُعْد يومَيْن! قيمةُ الرّحلات مَنوطةٌ بالرّحّالة. ولا رحّالة من دون عقلٍ حسّاسٍ مَرِن، سريع التّأثّر، دقيق التّحليل، بارع التّصوير، ينقل انطباعاتِه على الورق؛ فيغدو الورقُ بحراً، والكلماتُ أمواجاً، والمعاني سفناً. وليست القَدَمان وحدَهما هما اللّتَيْن تستطيعان السّفر والتّنقّل؛ فالعينان قد تحملاننا أبعدَ من القدَمَيْن وأسرع. والرّحلة النّاجحة «تفرض الأناقة في تخيُّر المفردات، وصياغة العبارات، وتنسيق الفصول. والإثارة فيها متأتّية من الوصف الطّريف للواقع، والسّرد الفنّيّ للمغامرة الإنسانيّة»[4]. ومن أشكال أدب الرّحلات يوميّاتُ الرّحلة؛ وهي سجلٌّ يوميّ لمراحل الرّحلة، والأنشطة الشّخصيّة لكاتبها، وانطباعاتِه وتأمّلاتِه. وغالباً ما تكون يوميّاتُ الرّحلة مكتوبةً بأسلوب الشَّذَرات، مُجزّأةً كمراحلِ الحياة. ومن الرّحلات الّتي جاءت على هيئة يوميّات أو مذكِّرات رحلةُ تشارلز داروين حول العالَم، والّتي استغرقت خمس سنواتٍ متتالية (1832-1837)[5]. والأصلُ في يوميّات الرّحلة، كما في اليوميّات عموماً، ألّا تكون مُعَدّة للنّشر، يناجي فيها الكاتبُ نفسَه مناجاةً ساكنة عذبة رقيقة، من غير قِناع، ناثراً تفاصيلَ يومِه[6]. ولكن، كثيراً ما يعمد المؤلّف إلى نشْر يوميّاتِه إذا اشتملت على ما قد يهمّ النّاس. والرحلة في العالَم مسوِّغٌ للرحلة في الذات، حتّى لَتغدو صورةً ذاتيّة تعبّر عن مرحلةٍ زمنيّة في حياة كاتبها، وتكشف عن أحاسيسه ونبض وجدانه. بَيْدَ أنّ الرحلة هي أيضاً اكتشافُ الآخر، ومقارنة الذات به، وقياسُها عليه؛ «إعرفْ نفسَك بنفسك» تصبح «إعرفْ نفسَك تعرفْ غيرَك»، و«اعرفْ غيرَك تعرفْ نفسَك». قال الإمبراطور الرومانيّ ماركوس أوريليوس الفيلسوف (121-180 م.): «مَن لا يعرف ما هو العالم، لا يعرف أين هو. ومَنْ لا يعرف لأيّ غاية كان العالم، لا يعرف مَنْ هو ولا ما هو العالم»[7]. ولكن... هل من سبيل إلى اكتمال النشيد؟ على دروب برنيني[8] ... وبعد انتظار، نهضنا السادسة فجراً وقد أرّقنا الشوق. مَنْ كان يظنّ أنّنا ذات يوم نزور المدينة الخالدة؟ ويقلّنا سائقٌ فرنسيّ خفيف الروح، وتكشف له ثرثرته وجهة سفرنا، فيسأل: «روما وفي خمسة أيّام؟!». أجل! «إنّ روما لم تُصنع في يومٍ واحد»[9] (Non fuit in solo Roma peracta die)، ولكن بمستطاع مَن يقصدها أن يزورها في أيّامٍ خمسة إن تدبّر سفرته وأعدّ لها العُدّة؛ وقَبْلَنا، قضى فؤاد أفرام البستانيّ خمسة أيّام في ربوع الشام! بعد ساعتَيْن، وصلنا من مطار شارل ديغول إلى مطار ليوناردو دا ڤنشي. في باريس جمال، وفي روما الجلال؛ لا حدائقَ ولا أزهار، ولكنْ آثارٌ معماريّة عمرها عمر التاريخ، تذكّرك أنّ المهندس هو الفنّان الحقيقيّ، وبِرَكٌ تروع بشلّالاتها والتماثيل. ألم يصف نبيّ روما (الشاعر ﭬرجيليوس) الرومان بأنّهم «يحفرون وجوه البشر بالرخام، ويُذيبون البرونز»[10]؟ وتشبه روما بيروت: حرارة مرتفعة تصل إلى 35 درجة مئويّة؛ فوضى السير سائقين ومشاة وسرعة وأشغال؛ لهجة عالية النبرة، موسيقيّة الإيقاع، لا تبعد كثيراً من لهجاتنا... «كلّ الدروب تقود إلى روما»[11] (Omnibus viis Romam pervenitur)، وروما تقودنا على دروب التطرّف والإفراط في كلّ شيء. وترتسم في مخيّلتك وجوهٌ وأسماء: نيرون، كاليغولا، مكياﭬللي، كازانوﭬا، موسّوليني، فلليني... السيرك (Circus) والأوپرا والمافيا والبورنو[12]... أليسوا من سلالة الذئبة (Lupa)، تلك التي لا تشبع أبداً[13]؟ بل رَهْطٌ من الذئاب طَوْطَمُهم الذئبة! أليسوا أبناء إيروس (Eros) المتحدِّر من ﭬينوس، ربّة الحبّ ومارس، ربّ الحرب؟ ألم تكن حكمتهم في الحياة: «أقطفْ يومَك» (Carpe diem)[14]! لقد كان الحاكم الرومانيّ بيلاطُس البنطيّ يضع في إبهامه خاتماً ضخماً مزداناً بحجرٍ من ياقوتٍ أحمر، وكان محفوراً عليه جمجمة كُتب حولها: «كُلْ، واشرب، وامرح، لأنّك ستموت غداً»[15]. وفي احتفالات الإمبراطوريّة الرومانيّة، كانت المسابح تُملأ نبيذاً بلون الدم، فيتقلّب فيها رجالٌ ونساء عراة! كان الإمبراطور تايبيريُس (Tiberius) يقول: «مُنح الناسُ النبيذَ والجِماع لكي يسقطوا دفعةً واحدة في موت النوم»[16]. وبعد استراحةٍ استغرقت أربع ساعات، مشيناها خطىً على دروب برنيني. لقد صاغ أشدُّ النحّاتين إيماناً المدينةَ بإزميله والمطرقة، وخلّف بصمته في كلّ أرجائها: في نوافير المياه، والساحات العامّة، وواجهات القصور، والجدران، والمداخل، والكنائس. وإن أخفقنا في استهلال رحلتنا من كنيسة سيّدة الانتصار (Santa Maria della Vittoria) حيث مرتعُ رائعة برنيني انخطاف القدّيسة تريزيا، فقد استهللناها من ساحة بربيريني (Barberini)، ساحة البابا أوربانُس الثامن، حيث إلهُ بحر تريتون[17]، متمثّلاً من الرأس إلى الخصر بإنسان، وما دون الخصر بسمكة، فوق صَدَفةٍ عملاقة تحملها على زعانفها الحيتان، ينفخ في بوقٍ صَدَفيّ، فترتفع عالياً نافورةُ مياه. وقد نحت برنيني بين زعانف الحيتان ثلاث نحلات، رمز النسب البابويّ، والتاج البابويّ، إضافةً إلى مفاتيح القدّيس بطرس. ولم نغفل عن بِركةٍ متواضعة في زاوية الشارع؛ إنّها بركة النحلة (Fontana delle Api)؛ نحلة عملاقة، شعار العائلة البابويّة، تتوسّط أخريَيْن، وتشرب جميعاً من ماءٍ يسيل في حوض. ثمّ رحنا نصعّد في زقاقٍ مديد حتّى إذا وصلنا إلى أقصاه طالعَنا مفترق طرق يؤدّي إلى اتّجاهاتٍ أربعة، في كلّ زاويةٍ منها بِركةٌ ونُصُب لإلهٍ مستلقٍ ورمز: نهر التيبر التاريخيّ (Tiberis)، وبعض المؤرّخين العرب يسمّيه التِّبْر[18]، وهو من مفاخر روما، «وليس من نهر على وجه البسيطة آثَر لدى الأرباب منه»[19]، يجسّده إلهٌ عجوز ملتحٍ ترافقه الذئبة الرومانيّة، تلك التي أرضعت التوأمَيْن اللذَيْن لم يخافاها: رومولوس (Romulus)، مؤسّس المدينة، وريموس (Remus )؛ يقابله إلهٌ آخر يشبهه ويرافقه أسد هو تجسيدٌ لنهر الأرنو (Arno)، وهو ثاني أهمّ نهر في وسط إيطاليا بعد التيبر، يخترق مدينة فلورنسا؛ أمّا الإلهتان الرومانيّتان فهما جونو (Juno)، زوجة كبير آلهة الرومان جوپيتر، وربّة السماء، وحامية النساء، وترمز برفقة طاووسها إلى الزواج؛ وديانا (Diana)، ربّة العفّة والطهارة والقنص، وحامية الحيوانات، وترمز برفقة كلبها إلى الوفاء. وبعد توالي مَسيرٍ ومُستراح، وتَجوالٍ بين ممثّلين جَوّالين يؤدّون أدوار مصارعين وسكارى ومهرّجين، أطللنا على جمعٍ غفير، ومن ورائه بِركةٌ جديدة تخطف الأبصار برخامها الناصع وحجمها الهائل، وتصمّ الآذان بهدير مياهها المتدفّقة التي لو سكنت لسكنت روما برمّتها! إنّها بركة تريفي (Trevi) شيّدها أحد تلامذة برنيني تحيّةً للمعلّم، فبدت وكأنّها من صُنعه، تنطق بعبقريّته. وقديماً قال ليوناردو: «إنّه لَتلميذٌ بائس ذلك الذي لا يتجاوز معلّمه»[20]. في وسط البِركة اثنان من التريتون، إلها بحر لهما رأس إنسان وجسم سمكة، يسوسان جوادَيْن بحريَّيْن يجرّان مركبة ملك البحار نپتون الذي يسيّر الرياح، ويثير العواصف، ويروّض الجياد؛ الأوّل وديعٌ مسالم، والآخر حَرون صعب الانقياد، يرمزان إلى تقلّب مِزاج المحيط. وفاتنا أن نرمي، خلفنا، من فوق أكتافنا، في بركة تريفي (Trevi) قطعةً نقديّة؛ شعيرةٌ يلجأ إليها السيّاح رجاءَ العودة إلى روما مهما طال بهم الأمَد. ولم نجد أفضل من ساحة البانتيون (أقدم كنيسة كاثوليكيّة في روما) مكاناً لتناول طعام العشاء، فقد أعيانا المسير وأنهك قوانا الحرّ، فجلسنا في مطعمٍ إيطاليّ يُشرف على «قصر الآلهة والأموات» نتناول پيتزا مرغريتّا اللذيذة، الملوّنة بألوان عَلَم إيطاليا: الأخضر والأبيض والأحمر[21]، غير آبهين بضريح أمير المصوّرين، رافاييللو[22]، على مقربةٍ منّا. وفجأةً ننتبه: إنّ روما هي المتحف؛ وفي هذا المتحف يطيب المأكل والمشرب والمنام والمقام. وعلى درب العودة، جذبتْنا ساحةُ ناﭬونا (Piazza Navona)، أجملُ ساحات روما طرّاً، تزيّنها البِرَك الفخمة لعلّ أهمّها بِركة الأنهر الأربعة (النيل والغانج والدانوپ والريو بلاتا) نحتها برنيني إجلالاً للماء؛ نافورتها الشاهقة التي تقذف سديمَها السحريّ إلى السماء، كنايةٌ عن جبلٍ غليظ من الرخام المخرّم كالغربال بكهوفٍ ومغارات تتدفّق منها المياه. وقد انتصبت فوق ذلك كلِّه مِسلّةٌ ترتفع أربعين قدماً، وجثمتْ بصمتٍ وهدوء عند رأسها يمامةٌ من برونز رمزاً وثنيّاً إلى ملاك السلام، وربّما إلى الروح المستنيرة. ولعلّها الورقاء التي وصفها ابن سينا في قصيدته العينيّة، ولكنّ التلوّث في روما جرّدها من ألوانها! ولأنّ الوقت مساء، فقد ارتدتِ الأنصاب والتماثيل البشريّة والحيوانيّة ثيابَ النوم الملوّنة ذات الفراشات، ولكنّ صُداح الموسيقى كان يمنعها من الاستسلام لموتٍ قصير. وفي الغد، كان لنا موعدٌ جديد في ساحة ناﭬونا جديدة، وكانت ليلتنا من ليالي الأنس، أو ليالي ألف ليلة وليلة. ولله درّ ستندال القائل: «إيطاليا هي البلد الوحيد حيث تنمو، بحريّةٍ، نبتةُ الحبّ»[23]. الكولوسّيو في اليوم التالي، وتلبيةً لنداء أنطوني (ابن أخي)، كانت وجهتنا مسرح الكوليزه (Colosseo). بناءٌ ماردٌ جبّار شوته أشعّة الشمس، كأنّ نِبال ربّ الضياء وراعي الرمي بالقوس، أپولّو، اخترقته. يرتفع خمسين متراً، يستوعب مئة ألف مُشاهد، دام بناؤه ثمانية أعوام (72 - 80 م) وعمره ألفان من الأعوام؛ قال فيه لامارتين: «الكولوسّيو هو الأثر الجبّار لشعبٍ خارق. التيبر يغيض رويداً رويداً في مجراه، ويهزأ الكولوسّيو في شموخه من التيبر الناضب ولا يكترث»[24]. هل حقّاً هو أثرٌ جبّار؟ ألا يفضح هذا المدرج شراهة الرومان وشراستهم وظلمهم ووحشيّتهم؟ وماذا تقول في ألعابٍ تستمرّ ثلاثة أشهر، يقضي في أثنائها ألفا مصارع نَحْبهم، ويلفظ تسعة آلاف حيوان أنفاسه دونما سبب غير احتفالات التدشين ومتعة القيصر! وكانت تكفي إشارة بسيطة منه بالإبهام إلى الأعلى أو بالإبهام إلى الأسفل لأن تدين إنساناً، فيُحكم عليه بالموت، أو يُبعث حيّاً ويُرفع من شأنه! وكانت روما برمّتها تتحوّل مسرحاً يصطرع فيه السيّافون، وكان شعب روما يشترك في مشاهدة حفلات المصارعة، ويثمل من ملذّاتها الدامية. حتّى ألِپيُس (Alypius)، أحد تلامذة القدّيس أغوسطينُس، وقع فريسة هذه المعارك، فاستطابها، وتحمّس لها، واستولى عليه نهمٌ قويّ لحضورها. وهو الذي كان يقول لأصدقائه: «بإمكانكم أن تحملوا جسدي وتضعوه هناك (في الملعب)؛ لكن، لا تظنّوا أنّكم قادرون على إرغام عقلي ونظري على التطلّع إلى تلك المناظر. سأكون في الملعب من دون أن أكون فيه، وسأنتصر عليكم وعليهم»[25]. ما أشبهَ تلك الحفلات المشؤومة الذكر بمصارعة الثيران (الكورّيدا)! وما أشبهَ طعنَ القياصرة بإبهامهم الهواءَ، باتّجاه الأرض أو السماء، بحركةِ السَّبّابة التي كان يقوم بها بعض الخلفاء العرب والسلاطين، فيُرسلون أحد الشعراء إلى السيّاف أو إلى الصرّاف! العنف واحدٌ في إيحائه وتأثيره، في كلّ مكانٍ وزمان؛ فمتى يرتدّ الإنسان عن الولوغ في الدماء؟ ومتى يكفّ كلّ مَن ليس له ناب عن الحلم بالناب؟! ويؤسفك أن ترى أبناء روما المعاصرة يُضيئون خمساً من قناطر الكولوسّيو مساءً بخمسة أحرف هي اسم الطاغية المجنون نيرون (37-68 م.) الذي أحرق مدينتهم وهو يغنّي! أيُّ شيءٍ كان نيرونُ الذي / عبدوه؟ كان فظَّ الطَّبع غِرّا مدّ في الآفاق ظِلًّا جائلاً / هو ظِلُّ الموتِ أو أعدى وأضرى مُتْلِفاً للزرَّع والضَّرع معاً / تاركاً في إثره المعمورَ قَفْرا[26] لقد فاتني أن أتأمّل زُرقة السماء من خلال دانتيلّا الحجارة، وأنا داخل البناء الشاهق، في وسط حَلْبة المصارعة. ولكن ما يُثلج الصدر (أو يوغره) أن تعرف أنّ الملوك اقتطعوا (أو سرقوا) من الكولوسّيو الحجارة وبنَوا بها قصور البندقيّة، المدينة العائمة؛ وأنّ البابوات أخذوا من أعمدته (وحطّموها) لبناء بازيليكا القدّيس بطرس، رائعة ميكلانجلو، فغلب الفنّ مرّةً أخرى بطشَ السلطة. ولكن، حتّى ميكلانجلو كان فظّاً، غليظاً، يقف وحيداً، كالطاغية، على قِمّة جبلٍ بعيد، يتبرّم بنفسه وبالناس. ولعلّ من الإنصاف أن نقول: لقد قهر الدينُ الجديد الدينَ القديم. أمّا التيبر الأصفر الذي يسيل - وكم كان أحمر ورَغَا بالدماء!- فيفصل بين مجدَيْن: روما الوثنيّة وروما المسيحيّة[27]. الفاتيكانو وصلْنا الفاتيكان ظهراً؛ وكيف نزور روما ولا نرى عاصمة الكثلكة، ومركز العالَم المسيحيّ؟ قُبّة البازيليكا تلوح من بعيد، تُرشدنا إلى الطريق الصحيح. كان يُخيّل إلينا أنّ الساحة تنأى عن شوارع المدينة وعن ضوضائها، فإذا هي في قلبها. ميدان البازيليكا 284 عموداً و192 تمثالاً ونافورتان ومِسلّة. صفوف الأعمدة المتتابعة المحيطة بالميدان من جوانبه كافّةً، تبدو كأنّها أذرُعُ المعبد تحتضن وفود المؤمنين وترحّب بهم. التماثيل تُطلّ جميعاً على الساحة المقدّسة كأنّها تباركهم. وهي أيضاً من إنجاز برنيني. النافورتان الكبيرتان التوأم، اليمنى من صنع مادرنو (1613) واليسرى من صنع برنيني (1675) - ومنهم مَنْ ينسبها إلى فونتانا-، تتوسّطهما مِسلّة، وتضفيان على المشهد تآلفاً وتناسقاً رائعَيْن، لذلك يتسابق السيّاح لالتقاط الصور أمامهما. وأمّا الـمِسلّة المنتهية بصليب فعلوّها 25 متراً (80 قدماً)، ووزنها 350 طنّاً، استقدمها كاليغولا من هليوپوليس ونقلها بأمرٍ من البابا سيكستُس (Sixtus) الخامس في العام 1586 ثمانمائةُ عامل و150 حصاناً و47 رافعة. وقد نُصبت على موقع مدرج نيرون حيث استُشهد القدّيس بطرس[28]. ويُقال إنّ صليبها الحديديّ المجوّف يحتوي على ذخائر من الصليب المقدّس الذي صُلب عليه المسيح. لم نكن نعلم بوجوب زيارة متحف الفاتيكان قبل زيارة البازيليكا، فكان علينا أن ندور دورةً كاملة للوصول إلى مدخل المتحف، وهو لا يُقارَن إلّا باللوﭬر العظيم. زُرافاتٍ زُرافات يسير الناس خلال متاحف الفاتيكان كأرواحٍ ضلّت سبيلها. شعوبٌ وقبائل من المسافرين الجياع في غابةٍ من الأثمار المحرّمة. حشدٌ هائلٌ رهيب يزحف كالنمل في مدينة الفنّ، ولا يترك لك فرصة معاينة الروائع والتمتّع بمرآها. يزيد في الطين بلّة أمٌّ منهكة بلغت من العمر العقدَ السابع وابنُ أخٍ زاهدٍ في المتاحف وما تحتويه، بعد كلّ ما كبّدتُه من مشقّات (في باريس كما في روما!)، وأحسَب أنّهما كانا حانقين على الفنّ كلّه، يردّدان في سرّهما: «كم هو مرٌّ خبزُ الغربة، وشاقٌّ الصعود على سلالم الآخرين والهبوط!»[29]؛ فكان عليّ أن أختار من جناح اليمين: متحف التصوير المنسّق وفقاً للعصور التاريخيّة (وهو أكثر من خمسَ عشْرةَ صالة بديعة الهندسة)، ومن جناح اليسار: المتحف الإغريقيّ الرومانيّ حيث تمثالُ اللاوكون الشهير، وحجرات رافاييللو الأربع (Stanze de Raffaello) التي استمرّ العمل فيها 16 عاماً توفّي في أثنائها الفنّان قبل إتمامها. أمّا جداريّته مدرسة أثينا الذائعة الصيت (Scuola di Atene) فمكانها الحجرة الثالثة. [30] (Laocoon) اللاوكون تمثالٌ نحته ثلاثةٌ من رودُس في العام 500 ق. م.، ولكنّه لم يخرج إلى النور قبل العام 1506 حين اكتُشف بالقرب من الخرائب التي أحدثها حريق نيرون روما، فاجتاحت الفنّانين وعشّاق الفنّ موجةٌ عارمة من التأثّر. وكان له أعمق الأثر في ميكلانجلو الذي حاول عبثاً أن يعيد إلى التمثال الأوسط ذراعَه اليمنى الضائعة. تحكي المنحوتة مشهداً موجعاً وحزيناً وصفه ﭬرجيليوس في مطلِع ملحمته الإنياذة[31]: إنّه كاهن نپتون، لاوكون الطرواديّ، الذي قضى عليه مع ولديه ثعبانان هائلان لأنّه أثار غضب آلهة اليونان (وبخاصّةٍ إلهة الحكمة مينرﭬا)، إذ حاول إنذار أهل طروادة من عاقبة سحب الحصان إلى داخل أسوار المدينة، مخافةَ أن يكون في الحصان الخشبيّ نفرٌ من اليونان مختبئين فيه لدسيسةٍ دبّروها، ورمى الحصان الجبّار برمحه العظيم، فلم ينكسر، بل صدر عنه رنينٌ يكشف لقومه أنّه حصانٌ زائف وأجوف لم يُصنع من كتلةٍ صمّاء من الخشب، وأصرّ الكاهن على إحراقه، فلم يلتفت إليه أحد. -1- كان يذبحُ ثوراً عند هيكل نپتون على شاطئ البحر انسلّ ثعبانان رهيبان من جوف الماء يعلوان الأمواج غطّت رأسيهما وعنقيهما لبداتٌ كثيفة من الشَّعر وكانت عيونهما حُمْراً كالدم تبعث شرراً كالنيران أرسل لساناهما المتشعّبان فحيحاً عالياً اهتياجاً واحتداماً قصدا حيث أقام الكاهن انقضّ كلّ منهما على أحد ولدَيْه الصغيرَيْن هبّ إلى نجدتهما مُشرعاً سيفه فأخفق طوّقه الثعبانان مع ولدَيْه والتفّا حولهم وهما يرفعان رأسيهما عالياً اعتصراهم وغرسا أنيابهما في أجسادهم وحقناهم بالسمّ الزُّعاف وكانت الريح تبدّد صراخهم المروِّع وكان الطرواديّون يجرّون إلى مدينتهم الحصانَ الخشبيّ فرحين مرنّمين. -2- وكان أنْ تفتّقُ خيالُ الفنّان: كلّ عضلةٍ من عضلات الجسد كلّ عصبٍ من أعصابه ينطق بالألم المبرّح حركات الجذع والأذرع تنضح بالجهد الإنسانيّ المستميت لمقاومة العذاب الأليم لكنْ وجهُ الكاهن هادئٌ ساكن يكفّ من ألمه يغضّ من صراخه يكبح أنينه وتفترّ شفتاه عن آهةٍ رقيقة كما قرار البحر يبقى ساكناً وإن اضطربت صفحته. -3- وكان أنْ كتب أذكى الألمان إنجيلاً في النقد الفنّيّ[32]. هديّة ابن رشد (أو مدرسة أثينا إن حكت) وقف الفيلسوفُ العربيّ ابن رشد في باحة «مدرسة أثينا» وقد نفض يديه من شروح فلسفة أرسطو. لم يكن لِيشعرَ بالتعب، فقد أُثر عنه أنّه لم يصرف ليلةً من عمره بلا درسٍ أو تصنيف، إلّا ليلةَ عرسه وليلةَ وفاة أبيه. راح يجول في أرجاء «مدرسة أثينا»، يكتنفها تمثالا أبولو ومينرفا، وإلى سمعه تتناهى كلماتُ الخالدين من نوابغِ مفكّري العالم. سمع أفلاطون، وهو يُشير بِبَنانه إلى السماء، يقول: «إلزموا العلم؛ فإنّه من خاصّة الصورة التي هي بدء الخلق». وسمع أرسطو، وهو يدلّ بيده إلى الأرض، يقول: «إنّا لَنحبّ الحقّ ونحبّ أفلاطون؛ فإذا افترقا، فالحقّ أولى بالمحبّة». وسمع بقربهما سقراط يعلّم بالمحاورة ويقول: «لولا أنّ في قولي "إنّني لا أعلم" إخباراً أنّي أعلم لقلتُ "إنّي لا أعلم"». وسمع هرقليطُس، وقد استعار ملامح ميكلانجلو الكئيبة، مستنداً إلى صخرةٍ من رُخام كأنّها حجر الزاوية، مسجّلاً ملاحظاتِه على ورق البَرْديّ، يقول: «كلّ شيءٍ يمرّ، كلّ شيءٍ يسيل، لا شيءَ يمكث». وسمع ديوجينُس المتجرّد (الكلبيّ) ممدَّداً على الدَّرَج، متهكّماً، يقول: «ما زلتُ أبحث عن إنسان، وما زال الإسكندر يحجب عنّي ضوء الشمس». وسمع أبيقورُس مكلّلاً بالغار، قارئاً في كتاب، قائلاً: «اللذّة هي الخير الأسمى». وسمع فيثاغورُس، مدوِّناً نظريّاتِه في كرّاس، يقول: «إنّ كلّ شيء يتحوّل، ولكنّه لا يفنى». وسمع زرادُشت حاملاً كرةً أرضيّة مجسّمة، يقول: «يصبح النورُ ناراً في كلّ يدٍ جاهلة». وسمع إقليدُس راسماً بفِرْجاره على لوح أردواز، ممازحاً تلاميذَه مِن حوله، يقول: «تُرى، لماذا وقّع رافاييللو اسمه على عنقي؟». وسمع هيباشيا، فيلسوفة الإسكندريّة العظيمة، وعالمة الرياضيّات والهندسة والفلك، والمرأة الوحيدة في اللوحة، تقول: «ليس المهبل شيئاً جميلاً»[33]؟ ورأى ابنُ رشدٍ رافاييللو نفسَه في أقصى اليمين وقد اعتمر قبّعةً سوداء، ووقف لا ينبس ببنت شفة. وفجأةً يقترب البابا يوليُس الثاني من الفنّان، ويطلب إليه أن يعلّق «مدرسة أثينا» في مكتبته الخاصّة، لأنّه رأى فيها رمزاً إلى حريّة الفكر وأهميّة الحوار. ولكنّ الفنّان يعتذر ويقول إنّه أهداها إلى ابن رشد[34]! تحت سقف كابيلّا سيستينا ولن نصل إلى كابيلّا سيستينا (Cappella Sistina) (نسبةً إلى بانيها البابا سيكستُس Sixtus الرّابع) قبل أن نجتاز جناح اليسار برمّته ونمشي آلافَ الأمتار؛ إنّها ثمرة الصبر لن نفوز بها إلّا بعد نَصَبٍ وعناء. والمثل الإيطاليّ يقول: «يؤخَذ العالَم بالصبر»[35]. في سائر أجنحة المتحف، يمكن التقاط الصور باستثناء السيستينا! السيستينا، هذه التي يخرج من مِدخنتها الدخان الأبيض مبشّراً بانتخاب بابوات روما، كان آخرهم البابا فرنسيس (13 آذار 2013)... ها نحن في حضرة أكبر لوحةٍ في العالم: سقف السيستينا (مع اللوحة وراء المذبح الدينونة الأخيرة)، صوّرها أعظم نحّاتٍ في العالم، ميكلانجلو[36] ذو الفنّ الإلهيّ والرهيب. أربعةٌ وخمسون شهراً (خمسة أعوام) قضاها الفنّان معتلياً سقالته مسمَّراً إلى السقف وعيناه أبداً إلى فوق حتّى تحطّم منه الجسد وغدا كأنّه القوس، وتعذّرت عليه الرؤية وانحنى الرأس، وظلّ يعاني أوجاعاً في القلب. سقف السيستينا كتابٌ مقدّس من ألوانٍ وحجر: تسعة مرّبعاتٍ مستطيلة تسرد سفر التكوين؛ وسبع فريسكاتٍ تصوّر سبعة أنبياء، وخمسٌ أخرى خمسَ متنبّئات بمولودٍ غريب يغيّر وجهَ العالم، ذكره ﭬرجيليوس[37]، إضافةً إلى أربعة مشاهد من العهد القديم. إلى مَنْ تتوجّه بالصلاة في السيستينا؟ إلى أيّ إله؟ إلى أيّ نبيّ؟ إلى أيّ خالق؟ إلى الفنّ أو إلى الدِّين؟ فقد طبع ميكلانجلو اليائس من كلّ شيء على وجه إرميا النبيّ صورة وجهه؛ وصوّر القدّيس برتلماوس (ابن تلما في لغة المؤرّخين العرب) يحمل بيساره جلده المدمّى، وعليه الوجهُ الذي هو وجه ميكلانجلو نفسِه! صدق فيه قول بودلير: «ميكلانجلو مكانٌ ضبابيّ فيه أطياف هرقل تختلط بأطياف المسيح، وأشباحٌ جبّارة تمزّق أكفانها»[38]. وتخرج من كابيلّا السيستينا، ورأسك مرفوع، وعيناك إلى فوق. عرّافة ميكلانجلو يُطلَق اسم سيبيل أو المتنبّئة أو الرائية على نسوةٍ اشتُهرن في العهود الوثنيّة بالكِهانة والعِرافة بوحيٍ من أپولّو، قائد ربّات الفنون، وربّ العِرافة. وفي التقاليد المسيحيّة أنّ اثنتي عشْرةَ عرّافة أعلنّ ولادة الرضيع (المسيح) المقدّسة فاعتُبرن نبيّات. وقد جمع ميكلانجلو على سقف السيستينا بين أنبياء العهد القديم وعرّافات العهد الوثنيّ. أمّا أسماؤهنّ فتدلّ على مكان أصلهنّ. وهنّ عادةً ما يظهرن يحملن كتاباً، وإن كان لكلّ واحدةٍ مِنهنّ رموزُها الخاصّة بها. تروي الأساطير أنّ عرّافة مدينة كومَي الإيطاليّة قامت بكتابة تسعة كتب وطرحتها للبيع على «تارغوينيُس» سابع ملوك روما وآخرِهم. وحين رفض الملك شراءها بحجّة أنّها باهظة الثمن، أضرمت سيبيل النار في ثلاثةٍ من كتبها. ولـمّا أصرّ الملك على موقفه، أحرقت ثلاثة كتبٍ أخرى. فرضخ الملك واشترى الأجزاء الثلاثة الأخيرة التي يُقال إنّها حُفظت في هيكل جوبيتر، ربّ الأرباب والبشر، على تلّة الكابيتول، كي تُستشار في الأيّام العصيبة. ها عرّافة ميكلانجلو، ساحرة عملاقة، شاخ وجهها وحفر فيه الزمن أخاديد، في حين بقيَ ساعداها شابّين قويّين، تطالع في أحد كتبها مستقبلَنا جميعاً. ولكنّ صفحات كتابها بيضٌ عذارى[39]! بازيليكا القدّيس بطرس بعدها، درنا دورةً كاملة وقَفَلْنا عائدين إلى بازيليكا القدّيس بطرس؛ إنّها من دون شكّ أو مبالغة أجمل من أن توصف: أعمدتها الغرانيت بناياتٌ صغيرة، مذبحها الكبير يرسو على قبر بطرس الرسول - وبطرس هو الصخرة التي بنى عليها المسيح كنيسته قولاً وفعلاً- فإذا هو قُبّةٌ ترتفع نحو مئة واثنين وثلاثين متراً من البرونز المذهّب، أرادها مهندسها ميكلانجلو أعظم من قُبّة البانتيون، فجاء قطرها اثنين وأربعين متراً، أمّا علوّها إلى الصليب فمائة واثنان وثلاثون متراً، في حين لا يبلغ علوّ قُبّة البانتيون غير أربعةٍ وأربعين. ولتناسُبِ أجزائها، لا تبدو البازيليكا هائلة الضخامة. وهي تضمّ إحدى عشْرة كابيلّا، وخمسةً وأربعين مذبحاً، وسبعةً وعشرين تمثالاً، أروعها تمثال المسيح في حضن أمّه بعد أن أُنزل عن الصليب، (Pietà) أو الأمّ الحزينة لميكلانجلو نفسِه[40]، نحتها وكان عمره خمسةً وعشرين عاماً، ووقّع اسمه منحوتاً على الحزام الذي يشدّ عاتق العذراء. لا تُقارَن البيتّا سوى بالموناليزا؛ ومثلما كانت الجوكوندا عرضةً للسرقة والتزييف والانتحال، واستراحت داخل فجوة في جدار يغطّيها ساترٌ زجاجيّ، فقد نسب كثيرون رائعة ميكلانجلو إلى أنفسهم ما دفع الفنّان إلى حفر اسمه في ما بعد، وتعرّضت للاعتداء في العام 1972، فوُضعت وراء جدارٍ سميك من الزجاج المسلّح. أمام البيتّا تخامرك أسئلةٌ كثيرة: هل حقّاً تمثّل المنحوتة صلاةً جنائزيّة عن روح الراهب سافونارولّا الذي طالب بالإصلاح فحوكم وأُحرق (1498)؟ هل حقّاً يختفي شكلُ جمجمة في ثنايا ثوب العذراء، عند الصدر؟ لمَ اتّخذت المنحوتة شكلَ مثلّث؟ ولمَ جعل النحّات العذراء تبدو أصغر سنّاً من ابنها؟ ولمَ نحت اسمه هناك، في ذلك المكان من جسد العذراء، مرّةً أولى وأخيرة؟ ولمَ أخفى آلام الأمّ الحزينة وراء ملامحَ من الدَّعة والاستكانة؟ ميكلانجلو، يا أعظمَ الرجال حزناً ووَحدة! يا ماردَ الفنّ! يا إزميلَ الله! وإن أسفتُ على شيء، بعد زيارتي البازيليكا، فعلى أنّنا لم نرَ تمثال مار مارون، ذلك القدّيس الذي اعتزل العالم والناس، فلحق به الناس واحتفل العالم، وتخطّى إشعاعُ روحانيّته حدودَ سوريا ولبنان، وتجاوز المسافات من غير صخبٍ ولا ضجيج. أمّا لمَ زرنا روما ولم نرَ مارون، فتلك قصّةٌ أخرى! فيلّا بورغيزي ظُهرَ الخميس، كنّا على موعدٍ مع فيلّا بورغيزي، وما أدراك ما فيلّا بورغيزي؟! فقد حجزنا مكاناً لنا عبر الأوتيل الذي نزلنا فيه، قبل بضعة أيّام. ما كدنا نصل إلى مُتَّجَهنا حتّى شدّنا المتنـزَّه على الطراز الفرنسيّ وبقوّة؛ فقد طارت شهرة تماثيله لِ (غوته وبايرون وهوغو) ومعبد أقيم لربّة الغابات والجبال ديانا، وغرّنا أن ندور في أرجاء الفيلّا بسيّارةٍ تشبه درّاجةً هوائيّة تقودها حسناء لازورديّة العينَيْن. وما حَسَبْنا للوقت حساباً؛ ندور وندور حتّى انقضت ساعتان، ودار رأس أمّي، فخفق قلبها، وتشنّج وجهها، فقرّرنا أن ندَعَها تستريح تحت شجرةٍ ظليلة، ونزور وحدَنا من دونها المتحف والغاليريا. وهالنا أن ندرك، بعد فوات الأوان، أنّ مشروعَنا العتيد أخفق؛ فقد تأخّرنا عن موعدنا ساعتَيْن، وسبقَنا إلى الزيارة مئاتُ السائحين المنتظرين، فسبقَ السيفُ العَذَل. ولم تفلح كلماتٌ رقيقة ولا أعذارٌ ولا دموع في استرحام بائعة البطاقات القاسية القلب. النظام هو النظام! والحقّ على الطليان! ماذا نفعل؟ فلنذهب إلى زيارة كنيسة سيّدة الانتصار، تلك التي فاتنا زيارتها في مبتدأ رحلتنا، ولنتسوّق. في السّوق الرومانيّ، الذي كان مركز العالَم القديم ومفخرة روما، نما العشب البرّيّ بين الحجارة والبلاط حيث كانت تسير عربات يوليوس قيصر الظّافرة. ولم يبقَ من المعابد والهياكل الرخاميّة ومقصورات المجالس والمخازن الفخمة سوى الأطلال، كأنّها خرائبُ بعلبك، أو عناصر ديكور في لوحات (Poussin). وتذكّرتُ مُجدَّداً لامارتين وقصيدته «العَظاية» (Le Lézard)[41]؛ فقد رأى الشاعر عَظايةً في خرائب روما، تلك التي «انبسط حكمها على الأرض، وامتدّ مجدها إلى السماء»[42]، خرجتْ من أحد الشقوق وجاءت تستدفئ بأشعّة الشمس، فوقفت على قطعةٍ من البرونز حُفرت فيها أسماء القياصرة؛ وأزرت العَظاية بأمجاد الرومان الباطلة! يموت الإنسان في كلّ مكان، حتّى في روما الخالدة، أمّ القياصرة! «نحن رملٌ وظلال»[43]. وفجأةً يجبهك صفّ أعمدةٍ نصفيّة من رخام، أو بناءٌ تذكاريّ يأبى أن ينهار، أو شبحُ مبنىً يقف خلف الآثار، أو قوسُ نصر تعلّقت حجارتها بالهواء، فتنبّهك إلى أنّ في الإنسان قبساً من ألوهة ونفحةً من خلود. ويُرخي الليل علينا سدوله في السوق الرومانيّ العتيق، ويبزغ القمر، كوكب الأطلال، ساحراً كالفجر. أحياناً، تبدو قُبّة السماء ستارةً زرقاء داكنة لمسرحٍ مهجور؛ وأحياناً، ترتدي الأعشاب المتشبّثة بالجدران المتداعية لَبوسَ ألوانِ الليل، فترتعش الروح إذ تجد نفسها مع الطبيعة وجهاً لوجه... ولو كنتُ رافاييللو لصوّرتُ المشهد! نشوة القدّيسة تيريزيا[44] في كنيسة سيّدة الانتصار تختبئ عن الأنظار تحفةُ برنيني نشوة القدّيسة تريزيا التي كان يتراءى لها مرّاتٍ عديدة أحدُ الملائكة السّرافين[45] يدنو منها، وبرقّةٍ يكشف عن صدرها، وبابتسامةٍ غامضة نصفها مكر ونصفها الآخر ملاطفة، يطعنها برمحٍ ذهبيّ ناريّ الرأس يخترق فؤادها، وينفذ إلى حشاها، ويضرمها بنارٍ من الحبّ لا تكاد تحتمل لظاها؛ وعندما ينتزعه من أحشائها، كانت تذوب حبّاً وعذاباً وعذوبة. جسّد النحّات لحظة انتفاضة القدّيسة تريزيا الأﭬيليّة بالعشق الإلهيّ: غطاء الرأس في حركة تُخفي جمود الشكل، فرارٌ من الرداء، وانعتاقٌ من الجسد، وخروجٌ من الذات، وتعليقٌ للوعي، وتجاوزٌ للزمن، وخَدَرٌ لذيذ؛ فتتراخى الأطراف، وتتلاشى الحركات، ويميل الرأس إلى خلف، وينفرج الفم، ويُخيَّل إليك أنّ العينَيْن الثقيلتَيْن نصف المغلقتَيْن قد انطفأتا، وأنّ النَّفَس انقطع؛ إذاً، لا فرقَ بين حبٍّ وموت، ولا فرقَ بين فنٍّ ودين! وحدَه برنيني عرف كيف يصوغ لذّة القدّيسة في صفاء حجر وفي حَيرة الرُّخام، في جوٍّ من السحب السابحة غير المنتظمة، في ضوءٍ ذهبيٍّ ساطع يتساقط من أعلى، وسط أعمدةٍ معماريّة مترفة الألوان. ولا عجب بعدُ إن مكث الفنّان في صنعها سبعَ سنوات (1645-1652). برنيني أوّلاً وآخراً خيميائيٌّ هو يحوّل الرخام إلى شجر وأوراق، إلى شَعرٍ ولحمٍ وشِعر تماثيله، في نوباتٍ من الأحاسيس المتّقدة بالعاطفة، ترتعش، تصيح، تبكي، ترتجف، تعرق تلتفّ جذوعها، تتقوّس حول أجسادها توشك أن تُفلت من قواعدها لتطير بعيداً في الفضاء. إلى اللقاء عدنا إلى مدينة النور (باريس) وأنا أعلّل النفس بالعودة إلى المدينة الخالدة (روما). ولقد عقدتُ العزم على تدوين يوميّات هذه الرحلة، وأنا أدرك أنّ الكتابة عن روما لا تكون إلّا حفراً بألف إزميل، لأنّ القلم يتوثّب فيها ولا يكتب حرفاً. وعقدتُ النيّة، قبل ذا، أن أتلمّس روما - روما الأطلال، وروما الأبطال، وروما أكاليل الغار، وروما السوق العتيق، وروما مغيب الشمس - من مظانّها، وأن أسلك إليها سُبُلاً أخرى[46]. لم أقل لبرنيني وكانوﭬا وميكلانجلو وليوناردو وأطايبِ روما: وداعاً، ولكن: إلى لقاءٍ ربّما لن يكون! الدكتور جوزف لبُّس: المفكِّرة الرومانيّة. يوميّات رحلة إلى المدينة الخالدة --------------------------- * متخصّص بالآداب العربيّة. أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، وجامعة القدّيس يوسُف - بيروت. صدر له في أدب الرحلة كتاب المفكِّرة الباريسيّة - مشاهد وتأمّلات في أدب الرّحلات (دير الزّهراني، دار البَنان، ط1، 2012). [1] الإنياذة، ترجمة عنبرة سلام الخالديّ (بيروت، دار العلم للملايين، ط4، 1985)، الفصل 12، «السفر إلى إيطاليا»، ص120. ﭬرجيليوس (70-19 ق. م.) أعظم شعراء الرومان بلا منازع، وُلد في مانتوا شِمالَ إيطاليا، وتوفّي في أثينا إبّانَ رحلة. وعلى الرغم من رقّة حال أسرته، فقد يسّرت له ثقافة واسعة، وانتقل إلى ميلانو (في سنّ السابعة عشرة) فروما لاستكمال علومه، واستحقّ لقب «علّامة». احتكّ بمشاهير عصره، وفي طليعتهم هوراس الذي كان يُطلق عليه «توأم روحي». كان عليل الصحّة، شديد الحياء، رقيقاً نقيّاً (كالعذراء)، فآثر العيش بعيداً في ناپولي حيث كان يقضي معظم أوقاته في القراءة والكتابة، وفيها دُفن. طلب إلى أصدقائه وهو على فراش الموت أن يحرقوا الإنياذة لأنّه خشيَ ألّا يُتمّها، وأن تأتي أقلّ كمالاً من سائر أعماله الأدبيّة (الرعَويّات، الزراعيّات)، ولكن بأمرٍ من أوغسطُس لم تُحرق. إحتلّ مكانة عالية في الفنّ المسيحيّ، وثمّة ترنيمة تقول إنّ القدّيس بولس زار قبره وذرف عليه الدموع. كان دليل دانتي في معارج الجحيم والمطهر. وفي ما بعد، أصبح يوم ميلاده (15 ت1) عيداً يحتفل به الشعراء. بلغ من تقديس الناس إيّاه أنّهم كانوا يستهدون بأعماله قبل القيام بأيّ عملٍ مهمّ (الاستخارة). للتوسّع: Jacques Perret, Virgile, l’homme et l’œuvre (Paris, Hatier, 2éme éd., 1965). [2] حديث نبويّ شريف أخرجه البُخاري ومُسلم. أنظر: الإمام النّوويّ، رياض الصّالحين، تحقيق يوسف عليّ بديويّ (دمشق وبيروت، دار ابن كثير، ط2، 2000)، ص350. [3] الإمام عليّ، نهج البلاغة، جمع الشّريف الرّضيّ، شرح الإمام محمّد عبده (بيروت، مؤسّسة المعارف، ط1، 1990)، الباب الثّالث، الحكمة 77، ص695. [4] جبّور عبد النّور، المعجم الأدبيّ (بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984)، مادّة «رحلة»، ص122. [5] حسين محمّد فهيم، أدب الرّحلات (الكويت، سلسلة عالَم المعرفة، العدد 138، حزيران 1989)، ص35-37. [6] لمزيدٍ من التفصيل عن اليوميّات وعَلاقتها بالسّيرة الذّاتيّة، يُراجَع لكاتب هذه السطور كتاب الحبّ والموت من منظور السّيرة الذّاتيّة بين مصر ولبنان (بيروت، دار المشرق، ط1، 2009)، ص59-63. [7] ماركوس أوريليوس، التأمّلات، ترجمة عادل مصطفى ومراجعة أحمد عثمان (القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2010)، 8: 52، ص174-175. [8] جيان لورنزو برنيني (1598-1680) نحّات ومصوّر ومهندس معماريّ، ولد في ناپولي وتوفّي في روما. درس فنّ النحت على أبيه. شرع يمارس النحت طفلاً في الثامنة من عمره. صديق البابوات؛ لفت انتباه البابا بولس الخامس الذي منحه رتبة فارس، ثمّ تعهّده بالرعاية البابا أوربانُس الثامن، فعيّنته الكنيسة الكاثوليكيّة على رأس السلطة الفنيّة في الفاتيكان. كان تقيّاً يحضر القدّاس يوميّاً. وكان يمزج بين النحت والتصوير والعمارة في كلّ مكان، فمثّل طراز الباروك خير تمثيل. كان خصب الإنتاج ولم يتفوّق عليه إلّا ميكلانجلو. أشهر روائعه غير المذكورة في رحلتنا أبولّو ودافنى في فيلّا بورغيزي. ومَنْ شاء الاطّلاع على جوانب من سيرة برنيني وأعماله، فليقرأ رواية دان براون ملائكة وشياطين، ترجمة مركز التعريب والبرمجة (بيروت، الدار العربيّة للعلوم، ط1، 2005)، ص296 وما يليها. [9] Renzo Tozi, Dictionnaire des sentences latines et grecques, trad. de l’italien par Rebecca Lenoir (Grenoble, Jérôme Million, 2010), 1277, p. 949. [10] ﭬرجيليوس، الإنياذة، ص147. [11] Dictionnaire Latin Français en ligne: http://fr.glosbe.com/la/fr/ [12] في تصنيفٍ قامت به صحيفة Sunday Times البريطانيّة (نيسان 2010) عن «أكثر مدن العالم جاذبيّةً جنسيّة»، تربّعت روما على عرش القائمة. البورنوغرافيا كلمة إغريقيّة تعني «رسم المومسات». [13] تروي الأسطورة أنّ رومولوس وريموس هما ابنا إله الحرب مارس من ريا سلفيا ابنة نوميتور، ملك ألبا. أصاب ميلادُهما بالذعر أموليوس شقيق جدّهما، إذ كان قد اغتصب عرش شقيقه نوميتور، فاختطفهما ووضعهما فوق رَمْس، وقذف بهما في نهر التيبر، غير أنّ النهر تلقّاهما بحنان، وألقى بهما على تلّةٍ لا يبلغها الماء حيث تعهّدتهما بالرعاية ذئبةٌ فقدت صغارها، فرقّ قلبها للطفلَيْن، وأرضعتهما لبنها، تحت ظلال شجرة تين. وعزم التوأمان على إنشاء مدينة عظيمة شاء كلّ منهما أن يُشرف على إدارتها. وما لبث الخلاف أن دبّ بين الشقيقَيْن، فقتل رومولوس ريموس، وقام ببناء مدينة كرّسها لمارس، ودعاها روما نسبةً إلى اسمه، وعُرف سكّانها بالرومان. لمزيدٍ من التفصيل، راجع: ثروت عكاشة، المعجم الموسوعيّ للمصطلحات الثقافيّة (بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 1990)، ص406-407؛ Joël Schmidt, Dictionnaire de la mythologie grecque et romaine (Paris, Larousse, 1993), p. 185-187. [14] Horace, Odes, trad. du latin par le Comte de Séguier (Paris, A. Quantin, 1883), « À Leuconoé », I, 11, 8. [15] نيكوس كازنتزاكيس، الإغواء الأخير للمسيح، ترجمة أسامة منزلجي (دمشق، دار المدى، ط2، 1995)، ص526. [16] باسكال كينيار، الجنس والفزع، ترجمة روز مخلوف (دمشق، ورد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2007)، ص32 بتصرّف. [17] إنّ التريتون مخلوقات مركّبة من البشر والسمك، ولها قائمتا الحصان أو الأسد الخلفيّتان. تصاويرها موجودة بوفرة في النحت الرومانيّ، أمّا مكانها فنجده في موكب الآلهة البحريّة، إلى جانب مَرَدة البحر. أنظر: خورخي لويس بورخيس، كتاب المخلوقات الوهميّة، ترجمة بسّام حجّار (بيروت والدار البيضاء، المركز الثقافيّ العربيّ، ط1، 2006)، ص104؛ وانظر بركة التريتون على الرابط التالي: http://imagesus.homeaway.it/mda01/3b77de23-ad1f-4a48-a89d-0f43645e8a77.1.10 [18] أنظر: محمّد فريد، تاريخ الرومانيّين (القاهرة، كلمات عربيّة للنشر والترجمة، 2012)، ص11. [19] ﭬرجيليوس، الإنياذة، ص174. [20] Léonard De Vinci, Maximes, fables et devinettes, trad. de l’italien par Christophe Mileschi (Paris, arléa, 2005), p. 36. Voir la Fontaine de Trevi sur le lien suivant : http://www.venividiroma.net/Fontana_di_Trevi.jpg [21] رسم نابليون بونابرت العلَمَ الإيطاليّ مثلّث الألوان على منوال العلَم الفرنسيّ في العام 1796، إبّان حملته على إيطاليا. أنظر: Dirk Wagner, Les drapeaux du monde (Belgique-France, Chantecler, 2002), p. 16. [22] رافاييللو (1483-1520) أحد نجوم النهضة (إلى جانب ليوناردو وميكلانجلو). عُرف باِسم شهرته الإلهيّ (Santi). أخذ عن والده أصول الرسم والتصوير. انطلق إلى فلورنسا لدراسة أعمال ليوناردو دافنشي وميكلانجلو، وما لبث أن غادر إلى روما بناءً على دعوة البابا يوليُس الثاني لتزيين بعض حجرات القصر البابويّ. حفلت حياته القصيرة (37 سنة) بالفضائل وبجلائل الأعمال. أسلم الروح في يوم ميلاده، يوم الجمعة العظيمة. مزج بين الاتّجاه الكلاسيكيّ الإنسانيّ وما في الكتاب المقدّس من تعاليم دينيّة وقصص تهذيبيّ شاعريّ، فكسا القصص الدينيّ ثوباً إغريقيّاً. لم ينُقل جثمانه من مسقط رأسه أوربينو إلى البانتيون إلّا في العام 1758. ومن شاء الاطّلاع على سيرة الفنّان وسواه من أساطين الفنّانين الإيطاليّين فليقرأ الكتاب المرجع لمعاصرهم الفنّان جورجيو فاساري حياة الفنّانين: Giorgio Vasari, Vies des artistes, trad. de l’italien par Léopold Leclanché (Paris, Citadelles et Mazenod, 2010). [23] Stendhal, De l’amour (Paris, Gallimard, 1980), Chapitre XL, p. 147. Voir la Fontaine des 4 Fleuves sur le lien suivant : http://www.bandb-rome.it/images/fontana_4_fiumi_1.jpg [24] Lamartine, Graziella (InLibroVeritas.net), Chapitre VI, p. 11. [25] إعترافات القدّيس أغوسطينُس، ترجمة الأب يوحنّا الحلو (بيروت، دار المشرق، ط5، 1996)، الكتاب السادس، ص109. [26] خليل مطران، ديوان الخليل (بيروت، دار مارون عبّود، 1977)، 2/101-102. [27] أنظر صورة المؤلّف ووالدته في الكولوسّيو على الرابط التالي: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=270230456340098&l=37cbf2649e [28] بأمرٍ من نيرون، وبناءً على طلب القدّيس بطرس - واسمه بالعربيّة سمعان الصفا - صُلب مُنَكَّساً، رأسُه إلى أسفل ورجلاه إلى أعلى، إذ إنّه اعتبر ذاته غير أهلٍ لأن يُصلب كمعلّمه المسيح، في حين قُطع رأس بولس الرسول بحدّ السيف، ولمّا سقطت هامة الرسول تدحرجت ثلاثَ مرّات، فتفتّح الثرى عن ينابيعَ ثلاثة، وانبجست منه ثلاثةُ مَناهل. راجع سيرة القدّيسين بطرس وبولس في السنكسار، وضعه المطران ميخائيل عسّاف (منشورات المكتبة البولسيّة، ط4، 1988)، 2/310-369. وانظر صورة البازيليكا والمِسلّة على الرابط التالي: http://lasalamandre83.blogspot.com [29] الكوميديا الإلهيّة، ترجمة حسن عثمان (القاهرة، دار المعارف، ط2، 2002)، «الفردوس»، 17: 58-60، ص327 بتصرّف. [30] المعجم الموسوعيّ للمصطلحات الثقافيّة، ص258-259؛ Dictionnaire de la mythologie grecque et romaine, p. 123. [31] أنظر : ﭬرجيليوس، الإنياذة، الفصل الأوّل، «الحصان الخشبيّ»، ص11-19. [32] إشارة إلى الناقد الألمانيّ العظيم لسّنغ (1729-1781) الذي أسهم في اكتشاف شكسبير وغوته، وكتب اللاوكون (1766)؛ وفي هذا الكتاب حدّد الفواصل بين فنون النحت والرسم والشعر. أنظر: عبّاس محمود العقّاد، ساعات بين الكتب (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014)، ص515-525؛ وانظر منحوتة اللاوكون على الرابط التالي: http://en.wikipedia.org/wiki/Laoco%C3%B6n_and_His_Sons#mediaviewer/File:Laocoon_Pio-Clementino_Inv1059-1064-1067.jpg [33] عن سيرة هيباشيا، انظر: إمام عبد الفتّاح إمام، نساء فلاسفة (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1996)، ص259-297. [34] أنظر جداريّة «مدرسة أثينا» على الرابط التالي: http://alberto.joueb.com/images/ecoled_athenes1.jpg [35] ميشال مراد، روائع الأمثال العالميّة (بيروت، دار المشرق، 1984)، ص139. [36] ميكلانجلو (1475-1564) فنّان النهضة الإيطاليّة، رسّام ونحّات ومهندس وشاعر. أبصر النور في فلورنسا. فقدَ أمّه وهو في السادسة من عمره. بدأ دروسه في النحت تحت رعاية لورنزو دي مديتشي، حاكم فلورنسا؛ فلمّا توفّي سافر إلى بولونيا فروما خوفاً من اغتياله. في العام 1505 طلب إليه البابا بيوس الثاني أن يصنع له ضريحاً ضخماً، فلم ينجز العمل إلّا بعد أربعين عاماً. عُرف بالحيويّة الهائلة والحدّة، ودرس علم التشريح. أثّر فيه أبلغَ تأثير شعرُ دانتي ومواعظ سافونارولّا، الراهب الثائر الذي نقم على العلوم والفنون. ألهم ميكلانجلو الشعراء، والمؤرّخين، والنقّاد، والروائيّين. وصمّم ملابس الحرس البابويّ. من أشهر أعماله غير المذكورة في رحلتنا: داود، موسى، العبيد. ومن شاء المزيد، فليقرأ سيرة ميكلانجلو بقلم رومان رولان: Romain Rolland, La vie de Michel-Ange (Paris, Editions d’aujourd’hui, 1984). [37] في الأنشودة الرابعة «پولّيو» من أناشيد الرعاة، ترجمة أمين سلامه (القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1950)، 4: 8-10، ص66-71. [38] Baudelaire, Les fleurs du mal (Paris, GF-Flammarion, 1964), « Les Phares »,p.41. Voir le plafond de la chapelle Sixtine sur le lien suivant : http://www.fresques.net/img/oeuvres/chapelle-sixtine/grande-1.jpg [39] جاء في إنياذة ﭬرجيليوس، ص51، أنّ سيبيل هي العرّافة المجنونة، تكتب المصير المقدور على أوراق الشجر، وتبقى هذه الأوراق في أماكنها إلى أن يُفتح الباب فتذروها الريح. وإذا ما بُدّدت، فلا تأبه لجمعها؛ ولذا يرجع سائلوها من غير أن يحظَوا منها بجواب. أنظر جداريّة هذه العرّافة على الرابط التالي: http://fr.wikipedia.org/wiki/Sibylle#mediaviewer/Fichier:CumaeanSibylByMichelangelo.jpg [40] أنظر منحوتة ميكلانجاو «البيتّا» على الرابط التالي: http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/6/6e/LaPieta-MichelAnge.jpg [41] Lamartine, Dernières Méditations, XIII (1846) in Jacques Gaucheron, Lamartine (Paris, Editeurs français réunis, 1969), p. 21-22. [42] ﭬرجيليوس، الإنياذة، ص147. [43] Horace, Odes, «À Torquatus», IV, 7, 16. [44] القدّيسة تريزيا الإسبانيّة التي من أﭬيلا (1515-1582) ماتت والدتها وهي ابنة اثنتي عشرة سنة. دخلت دير راهبات الكرمل وكان لها من العمر ثماني عشرة سنة. كانت تقهر جسدها بأنواع الآلام، فتلبس المسح الخشن، وتفرك جسدها الغضّ بالأشواك، وتجلد نفسها بأمراس في أطرافها قطع من الحديد. عملت في إصلاح الحياة الرهبانيّة، وأنشأت أدياراً كثيرة، وانضوى إلى لوائها القدّيس يوحّنا الصليبيّ الكرمليّ. تركت كتاباتٍ كثيرة منها تاريخ حياتها، وطريق الكمال، والقصر الداخليّ، ورسائل عديدة. طوّبتها الكنيسة بعد أربعين عاماً من وفاتها. يوافق عيدها في 15 تشرين الأوّل (أكتوبر). أنظر: السنكسار، 1/195-202. أنظر المنحوتة على الرابط التالي: http://infiniteatlas.com/uploads/1403-YVFXeaq0l8FF.jpg [45] السَّرافين أو السَّرافون أو السَّراف هي ملائكة سداسيّة الأجنحة، لها يدان وصوت، تقوم بالحراسة أمام الربّ، وترتّل المزامير حول عرشه، خاشعةً بأبصارها، ساترةً وجوهها وأرجلها بأجنحتها. ورد ذكرها في سفر إشعيا، 6: 2-6؛ أمّا الكَروبيم أو الشَّروبيم أو الكَروب فهي ملائكة وضعها الله لحراسة مدخل الفردوس الأرضيّ، بعد طرد آدم وحوّاء منه، وهي أدنى مرتبة من السَّراف. ورد ذكرها في سفر التكوين، 3: 24. أنظر: الأب صبحي حموي اليسوعيّ، معجم الإيمان المسيحيّ (بيروت، دار المشرق، ط2، 1998)، ص260، 396. [46] عنيتُ أن أقرأ الكتب التي تشكّل روما أحد محاورها، ولعلّ أهمّها: الإنياذة لفرجيليوس (29-19 ق. م.)؛ كورين أو إيطاليا لجرمين دو ستايل (1807)؛ رحلات في إيطاليا لستندال (1802-1828)؛ المدن الثلاث - لورد، روما، باريس لإميل زولا (1893-1898)؛ الأسلوب الرومانيّ في الأدب والفنّ والحياة لإديث هاملتون (1993)؛ روما لأندره سويارس (1998)؛ على دروب الجمال للأب ميخائيل معوّض الأنطونيّ (1958).