دراسات نقدية
د. جوزف لبُّس: ساعات رمليّة وألماس – في تقريظ الأنا القارئة
إنّك من القليلين الذين يهتمّون بأجساد الكتب اهتمامَهم بأرواحها
جبران خليل جبران[1]
السهم والقوس
ثمّةَ ثلاثُ لذائذَ تُثلج النفس وتشرح الصدر، وإن لم تمشِ جنباً إلى جنب أو يداً بيد: أن تقتنيَ الكتب، وأن تقرأَها، وأن تسوقَ الحديثَ عنها. وحديثُ الكتب ذو شؤونٍ وشجون، غير أنّي أخشى أن أبدوَ في امتداح الكتب كمن يمتدح نفسه ويتباهى بمعرفته.
لستُ ممّن يعتقدون بالأبراج، ولكنْ لطالما قرأتُ بدهشة إهداءَ ماغي فرح كتابَها برج القوس: «إلى راوي القصص الغريبة، المسافر أبداً في الفكر إنْ لم يكن بالجسد، ملتهِم الكتب والمعلومات، المتجوِّل في حقول المعرفة من غير ملل...»[2]. أجل، نصفي حصان، ونصفي الآخر إنسان. أقدامي الأربعة ثابتةٌ على الأرض ورأسي في الفضاء تهيم! ناري أمامي تدفئ وتضيء، وهي في داخلي نارٌ تحرق. سهمي دائماً مشدود يحبّ حياة التَّطواف والإبحار في أعماق المجهول. والقوس لا تدفع بالسهم إلى الأمام إلّا بجذب الوتر إلى الوراء!
أمّي، أبي...
روت لي أمّي أنّي كنت أحبو باتّجاه المدرسة في حيّنا باكراً، فأرافق التلاميذ الذاهبين إلى صفوفهم كلّ صباح. إلى أن أُدخلت المدرسة وأنا بعدُ طفل، ابن عامين وثمانية أشهر (1969). بيد أنّي، بعد عامين أو ثلاثة، اعتمرتُ قبّعة الشيطان!
وروت لي أمّي أيضاً أنّها قطرت في عينيّ، حين فتحتُهما أوّل مرّة، قطراتٍ من الليمون الحامض لأنّها سمعت من الإذاعة اللبنانيّة، في فترة الحَمْل، أنّ الحامض كالجزر، يقوّي النظر. فذكّرتني طهَ حسين الذي أصابه رمدُ العينين فقطرت أمّه في عينيه سائلاً لم يجدِ عليه خيراً، ثمّ عالجه حلاّق علاجاً أودى ببصره. ولكن، لعلّ تلك القطرات هي التي حمتني حتّى اليوم (2011) من النظّارات! وأذكر، في هذا المقام، الخطيب اليونانيّ ديموستينُس الذي سُئل: «بأيّ شيءٍ أدركتَ من العلم أكثر ممّا أدرك غيرك؟» فقال: «إنّي أنفقت في ثمن الزيت ما أنفق غيري في ثمن الخمر»[3]. وكان يقصد زيتَ السراج الذي يضيء به وهو يدرس الكتب، غير آبهٍ لأن تنطفئ حدقتاه. ومثله أنيس منصور الذي كان يقرأ في ضوء مصابيح شارع الأمير حسين في الزمالك، حيث يسكن، في البيت رقم 38[4].
وأذكر أوّل كتابين مَلَكْتُهما، وكنت في عامي الثالث عشر إلّا قليلاً. كانا كتابين مزيّنين بالصُّوَر: Le petit Larousse illustré 1979 وأطلس العالم. وكانت تستهويني في الأوّل لوحات النساء العاريات (ولا سيّما فينوس بوتيشللي)، وفي الثاني صُوَر الحيوانات المفترسة (ولا سيّما النمر). ومنذ زمنٍ بعيد ولفظة متلصّص ترادف لفظة قارئ[5]. وكنت، قبل ذلك، حين أرافق والدي إلى وُرَش العمل، أقع على كثيرٍ من كتب المغامرات في الخزائن العتيقة وتحت الأسرّة. وكنت أقرأها بشغف. أذكر أنّي قرأت خمسين قصّةً لأغاثا كريستي وقمت بتلخيصها!
أجل، قد أدار الطفل الذي كنت ظهره للعالم، تاركاً في الخارج شمساً مشرقة، وأباً عاملاً، وأتراباً يلعبون، وهتافاتٍ وضحكات. وجلس، وحيداً، بلا حراك (كالعليل أو كالعجوز)، يقرأ. وفي الليل، والكلّ نيام، لم يكن لينام، ولم يكن ليسهر؛ كان يقرأ. وكان يحلم. كان يؤلّف عالمه ويخطّط طريقه من غير أن يعلم. «في الخارج هنالك الشمس، والصخب، والصداقة، هناك الحياة؛ وأنتَ هنا، مثل كلبٍ مجنون يحاول أن يعضّ رقبته»[6].
وبدأ هاجس تأسيس مكتبة خاصّة يراودني وأنا في الصفّ الأوّل الثانويّ (1982)، وكان كتاب أمين الرَّيحانيّ قلب لبنان حجر الزاوية. ولن يفوتني ، ههنا، أن أذكر كَرَمَ عمّي «إيليّا» في شأن الكتب. صحيحٌ أنّه كان صارماً، ولكنْ لم يكن يطلب منه أبي كتاباً أحتاجه - على اعتبار أنّه مقيمٌ في بيروت - إلاّ ويسارع إلى تلبية طلبه. وربّما كان من حقّ عمّي عليَّ أن أهدي هذا المقال إليه.
قام أبي بتنجير مكتبتي الأولى من بقايا أخشاب كانت مادّةَ بعضِ الأثاث. ورحت أنميها بكتبٍ أشتريها من مَعارضِ كُتُب أترقّبها على مدار العام وأقضي فيها الساعات، ومن مكتباتٍ في البقاع وبيروت وباريس والقاهرة ودمشق، ومن مكتباتٍ خاصّة قرّر أصحابها أن يبيعوا محتوياتها بأسعارٍ بخسة. وكان يكفي أن يرمي أمامي أحدُ العارفين بعنوان كتاب حتّى أطير بحثاً عنه كمن يبحث فيه عن ذاته. وإنّ لي مع كلّ كتاب اقتَنيْتُه قصّةً تشبه قصص الصيّادين مع الطرائد، وقصص الأطفال مع الفراشات. وأتمنّى أن تمهلني الأيّام حتّى أحكيَ قصّة كلّ كتاب أثيرٍ مؤثّر، أسوةً بأبي الحسن علي النَدْويّ في كتابه شخصيّاتٌ وكتب (1985) وجان مبرينو في كتابه نقرأ كما نتذكّر (2000) وألبرتو مانغويل في كتابه يوميّات قارئ (2004)،وأحكي كيف أصبحتُ أقول كلَّ حين: كُتُبي كتبتْ كُتُبي. كأنّما القراءة تعني دائماً أن نبنيَ أنطولوجيّات!
مغامرات صيّاد فراشات
كم في العنوان من إغراء الوجه الجميل وغواية العين النجلاء! وكم في الغلاف من أناقة الـمِعطف الفتّان! العنوان والغلاف كلاهما مليءٌ بالوعود مثقَلٌ بالذكريات. كم مرّةٍ غامرت في شراء مجلّدٍ نفيس ما إن يصل إلى بيتي حتّى يذوب سحره كجبل جليد، أو ينطفئ نوره كبرقٍ خُلّب. كم مرّةٍ بذلت باهظ الأثمان للحصول على كتابٍ أثيرٍ لديّ أو كتابٍ وقعت في حبّه من أوّل نظرة، وإذ بي أكتشف أنّي خُدعت كالمغفَّل ودفعت ثمنه أضعافاً. وكم مرّةٍ تردّدت في شراء كتاب، ثمّ عدت أدراجي لابتياعه وإذا به قد بيع لقارئٍ آخر! كتابٌ واحدٌينقصك، ويغدو العالم لا أحدَ فيه! هذا ما شعرت به حين فوّتتُ عليّ فرصة اقتناء كتاب دانيال أراس Le détail وكتابٍ آخر في التحليل الفنيّ لم أعد أذكر عنوانه. لم أكن بعدُ سمعت بالنصيحة القائلة: «حين تصادف كتاباً جيّداً اشترِه حتّى ولو لم تقرأه»؛ ولم أكن أحسب أنّ كتاباً تهواه قد تسلخ عشَرة أعوام من عمرك في البحث عنه؛ ولم أكن أدرك أنّ الكتاب الفنيّ متى نفد ندرت طباعته ثانيةً، ولات عندئذٍ ساعةَ مندم! وأحياناً كثيرة كنت أزور المكتبات النائية كبدويٍّ تائه (وحدي، لأنّ القارئ القارئ يكره الصيد في سربٍ أو رهط) على أمل الفوز بصيدٍ ثمين ولكنّي كنت أخرج، بعد وقتٍ طويل، خالي الوفاض بادي الإنفاض (كما يقول الحريري في مقاماته) مغبرّ اليد والثياب. وكنت كالنملة الصغيرة التي كانت تسير على مخطوطة غنيّة بزخارفها ونقوشها، فظنّت، لضيق حَدَقتها وقصور بصرها، أنّها تمرّ بحديقةٍ مزروعة بالريحان والسوسن والورود، فانبرت تمدح القلم[7]!
وبعد ظهور الإنترنت (الشابكة)، رحت أطارد الكتب (والصُّوَر) وأصطادها بالشبكة. إن كانت «المكتبة حصناً، فالإنترنت فضاءٌ مفتوح»[8]. وإن كانت كتب الإنترنت أرواحاً بلا أجساد وبلا أوزان وبلا روائح، غير أنّي رميت في قفص حاسوبي ما ينيّف على ستّة آلاف كتاب (وآلاف الصُّوَر) من كلّ لون ومن كلّ حجم.
وأذكر أنّني قرأت لوالدي ذات مرّة نصّاً لأمين الرَّيحاني من الرَّيحانيّات «أركان السعادة»، ولشدّة إعجابه بالنصّ تمنّى لو يمكن أن تحمله الطائرات المروحيّة وتقوم بنثره، كالمناشير، فوق المدن والقرى اللبنانيّة ليقرأه كلّ الناس.
ولـمّا زاولتُ التعليم حرصت على جمع الآثار الكاملة للأدباء الذين أحببت في مكتبتي، وللنصوص التي كنت أقرأها مبعثرةً في صفحات الكتب المدرسيّة. وبمقدار ما كنت أحصل على كتبٍ جيّدة من تلاميذي بمقدار ما كنت أحكم على سنتي المدرسيّة بالنجاح. هكذا قرأت الصداقة لمنوال يونس، وساعات بلا عقارب لأنيس منصور، وL’Erotisme لجورج باتاي، وكرة القدم في الشمس والظلّ لإدواردو غاليانو...
في الجامعة، كنت أستعير الكتب ولا أكتفي بقراءتها، بل كنت أقوم بنسخ ما فتنني. أذكر، على سبيل المثال، أنّي نسخت صفحاتٍ كثيرات من كتاب الثعالبيّ فِقه اللغة وأسرار العربيّة وكأنّي الكاتب الفرعونيّ المتربّع أو نسّاخٌ عبّاسيّ يطرب لسطور المخطوطة طربَ الملّاح لرؤية الميناء، غيرَ عابئ بأن تنحت الكتابة والقراءة شكله نحتاً فيركبَ ظهرَه قوس (ويحدودب احديدابَ رفّ تكدّست عليه الكتب بلا رحمة) أو يصيبَ عنقَه مَيَلان وجسدَه إرهاق (يهون علينا أن تُصابَ جسومُنا / وتسلمَ أعراضٌ لنا وعقولُ). وهو يعلم أنّه لن ينال على ما نسخه أو نقله مثقالَ ذرّةٍ ذهباً ولا فضّة! وكنت أحفظ ما أنسخ. فعندما يهوى قلبنا نصّاً (أو قصيدة)، نريد أن نحفظه عن ظهر قلب! وأن نجعله جزءاً لا يتجزّأ منّا.
وأذكر أنّ أحدَ زملائي المعلّمين نال يوماً من كتب التراث التي تضمّها مكتبتي وندّد بالجاحظ، أبي الأدب العربيّ، وكنتُ قرأت البيان والتبيين وأنا في العشرين من الدَّفّة إلى الدَّفّة. فشعرتُ وكأنّه نال منّي وأطال عليّ لسانه. المكتبة لسان حالنا تنطق بسيرتنا وبمسيرتنا. عندما نبني مكتبةً تبنينا. إنّها ظلُّنا وقَرينُنا. وهذه المكتبة الداخليّة هي التي نريد حمايتها ببؤبؤ العين لأنّها تشكّل هُويّتنا، ومن يوجّه نحوها سهام النقد يصيبنا في الصميم. ليست المكتبة خزانة أو مجرّد مجموعة من الكتب المبعثرة، إنّها الحياة! وإنّا ما نقرأ!
كنت أستعير الكتب وأهوى إهداءها وأكره أن أُهدى وأجفل من إعارتها! كنت أخشى أن أكون في حبْسي الكتابَ كصاحب القِرْبة وفي ارتجاعه كصاحب المصباح[9]. رحم الله أناتول فرانس الذي قال: «لا تُعِر أحداً كتبَك، فإنّه لن يردّها. ولو فحصتَ مكتبتي لما وجدتَ فيها إلّا الكتب التي استعرتُها من الناس»[10]. ومَن منّا يتخلّى عن أطرافه أو يعرض أدويته (حُفر تحت بعض رفوف مكتبة الإسكندريّة «صيدليّة الروح»[11]) أو يُعير فرشاة أسنانه؟ ولكنّي، في نهاية المطاف، كنت أعير كتبي صاغراً مُرغَماً. وبعد أن تعود إليّ أتأكّد من سلامة وجوهها وظهورها وأطرافها، لأجعلها، من ثَمّ، مُلكيَ من جديد. وكما يتألّم الفلّاح لخدشٍ يجرح غشاء شجرته، أتألّم أنا لخدشٍ يجرح كتابي، وأشعر كأنّ الجرح أصاب جسمي، وأحاول رأب الصدع. والكتاب المخروم مثلُ شخصٍ بُترت ساقه،أو جُذمت يده، أو شُلَّ عضوٌ من أعضائه.إنّي لأحسد أولئك المترفّعين القادرين على التخلّي عن أحبّ ما يملكون وبذله للآخرين. قال الشيخ عبد اللطيف الشويرف: «المكتبة ثروة، وفي الثروة حقّ الزَّكاة، وزَكاة المكتبة أن يُبذَل عطاؤها لسائليه، ويصل خيرُها إلى محروميه»[12]. ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾.
ولـمّا انتقلتُ إلى بيروت (1991)، انقسمت مكتبتي شطرين. ومعَ الأيّام كنت أشعر شعورَ ذلك الكائن البشريّ الأوّل الذي أخبرنا حكايته أرسطوفانيس في مائدة أفلاطون والذي شقّته الآلهة شقّين، فراح يبحث عن نصفه الآخر ليتمّ به ويجد سعادته. ليت للإنسان بيتاً كبيت السلحفاة يضع فيه مكتبته على ظهره ويرحل! ويا للتعاسة أن أجد الغبار في كلّ مرّة قد اكتسح رفوف مكتبتي - وهي من غير زجاج - ورفع فوق كتبي لواءه! تُرى، لماذا يعشق الغبارُ الكتبَ وقناني النبيذ العتيقة؟ أو هي التي تعشقه؟! ونويتُ، ذات يوم، أن أسجّل مكتبتي في شركة تأمين ضد النار (خصوصاً) والماء والسرقة، لعلّ قلبيَ يطمئنّ وتقرّ عيني، علماً أنّ الكتبَ ثروةٌ لا يرغب فيها اللصوص! أمّا الفئران والجرذان والديدان... فوقاني الله شرّها! «للكتاب وللإنسان الأعداءُ عينُهم: النار، الرطوبة، الحيوانات، الزمن، ولاسيّما المضمون الخاصّ بكلّ منهما»[13].
أجل، للكتب عيوبُها اللطيفة، ليس أوّلها الغبار الذي يتراكم أطناناً ويزكم الأنوف، ولا ثانيها وزنها الثقيل الذي يرقّق عظام «المثقّف» ويلوي عموده الفقريّ، ولا ثالثها احتلالها مساحةً واسعة من البيت. وكلّما أحببناها اجتاحت الأماكن كلَّها كنبتةٍ متسلّقة عملاقة، وتكاثرت كأنّها تتوالد بعضُها من بعض. أجل، للأمكنة أثمانُها، ولكنّ المكتبة، كالطبيعة، يروّعها الفراغ. وهل نصدّق أنّ «كتابين متجانسين متجاورين في زاويةِ مكتبة يُنجبان، عند الصباح، ثالثاً»[14]؟! وليست آخر عيوب الكتب أنّها توقعنا في حيص بيص عندما نريد تشذيب المكتبة كأنّنا نعيد تنظيم الكون! فأيَّ كتابٍ تحذف وأيَّ كتابٍ تُبقي؟ وإذا أردنا زجّ كتابٍ جديد بين شقيقاتٍ له، فأيَّ ترتيبٍ نعتمد؟ ألفبائيّ، النوع الأدبيّ، المؤلّف، اللغة، السلسلة، الحجم والمقاس واللون، تداعي الأفكار، أم غير ذلك؟ هذا كتاب شغف القراءة لألكسندر نجّار يرفض أن يستقرّ بحجمه المستطيل على أيّ رفٍّ من الرفوف. وكتاب كاماسوترا ذو الأخضر السندسيّ الفتّان، أين تخبّئه عن العيون؟ وهذه الكتب على الرفوف العليا، كيف السبيل للوصول إليها؟ وتلك على الرفوف السفلى، هل تنتشلها بغير السجود أمامها؟ وتخاف أن تنهار عليك مكتبتك فتطمرك، كالجاحظ، تحت أحبّ أصدقائك. غير أنّ عين الرضا عن كلّ عيبٍ كليلة.
وأذكر أنّني، في ساعات الفراغ، في دوامي المدرسيّ، كنت أقصد كلّية التربية في الجامعة اللبنانيّة (الفرع الثاني، نيو روضة) القريبة من المدرسة التي كنت أزاول التدريس فيها (ثانويّة سيّدة الرسل)، وهناك كنت أصرف الساعات الطوال قارئاً كاتباً. ومن أبرز الكتب التي قرأت في هذه المرحلة كتابٌ ضخم من سبعة مجلّدات، كان نواةً طيّبة لثقافتي الفنيّة: Chefs-d’œuvre de l’art. Grands peintres ولمّا فزت في برنامجٍ تلفزيونيّ على شاشة تلفزيون المستقبل الأوّلون (1994)، سألتني المذيعة ما أنا فاعلٌ بالملايين السبعة التي ربحتها، فأجبتها: أشتري بها كتباً. فضحكتْ، وسخر منّي الحاضرون. لم يخطر لي على بال، وقتئذٍ، أنّ الكتاب لا يُشبِع بطناً جائعة، ولا كنت شبيهاً ب "پينوكيو"، هذا الذي تمنّى- لو قُدّر له الظفر بمائة ألف- أن يبتني قصراً فخماً عظيماً، ومكتبة ملأى بأنواع الفاكهة وألوان الحلوى[15].
أجل، كنت بعيداً من پينوكيو، قريباً من بروسبارو، دوق ميلانو الذي اعتصم بمكتبته الخاصّة يرتشف من ينابيع المعرفة منـزوياً بنفسه عن الناس، منقطعاً عن أباطيل الدنيا، مفضّلاً مكتبته على إمارته كلّها[16]، محتمياً بدفء غرفة الدراسة وسكينتها تجاه صقيع العالم وصخبه. كنت أتخيّل مكتبتي شجرة أرز كتلك الماثلة في منتصف علم لبنان. بهيجة الأفنان، وارفة الظلّ، شامخة القوام. كنت أرى في كتب مكتبتي الملوّنة ما رأى كويكوج في وشومه الملتوية فوق جسده «نظريّةً كاملة عن السموات والأرض، ومقالةً صوفيّة عن فنّ بلوغ الحقيقة، من صُنع نبيٍّ عرّاف»[17]. وكويكوج هذا متوحّشٌ نبيل انتهى به المطاف إلى أن اتّخذ من تابوته مقاماً! لم يخطر لي على بال، عهدَئذٍ، عهدَ الشباب، أنّ القراءة تبتر الذراعين، وتسرق نوم العينين وتُطفئ بريقهما، وتسلب القارئَ كلماتِه فيروح يفكّر بعقول الآخرين، وينطق بألسنتهم، ويحسب الكلمات جوهرَ الأشياء. لم أكن أعلم أنّ الكتب تستعبد عاشقها (كعبد ميكالنجلو)، وتؤنّثه (إن كان ذكراً) فتضفي عليه صفاتٍ أنثويّة من رقّةٍ وحنان وسحر... ويقولون إنّ المحبرة أنثى لا يكتحل القلم إلّا بحبرها! هل حقّاً حبّ القراءة إدمان (كأفيون الشعوب) هدفه ملء فراغٍ عاطفيّ أو نفسيّ أو وجوديّ؟ لم أكن أدرك أنّ الحياة المستعجلة لا تعبأ بالقراءة، وأنّ الناس ينظرون إلى القَرّاء نظرتَهم إلى امرئٍ كسول خَلِيٍّ من المشاريع والمشاعر، لا يحفل بابتناء منزل ولا الشروع بسفر، ولا يهتمّ أدنى اهتمام لمشاركة البشر ثرثرتَهم حول شؤون الحياة وشجونها، كأنّه فوّض كتبه أن تحيا حياته واكتفى بأن يحيا هو فيها، وكأنّه كائنٌ من ورق أو من حروف، لا إنسان من لحمٍ ودم!
ولـمّا احتفلتُ بولادة كتابيّ الأوّلين تفّاح من ذهب في سلال من فضّة، وقصص الحيوان في أدب الأطفال (1996)، همستُ في أذن الحاضرين أنّي أحترم الناس ولكنّي أحبّ الكتب. وأسررتُ إليهم بأنّ كلّ ما أقرأه يتحوّل فيّ إلى طعومٍ وألوان! وما زال دأبي.
ولـمّا بات كتاباي المنشوران في مكتبات مؤسّسة نوفل والأهليّة، رحت أقايضهما كتباً بثمن الكتابين. هكذا ابتعتُ المحاورات الكاملة لأفلاطون ذات المجلّدات الستّة، وسعيد عقل شعره والنثر بأجزائها السبعة، والأعمال الكاملة لسلام الراسي بأجزائها الثمانية...
ولـمّا ناقشتُ أطروحتي الحبّ والموت من منظور السيرة الذاتيّة بين مصر ولبنان (2003)، قال الدكتور أنطوان معلوف، المشرف على الأطروحة، في خطابه أمام لجنة المناقشة: «ما كتب الطالب استشهاداً من كتاب إلّا وأشبع الكتاب درساً؛ مراجعُه طالعها، فما قبسَ منها إلّا ما أدركه في نصٍّ أصيل لا أخذاً عن نصٍّ دخيل. ومراجعه عديدة، فما سمع بواحدٍ منها يُعينه على صنيعه إلّا اقتناه. ومراجعه متعدّدة الجنسيّات، منها العربيّ والفرنسيّ والإنكليزيّ والألمانيّ والإسبانيّ والإيطاليّ، ناهيك عن اليونانيّ واللاتينيّ والسنسكريتيّ نفسه وأعني أدب الهند القديم، فطالع نشيد المولى وهو واسطة عقد ملحمة المهابهاراتا. أما مصادره فقد غاص عليها حرفاً حرفاً، فما فاته قراءة كتاب لطه حسين، أو توفيق الحكيم، أو ميخائيل نعيمه، أو توفيق يوسف عوّاد حتّى إنّه لاحق أخبارهم في الدوريّات الصحافيّة وأحاديثهم بحثاً عمّا ينير له السبيل».
ولمّا طبعتُ كتاب أخي (2009)، كتبتُ على ظهر الكتاب: «إن شاق كتبي أن تردّ عنه منجل الموت، فليس أقلّ من أن تبعث نسمة حياة تعبق بأريج ذكراه. إن رحل، يبقى الكتاب. يبقى كتاباً...».
وفي كتابٍ جديد دعوتُه لوحات إن حكت - قراءات في لوحات القراءة (2011)، كتبتُ نصّاً مستوحىً من لوحة[18]، جاء فيه:
حين نُغلق الكتاب
حين نضمّه إلى صدرنا
كيلا تفلتَ منه الصُّوَر والأحلام
حين نُغمض العينين
كي نُبصرَ بعينِ القلب ونرى الجوهريّ
حين ينغلق الكتابُ على القلب
ندرك أنّ حدثاً قد حلّ بنا
وأنّ حياتَنا لم تعد كما كانت
وأنّ الحقيقة أشرقت علينا
وأنّ لآلئَ نفوسِنا المفقودة قد عثرنا أخيراً عليها.
وفي نصٍّ آخر، في لوحةٍ أخرى[19]:
عبثاً يجري نهرُ الزمان
عبثاً تبدّل السماءُ ألوانَها
عبثاً يكتهل الفتى
وينفطرُ شملُ الأصدقاء
ثمّةَ أحاسيس لا تَشيخ ولا يُدركها وَهَن
وكلمات لا يقهرها زمن
وكتب تهبنا أجنحةً عملاقةً ناصعة
بعدما
عجزنا عن المسير.
وغداً
غداً، حين يشتعل الرأس مني شيباً، يكفيني أنّ لي في كتبي خمراً وجمراً وزادا. وربّما أدركني الهرم وحلّ بيَ المرض ولم أحسب لهما حساباً لأنّي كنت متنـزّهاً منفرداً بنفسه، يقتطف من حدائق الفكر أحلى الأزهار[20].
وبعد غدٍ، حين ينعق غراب الليل فأرحل بدوري، حين أصير سراباً، أصير تراباً، حين أُمسي وكأنّي لم أكن، الكتب سوف تحيا من بعدي، بمنجاةٍ من عنكبوت الزمن. وحيدة، ساكنة، ساكتة. «حينما يتحوّل كلّ شيء في هذه الدنيا إلى نِفاية وحُثالة حولنا، تبقى الكتب وحدَها محتفظة بقيمتها الثابتة. إنَّ الكتب أغلى من كنوز الأرض وصاحبها هو الغنيّ الحقيقيّ»[21].
من بعدي، لا تخافوا أن تغصّ كتبي بسَحَرة، نظيرَ ما خشيتْ خادمة دون كيخوته، فطلبت من القسّيس أن يرشّها بماءٍ طَهور ليطرد الشياطين[22]. إنْ هي إلّا ملائكة كملائكة بيرجوت، حين أنشبت فيه المنيّة أظفارها، أطلّت من خلف واجهات مكتبته المضاءة، طاويةً أجنحتَها، ساهرةً طوال الليلة الكئيبة على جثمان مالكها[23]. لست أدري كم شيطاناً / ملاكاً ملكت،ولست بمستطيع أن أحتسب تلك الكتب التي عبرت معي الفضاء أو عبرتْه إليّ. «القارئ القارئ لا يُحصي كتبه»[24]. مثله مثل السكّير لا يَعُدّ أقداحه، ويضرب عرض الحائط بآية سفر الجامعة: «لا نهايةَ لتأليف كتبٍ كثيرة، والدرس الكثير يُتعب الجسد»[25].
من بعدي، لا تُهملوا كتبي. لا تُتلفوها. لاتبيعوها. لا تنتقموا منها. المكتبات كالبيوت، تموت أحياناً حين يموت أصحابها.
الباب والمفتاح
إنّ الحياة تأتي (وتذهب) متنكّرةً في ثوب كتاب. وإنّ الكتاب يحمل مفتاح فهم الذات والحياة، وهو -كالموسيقى التي قرظها جبران - يرافق أرواحنا ويجتاز معنا مراحل الحياة، يشاطرنا الأرزاء والأفراح، ويساهمنا السرّاء والضرّاء. والحياة، لولا الكتب، كالحياة لولا الموسيقى، هفوة. وإنّ العالم بأسره يمكن حشره بين دَفّتي كتاب. قد أصاب مالارمه الحقيقة عندما قال: «كلّ شيءٍ في العالم موجود من أجل أن يوضَعَ في كتاب»[26].
كتبت فرجينيا وولف في إحدى مقالاتها: «القراءة غيّرت العالم ولـمّا تزل. حوّلت الصحارى والغابات ملاجئ آمنة، وما حدث كان بفعل حبّنا القراءة»[27]. وكتب أوسكار وايلد مقالاً حمل عنوان: «أقرأ، أو لا أقرأ»[28] (To Read, or Not To Read) على منوال شكسبير في هاملت: «أكون، أو لا أكون» (To Be, or Not To Be). بدون الكتب لا نكون، يصمت الضمير، تنام العدالة، تقف الطبيعة جامدة، تعرج الفلسفة، تصاب الآداب بالصمم، تطوي الظلمةُ سائرَ الأشياء، يغدو العالم حزيناً كأرملة وموحشاً كمقبرةٍ جماعيّة. ألم يبنِ روبنسون مجتمعاً له جديداً من بضعة كتبٍ قليلة لم يغمرها الغمر؟ الكتب هي ما يتركه الأموات للأحياء كي يساعدوهم على الحياة.
شبّهَ لويس أراغون الحدائقَ بكتب الصلوات في العصور الغابرة[29]؛ وأناتول فرانس، رأى المدنَ كتباً مزيّنةً بالرسوم، نلمح فيها أجدادَنا[30]؛ وبورخِس سمّى الكون مكتبةً تتألّف من عددٍ غيرِ معروف، من الطوابق والقاعات والرفوف، والمجلّدات والصفحات والحروف[31]؛ وباشلار تصوّر الفردوسَ نفسَه على هيئة مكتبةٍ هائلة، وتمنّى لو تسقط عليه كلّ يوم سلالٌ ملأى بالكتب. وهو، كلّ صباح، أمام الكتب المتراكمة على مائدته، يقدّم لإله القراءة صلاته: «أعطِنا جوعَنا كفافَ يومِنا»[32]؛ وأبو العلاء الهمذانيّ رأى في منامه أنّه في مدينةٍ جميعُ جدرانها من الكتب وحوله كتبٌ لا تُحَدّ وهو مشتغلٌ بمطالعتها. فقيل له: ما هذه الكتب؟ قال: سألت الله أن يُشغلني بما كنت أشتغل به في الدنيا فأعطاني[33]! وها أمبرتو إيكو يهتف: «لو كان الله موجوداً لكان مكتبة»[34]! ولك أن تقول: إنّ الكتب آلهةٌ صغيرة لا تُعدّ ولا تُحصى لكلّ شأنٍ من شؤون البشر، ولكنّ البشر لا يطلبون.
وفي القَصص العبريّ القديم أنّ الله خلق العالم عبر الطاقات الكامنة في الحروف الأبجديّة الإثنين والعشرين. عندما علمت هذه الحروف أنّ الله عازمٌ على خلق العالم، انتصبت حروفاً ناريّة حول كرسيّ الله، وأخذ كلّ حرفٍ يتقدّم من العزّة الإلهيّة طالباً متوسّلاً أن يخلق العالم بوساطته. ومعنى ذلك أنّ الله، قبل خلقه العالم، خلق حروف الهجاء ليستطيع أن يقول: «ليكن». خلقها الله من تاج العليّ ونُقشت بقلمٍ من نار[35]. وفي قاموس المتصوّفة، الكتاب هو لوح القدر المحفوظ، والكتاب المسطور هو الوجود المطلق، وما الكتب سوى ترجماتٍ بشريّة للكتاب المنهل والمرتجى، الكتاب الإلهيّ: كتاب العالم، كتاب الكون[36]. وجلال الدين الروميّ شبّه الكتابَ بالقلب، قال: «ليس كتاب الصوفيّ حروفاً وسطوراً سُوداً، ولكنّه القلب الأبيض مثل الثلج»[37]. وديكارت أطلق على العالم «كتاب النور»[38]. إنّ العالم لا معنى له إن لم يُنسج من جديد على نَوْل الكلمات والأشياء، على نَوْل نصوص الكتب! قال رولان بارت: «الكتاب يُبدع المعنى، والمعنى يُبدع الحياة»[39].
الزوّادة والجُنينة
الكتاب ملجأ: ما أشبهَه ببيت، بسلّم، ببرجٍ عاجيّ، بجزيرة كنز، بمظلّةٍ تقي الحرّ والمطر، بنورٍ يضيء ظلمات الوَحدة! النصّ وطن. قال والتر بنيامين: «لم أكن أقرأ الكتاب. كلّا، كنت أقيم. لا بل أسكن داخل أسطره»[40]. وقال أنيس منصور: «النجاة لا تزال ممكنة عن طريق الكتاب... في مهبّ عواصف الزمن أقمت لنفسي كوخاً من الورق»[41].
والكتاب حديقة: تدخل صفحاتِه كأنّها جنينة، تفوح منها الصُّوَر كالأزهار الملوّنة، وتصغي إلى حوارات أشخاصه كأنّها خرير السواقي، فتطرب وتعشق جمال الحياة. قال جان لويس بودري: «أكثر من ملجأ وملاذ، القراءة حديقة على مثال جِنّةٍ أرضيّة»[42]. وقال الجاحظ، هذا الذي مات وعلى صدره كتاب: «الكتاب بستان يُحمل في رُدْن»[43].
والكتاب غذاء: مائدة تدور حولك، أو أنت حولها تدور، تتناول ثمارها (المحرّمة) وأنت مطبقٌ فمك، عبر عينيك. أما صوّر فراغونار قارئةً تمسك بالكتاب كما لو كان كأساً من الشاي[44]! الكتاب ذئبةٌ من نوعٍ آخر تُرضع رومولوس وراموس حليبَ المعرفة. افتراسٌ لا يفقهه إلّا الوَلِعون النَهِمون. قال فرنسيس بايكون: «بعض الكتب يجب تذوّقُها، وبعضها الآخر يجب ازدرادُها، وقلّةٌ قليلة يجب مضغُها وهضمُها»[45]. وقال الجاحظ أيضاً: «الكتاب شجرة لا أطول عمراً ولا أطيب ثمراً»[46].
دعوة إلى السفر
والكتاب دعوةٌ إلى سفر: نافذةٌ على الدنيا. تنقيبٌ عن الكنوز. مطاردةُ فراشاتٍ ملوّنة. قَنصُ الوحوش البريّة. سفينةٌ في محيط الفكر. صفحاتٌ من زبَد الموج. بساط الريح السابح في فضاء الله وأرضه الواسعة طاوياً الزمان والمكان. «الكتاب، كالدرّاجة الهوائيّة والسيّارة، يُقاد أيضاً. وإذا كنّا لا نختار السبُل التي يسلكها بنا ولا المناظر التي ينقلنا إليها، فإنّنا نملك حريّة أن نتوقّف متى نشاء، وأن نعود أدراجنا، وأن نشاهد المشاهد نفسَها مراراً وتكراراً»[47]. و«إذا كان للطيور أجنحة، فللبشر كتب»[48]. أما نحت (بمعنى بنى شيئاً جديداً من شيئين متباينين) أنسلم كيفر الكتاب بجناحين[49]!؟ العمر رحلة يمكن احتسابها بعدد ما قرأنا من الكتب. و«كلّ قارئ إنّما هو مسافرٌ يحطّ الرِّحال، أو مسافرٌ يعود إلى مسكنه»[50]. وكلّ قارئٍ جيّد بدويّ مترحّل لا يقرّ إلّا لكي يهمّ بالرحيل.
والكتاب دعوةٌ إلى أن تستغرق في القراءة، أن تعيش المغامرة، أن تغيّب نفسك، أن تتحوّل آخر، أن تدخل في جلد الأبطال وتتقمّص الشخصيّات وترفع وعيك. وإذا أنت تارةً جُحا وأخوت شانيه ودون كيخوته وهاملت، وطوراً شهرزاد وتيمورلنك أو الـمُخبِر السرّيّ الظريف هرقل بوارو... قال فرنسوا مورياك: «عندما كنت طفلاً، كنت أبحث في الكتاب عن بطلٍ يعلّمني الحياة»[51]. وقال أورهان باموق: «بين سنّ السادسة عشرة والسادسة والعشرين، كانت القراءة مركزيّة كي أعطيَ روحي شكلاً»[52].
والكتاب دعوةٌ إلى أن تفتح صندوق الدنيا أو صندوق باندورا المغلق على أسراره وأشراره، وأن تخرج منه. أن تفكّر خارجَ الصندوق. قال جاك بونّه: «كلّ كتابٍ يُفتح أوّلَ مرّة هو، بالقوّة، صندوقٌ من فولاذ»[53]. للمكتبات أبوابٌ سحريّة تُفتح على مغاور علي بابا. ويا للمصادفات السعيدة! أحياناً، في ما أنت تفتّش عن الفضّة، تكتشف الذهب. وأحياناً، في ما أنت تبحث عن الذهب، تلقى الألماس! رميةٌ من غير رامٍ، سرنديبيّة![54].
والكتاب عصا سحريّة تحوّل الأحرف السُّود إلى ذهب المعرفة، وتمسّ كتاباً فيستوي صديقاً أو لصّاً أو فأساً أو مرآة (كالمرآة السحريّة أو مرآة نرسيس) أو زهرةً ربيعيّة متفتّحة أو متاهة، وتقلب خنزيراً قارئاً (كما في مزرعة الحيوان لجورج أورويل)، وقطّةً قارئة، وأرنباً عالِماً له شارب طويل على هيئة كتاب (كما في أليس في بلاد العجائب للويس كارول)، وتمسخ الوجوه والعقول فتصبح بدورها كتباً تُقرأ ومكتبات. أما صوّر أرشيم بولدو وجه الكُتُبيّ مكتبة[55]؟ قالت ليدي مكبث لزوجها: «وجهُك، يا أميري، كتاب، للناس أن يقرأوا فيه أموراً غريبة»[56]. وفي أعماق كلّ إنسان كتاب، طيَّ جوانحه قصص وحكايا، أغانٍ ومواويل. ولبعض القرّاء ذائقةُ نحلة وعينا صقر. وإنّ لهم حيويّةَ طرزان، وديناميّةَ السندباد، وهِمّةَ ابنِ بطّوطة!
الميناء والمنارة
«الكتب شريرة قد تقتل، وقد تدفع أيضاً إلى الجنون، ذلك ما لم يكفّ الأدب، زماناً قبل سرفنتيس، عن الجهر به»[57]. بعض الكتب متاحفُ مشرّعة على العصور والأمصار، ولكنّ بعضها الآخر عواصفُ وأعاصير، نورٌ ونار. كتبٌ غيّرت العالم، كتبٌ حكمت العالم، كتبٌ صنعت التاريخ. حضارة اليونان بدأت ب الإلياذة وانتهت ب الأناجيل. القرآن الكريم (سيّد الكتب) أحدث انقلاباً جذريّاً في تاريخ العرب. الثورة الفرنسيّة ما كانت لتشتعل لولا كتب فولتير وروسّو. كوخ العمّ طوم أسهم في تحرير العبيد وإلغاء الرقّ. الكتاب بيت الكلمة وسليل الحريّة. قال اللورد بايرون: «الكلمات أشياء. ونقطة حبرٍ صغيرة تسقط كقطرة ندى فوق فكرة تخصبها وتجعل الآلاف بل الملايين يفكّرون»[58]. وقال فولتير: «بعض الكتب كالشعلة في مواقدنا: نأخذها من جارنا، ونضع الدفء في دارنا، ثمّ نوصله للآخرين، وها هو ملكٌ للجميع»[59].
بلى، الكتب نفسُها، «هذه الكائنات المتقلّبة غير الثابتة»[60]، تتحوّل وَفْقَ مراحل حياتك ونموّك الفكريّ وحالتك العاطفيّة وعُقدك النفسيّة؛ من بيتٍ تسكن فيه، إلى مشفىً يعالجك ويداويك، إلى سفينةٍ تمخر بك البحار، إلى بساط ريح يحملك على جناحيه ويطير، إلى دربٍ تعود بك من جديد إلى هذا العالم. الكتب تجعلك إنساناً! وفي حين تكون قارئاً، إذا بك، من حيث لا تدري، تصبح كتاباً «بالقوّة» فكاتباً «بالفعل» تكتب كتابك الداخليّ، كتاباً يحمل بصمتك الشخصيّة، شريطة أن تكون قد عشت حياتك بحرارة، وقرأت طريقك الخاصّ عبر طرقٍ شائكة في مناطقَ مجهولة. وبعد أن تكون قد همت في عوالم الآخرين، قد تهتدي إلى قدس أقداسك. قال هيرمن هسّي: «كتبُ هذا العالَم جميعُها لا تجلب لك السعادة، غير أنّها، في السرّ، تعيدك إلى نفسك»[61].
فذلكة لغويّة
إنّ لفظة كتاب باللاتينيّة (Liber) تعني لِحاء الشجرة. وتاريخ الكتاب بدأ بالكتابة على قشور بعض الأشجار، كورق البَرْديّ. بيد أنّ هذه اللفظة تعني أيضاً: حُرّ (Libre) وطفل (Liberi) وخمر (إله النبيذ ليبِر باتر Liber Pater ك باخوس). قال جان بول سارتر: «القراءة حلمٌ حرّ»[62]. فهل تكون قراءة الكتب خمراً نشربها بالعينين تمنحنا القوّة والنشوة والحريّة وتعيدنا إلى فردوس طفولتنا المفقود؟ قال مارسيل بروست: « ربّما لا توجد أيّامٌ من طفولتنا عشناها كاملةً أكثر من تلك التي اعتقدنا أنّنا لم نحيَها، أي تلك التي قضيناها في قراءة كتابٍ نفضّله»[63].
قبل الكتاب، كان الصوت؛ صوت الأمّ المهدهِدة أو الجَدّة الراوية[64]. الكتاب الذي نحبّه كتابٌ صائت؛ إنّ له، كنهر سيدهارتا المقدّس[65]، أصواتاً كثيرة جداً: صوت ملك، ومحارب، وثور، وطائر ليليّ، وامرأة تلد، ورجل يئنّ، وألفَ صوتٍ وصوت... إنّ للكتاب الذي نحبّ أصواتَ المخلوقاتِ كلِّها! قال أوبير نيسّن: «لا أعرف قراءة كتاب وامتصاص نسغه ما لم أسمع نصوصَه تغنّي»[66]. الكتاب المسموع، صنيع الثورة الإلكترونيّة، عودةٌ إذاً إلى الأصالة، إلى الأصل!
وبالعربيّة، سُمّي الكتاب كتاباً لاجتماع حروفه، وانضمام كلماته بعضِها إلى بعض، والتصاق أوراقه بعضِها مع بعض. كما سُمّي العسكر كتيبة لاجتماع الجند فيه، وسُمّيت جماعة الخيل كتيبة إذا أغارت[67]. الكتاب نورٌ يضيء ونارٌ تحرق. الكتاب والكتيبة. القلم والسيف. قال القدّيس أنسلم: «وضعُ كتابٍ بين يدي جاهل مثلُ وضع سيفٍ بين يدَي ولدٍ قاصر»[68]. وكان الإسكندر الكبير يضع تحت وسادته الإلياذة وسيفَه: سلاحيه[69]. لعلّ جائزة نوبل للأدب اعتذارٌ من السيف إلى القلم!
في الحَرَم
هل جلستَ مرّةً في قاعة القراءة بين أناسٍ كثيرين يقرأون؟ قاعة في مكتبة تشبه دماغاً على مثال مكتبة الجامعة الحرّة في برلين، أو مائدةً مستطيلة مقلوبة على مثال المكتبة الوطنيّة في باريس، رفوفها الخشبيّة بنيّة اللون ومصابيحها خُضر، أو في مكتبة ارتفعت فوق مدخلها كلمات: «الدخول حرٌّ للجميع» كما مكتبة بوسطن العامّة، أو لعلّك جلستَ في قاعةٍ مستديرة توحي بأنّ كلّ صفحة هي أيضاً الصفحة الأولى! الإنسان، في قاعة القراءة، لا يشعر بوجود الناس. إنّهم مستغرقون في الكتب، خارج الزمن، وملامحهم تبدو أكثر هدوءاً وجمالاً. زمنهم داخليّ كزمن العشّاق. وهم يتحرّكون أحياناً بين الصحائف، كما يتحرّك النائمون حين يتقلّبون من جنبٍ إلى جنب بين حُلمَين. حواسّهم الخمس كلّها مأخوذة بفعل القراءة: عيونهم تجمّع الكلمات على الصفحات، آذانهم ترجّع صدى الكلمات المقروءة ويداعبها الرفيف كرفيف أجنحة الفراشات، أنوفهم تشمّ رائحة الورق والحبر والصمغ والجلد. «إنّ للكتب رائحةَ جوز الطيب أو التوابل القادمة من بلادٍ نائية»[70] (أحبّ أن يتحوّل القارئ أنفاً شبيهاً بأنف ابن الرومي أو أنف جياكوميتّي!)، أناملهم تتحسّس الأوراق الناعمة أو الخشنة والتجليد الناعم أو القاسي، وأحياناً ترتفع سبّاباتهم إلى أفواههم (من غير أن يتسمّموا على غرار ضحايا اسم الوردة!). إنّهم يسبحون في الفضاء، يحلّقون في الأعالي طيوراً خارج أسرابها، يهبطون الأودية السحيقة، يخترقون الصحارى الشاسعة، وتتناوب عليهم الفصول الأربعة، وتتداخل فاكهة الصيف مع فاكهة الشتاء، وهم في مقاعدهم قابعون. ما أحلى أن يكون الإنسان بين أناسٍ يقرأون، في قريةٍ بُنيت من كتب، في معبدٍ للصمت والسكون. ليتهم يكونون دائماً على هذه الحال! ولكن، هيهات، فإنّ الناس صُنعوا من بيتٍ ومن نحلة[71]!
هواجس
وبعد كلّ هذه المواويل في حبّ الكتب والمكتبات، وهذه الأناشيد في شكر المداد واليراع والورق، هل يأتي زمنٌ تصمت فيه الكتب صمتَ القبور، بعد أن ينقرض الورق، ويجفّ نزف الأقلام؟ هل الافتتان بالكتاب تعبيرٌ عن عالمٍ بدأنا نخسره ونحنّ إليه، بعدما حوّلت الإنترنت مطبعةَ غوتنبرغ رُكاماً مهجوراً، وغدا القرّاء النابهون نادرين؟ ومِقصّ الرقابة ما انفكّ يقلّم الأظافر ويبتر الأصابع ويسلّ الألسنة، ولا يزال القلم الأحمر سيفاً مُسلطاً على رؤوس العباد! أجل، إنّ بعض الحرائق تدمّر الكتب من غير أن تُضرم فيها ناراً. هل نقول لقراءة الكتاب: وداعاً! ومرحباً بقراءة الإبحار والتَّجوال والتَّـيَهان والتصفُّح والتفاعل...؟ وهل تغدو المكتبات متاحف؟
هل تغدو القراءة متعةً هاربة من جِنان النعيم؟ هذا رأي فرجينيا وولف التي حلمت ذات ليلة بفجر الدينونة. حين كان ربّ السموات يُكافئ عظماء هذا العالم على أعمالهم،يلتفت إلى القدّيس بطرس، ويقول له مشيراً إلى جمهرةٍ من القرّاء، كتبُهم تحت آباطهم: «أنظر، هؤلاء لا يحتاجون إلى ثواب، وليس لديناما نمنحهم إيّاه. لقد كانوا يحبّون القراءة»[72]! أمّا من لا يحبّ الكتب ويعيش من دونها فما أشبهَه بالجاهل الذي تكلّم عليه سقراط: لا يعرف أنّه لا يعرف! وإنّ اقتران لفظة «إقرأ» في سياق الآية الكريمة بقوله تعالى ﴿وربّك الأكرم﴾ في سورة العَلَق، لَدليلٌ على أنّ القرّاء هم من سينالون كرم الله وغناه، فيعلو شأنهم ويرقَون في الدنيا والآخرة[73] !
الآنَ الآن، وليس غداً، ﴿خذِ الكتابَ بقوّة﴾[74]. أمسكه بيديك كما أخذ سمعان الشيخ الطفلَ يسوع في حضنه[75]. «خذ واقرأ! خذ واقرأ»[76]، «اقرأ وارقأ»[77]! فأفضل تبجيلٍ للكتاب قراءتُه! وإنّ خيرَ الكتاب أن يُقرأ. وبدون العين التي تقرأه وتتقرّاه يظلّ الكتاب أخرس، لَعازر بين الأموات. وأمّا أنت «أيّها القارئ [الكريم]، فإنّك لَتنبضُ بالحياة والكِـبَر والحبّ، مثلي أنا»[78].
د. جوزف لبُّس
-----------------
هوامـــش:
[1] من رسالة إلى إميل زيدان في الرسائل، جمع أنطوان القوّال (بيروت، دار الجيل، ط1، 1994)، ص145.
[2] ماغي فرح، برج القوس (بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، لا ط. ولا ت.)، ص5.
[3] أبو الوفاء المبشّر بن فاتك، مختار الحِكم ومحاسن الكلِم، تحقيق عبد الرحمن بدويّ (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط2، 1980)، ص317.
[4] أنيس منصور، ساعات بلا عقارب (دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2001)، ص15.
[5] Maria Tasinato, L’œil du silence. Eloge de la lecture, trad. Jean-Paul Manganaro et Camille Dumoulié (Lagrasse, Verdier, 1989),p. 72 ; Roland Barthes, Plaisir du texte (Paris, Seuil, 1973), p. 31.
[6] كارلوس ليسكانو، الكاتب والآخر، ترجمة نهى أبو عرقوب (أبوظبي، مشروع كلمة، ط1، 2012)، ص143.
[7] حكى قصّة النملة جلالُ الدين الرومي في المَثْنوي، ترجمة إبراهيم الدسوقي شتا (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 1997)، الشذرة 3720 وما يليها، 4/359-360. وقد نقلها الرومي عن الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين (بيروت، دار صادر، ط1، 2000)، باب التوكّل، 4/306.
[8] روبرت دارنتون، الكتاب بين الأمس واليوم والغد، ترجمة غسّان شبارو (بيروت، الدار العربيّة للعلوم، ط1، 2010)، ص53.
[9] قال الخطيب البغدادي: «جاء رجلٌ إلى رجل، يستعير منه كتاباً، فأعاره وقال له: لا تكن في حبسك له كصاحب القِرْبة. قال لا، ولا تكن أنت في ارتجاعك له كصاحب المصباح. قال لا. وكان من حديث هذين أنّ رجلاً استعار من رجلٍ قِرْبةً، على أن يستقي فيها مرّةً واحدة، ثمّ يردّها، فاستقى فيها سنة ثمّ ردهّا إليه مُتَخرِّقة. وأمّا الآخر فإنّ رجلاً ضافه ضيفٌ من النهار، فاستعار من جارٍ له مصباحاً ليُسرجَه لضيفِه في الليل، فلمّا كان بعد ساعة، أتاه وطالبه بردّه، فقال له: أعرتني مصباحاً للّيل أو للنّهار، قال للّيل، قال: فما دخلَ الليلُ!». راجع كتابه: تقييد العلم، الفصل السادس، «من سلك في إعارة الكتاب طريقَ البخل وضنّ به عمّن ليس بأهل»، نسخة إلكترونيّة، ص45.
[10] ذكرته ناديا نويهض في كلمات من ذهب (بيروت، دار الحداثة، ط1، 1992)، ص662.
[11] Cf. Alberto Manguel, La Bibliothèque, la nuit, trad. Christine Le Bœuf(Arles, Actes Sud, 2006), p. 35.
[12] عبد اللطيف الشويرف، نماذج وصُوَر (بنغازي، دار الكتب الوطنيّة، ط1، 1998)، ص192-193.
[13] Paul Valéry, Tel Quel in Œuvres II (Paris, Gallimard, Bibliothèque de la Pléiade, 1960), «Moralités»,p. 546.
[14] Jacques Bonnet, Des bibliothèques pleines de fantômes (Paris, Denoël, 2008), p. 49.
[15] Alberto Manguel, Pinocchio et Robinson. Pour une éthique de la lecture, trad. Christine Le Bœuf (Chauvigny, L’Escampette, 2005), p. 15.
لقراءة حلم بينوكيو، أنظر: كارلو كولودي، مغامرات بينوكيو، ترجمة حمدالله سلطان (دار المعارف بمصر) الفصل 19، ص89-94.
[16] شكسبير، العاصفة، ترجمة أنطوان مشاطي (بيروت، دار نظير عبّود، بدون تاريخ)، الفصل الأوّل، المشهد الثاني، ص15، 18.
[17] هرمان ملفيل، موبي ديك، ترجمة إحسان عبّاس (دمشق، دار المدى، ط1، 1998)، الفصل110، ص578.
[18] ميشيل تيسما، الكتاب. راجع على شبكة الأنترنت:
http://lalitoutsimplement.com/wp-content/uploads/2009/07/teitsma-michelle.JPG
[19] تيودورس بيتّر، ﭐمرأة وكتاب. راجع الموقع: www.simonis-buunk.nl
[20] فعلا قرأ وقطف باللاتينيّة (Legere) مترادفان. أنظر:
Emile Faguet, L’art de lire (Paris, Armand Colin, 1992),p. 152.
[21] Washington Irving, Esquisses morales et littéraires, trad. Delpeux et Villetard (Paris, Le Tellier, 1822), p. 43-46.
[22] ثربانتس، دون كيخوته، ترجمة عبد الرحمن بدوي (أبوظبي، دار المدى، ط1، 1998)، الجزء الأوّل، الفصل السادس، ص67.
[23] Marcel Proust, A la recherche du temps perdu, La Prisonnière (Gallimard folio, 1989), p. 177.
[24] Manguel, op. cit., p. 67.
[25] سفر الجامعة، 12: 12.
[26] Stéphane Mallarmé, Quant au livre (mozambook.net), p. 18.
[27] Virginia Woolf, Selected essays, ed. By David Bradshaw (OxfordUniversityPress, 2008), p. 73.
[28] Oscar Wilde, Selected journalism (Oxford University Press, 2004),p. 12-13.
[29] Louis Aragon, Le Crève-cœur (Paris, Gallimard/Poésie, 2005), «Les lilas et les roses», p. 40.
[30] آراء أناتول فرانس، ترجمة عمر فاخوري (بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط1، 1982)، ص88.
[31] إقرأ قصّته «مكتبة بابل» في الألف، ترجمة محمّد أبو العطا (القاهرة، دار شرقيّات، ط1، 1998)، ص61-70.
[32] Gaston Bachelard, La poétique de la rêverie (Paris, PUF, 1999), p. 23.
[33] راجع: ابن الجوزي، المنتظَم، 18/11 (إعداد موقع روح الإسلام).
[34] Umberto Eco, extrait du magazine L’Événement du Jeudi, 9 Avril 1998.
[35] راجع: أنيس فريحة، في القصص العبريّ القديم (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1992)، ص25.
[36] أنظر:أنورفؤاد أبو خزام،معجم المصطلحات الصوفيّة (بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 1993)، مادّة «كتاب»، ص146؛ ومالك شبل، معجم الرموز الإسلاميّة، ترجمة أنطوان الهاشم (بيروت، دار الجيل، ط1، 2000)، مادّة «كتاب»، ص265.
[37] جلال الدين الرومي، المَثْنوي، الشذرة 160، 1/38.وللوقوف على رموز الكتاب في الآداب الإسلاميّة والأساليب المجازيّة التي استُخدمت فيها الكتب، راجع: آنّ ماري شيمل، الكتاب في العالم الإسلاميّ، تحرير جورج عطيّة، ترجمة عبد الستّار الحلوجي (سلسلة عالم المعرفة، الكويت، أكتوبر 2003، العدد 297)، «التورية بالكتب في الآداب الإسلاميّة»، ص61-80.
[38] راجع: ديكارت، العالم أو كتاب النور، ترجمة إميل خوري (بيروت، دار المنتخب العربيّ، ط1، 1999).
[39] Roland Barthes, op. cit., p. 59.
[40] Walter Benjamin, Chronique berlinoise in Ecrits autobiographiques, trad. Christophe Jouanlanne et Jean-François Poirier (Paris, Christian Bourgois, 1994), p. 321.
[41] أنيس منصور، م. س.، ص18، 21.
[42] Jean-Louis Baudry, L’Âge de la lecture (Paris, Gallimard, 2000), p. 16.
[43] الجاحظ، كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون (بيروت، دار الجيل، 1996)، 1/39. وشبيهٌ بقول الجاحظ وصيّةُ جون آدامز لابنه (1781): «أبداً لن تكون وحيداً إن حملت في جيبك ديواناً». أنظر:
John Adams cité par Alberto Manguel in Le livre des éloges, trad. François Gaudry (Chauvigny, L Escampette, 2007), p. 20.
[44] فراغونار، فتاةٌ تقرأ، 1776، المعرض الفنيّ الوطنيّ، واشنطن.
[45] Francis Bacon, The Essays, ed. by John Pitcher (London, Penguin Books, 1985), «Of Studies», p. 209.
[46] الجاحظ، م. س.، 1/42.
[47] Baudry, op. cit., p. 49.
[48] مقتبسة من بول هازار القائل: «نريد كتبًا، يقول الأطفال، نريد أجنحة». أنظر كتابه:
Hazard, Les livres, les enfants et les hommes (France, Boivin, 1949), p. 15.
[49] أنسلم كيفر، كتابٌ مجنّح، 1992-1994، متحف فورت ورث للفنّ الحديث، تكساس.
[50] Manguel, La Bibliothèque, la nuit, p. 282.
[51] ذكره عبد الرزّاق جعفر في كتابه الحكاية الساحرة (دمشق، منشورات اتّحاد الكتّاب العرب، 1985)، ص108.
[52] أورهان باموق، ألوان أخرى، ترجمة سحر توفيق (القاهرة، دار الشروق، ط1، 2009)، ص129.
[53] Bonnet, op. cit., p. 61.
[54] عن السردنيبيّة، إقرأ مبحثاً جميلاً في كتاب هنري صفير، نداء الكلمات (بيروت، 1995)، ص317-325.
[55] أرشيم بولدو، الكُتُبيّ، 1562، قصر سكوكلوستر، السويد.
[56] شكسبير، مكبث، ترجمة جبرا ابراهيم جبرا (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط1، 1986)، الفصل الأوّل، المشهد الخامس، ص684.
[57] عبد الفتّاح كيليطو، حصان نيتشه، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي (الدار البيضاء، دار توبقال، ط2، 2005)، ص48.
[58] Lord Byron, Don Juan (The Pennsylvania State University, 1999), Canto Three, p. 97.
[59] Voltaire, Mélanges I (1714-1738),“Lettre XXII: sur M. Pope et quelques autres poètes fameux”. Ouvrage disponible sur le site:
http://www.monsieurdevoltaire.com/pages/Lettres_philosophiques_Partie_9-3631444.html
[60] J.-P. Sartre, La nausée (Paris, Gallimard folio, 1995), p. 115.
[61] هيرمن هسّي، قصائد مختارة، ترجمة فؤاد رفقة (بيروت، دار نلسن، ط1، 2009)، قصيدة «الكتب»، ص32.
[62] J.-P. Sartre, Qu’est-ce que la littérature? (Paris, Gallimard folio, 1997), p. 57.
[63] Marcel Proust, Sur la lecture (Paris, Librio, 2000), p. 7.
[64] Michèle Petit, Eloge de la lecture. La construction de soi (Paris, Belin, 2002), p. 27-28; Hubert Nyssen, Eloge de la lecture (Montréal, Fides, 1997), p. 9-10.
[65] هيرمن هسّي، سيدهارتا، ترجمة فؤاد كامل (القاهرة، دار المعارف بمصر، ط1، 1985)، الفصل التاسع «الملّاح»، ص130.
[66] Hubert Nyssen, op. cit., p. 12.
[67] أنظر: ابن منظور، لسان العرب(بيروت، دار صادر، ط3، 1994)، مادّة «كتب»، 1/701.
[68] ذكره بورخس في ندوةٍ عُقدت ببوينس آيرس، في 24 مايو 1978، وحملت عنوان «الكتاب أسطورةً»، وأورده عيسى مخلوف في الأحلام المشرقيّة (بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 1996)، ص15.
[69] Plutarque, Vies parallèles, trad. d’Anne-Marie Ozanam (Paris, Quatro Gallimard, 2001), «Alexandre», VIII, 2, p. 1233.
[70] راي برادبوري، فهرنهايت451، ترجمة أحمد خالد توفيق (مصر، المؤسّسة العربيّة الحديثة، لا ت)، ص88.
[71]هذا النصّ تناصّ مع نصوص من: آلبرتو مانغويل، تاريخ القراءة، ترجمة سامي شمعون (بيروت، دار الساقي، ط1، 2001)، ص272-273؛ ومن:
Rilke, Les carnets de Malte Laurids Brigge, trad. Maurice Betz [1910] (Ebooks libres et gratuits, 2008), p. 28; Paul Valéry, Eupalinos ou l’Architecte [1921] (Livres et Ebooks), p. 1. [livres électroniques].
[72] Virginia Woolf, The Common Reader, Second Series (South Australia, eBooks@Adelaide, 2004), chap. 22, «How Should One Read a Book?» [electronic resource].
[73] جودت سعيد، إقرأ وربّك الأكرم (دمشق، ط1، 1988)، ص11، 17.
[74] القرآن الكريم، سورة مريم، الآية 12.
[75] مقتبسٌ في تاريخ القراءة لآلبرتو مانغويل، ص27.
[76] القدّيس أغوسطينوس، الاعترافات، ترجمة يوحنّا الحلو (بيروت، دار المشرق، ط5، 1995)، الكتاب الثامن، ص165.
[77] أي اقرأ وارقَ وارتقِ. حديثٌ شريف، رواه الترمذي وقال: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيح». راجع: سنن الترمذي، "أبواب الأمثال"، 3076 (إنتاج موقع روح الإسلام).
[78] من نُتفة والت ويتمان «أيّها القارئ» (Thou Reader) في أوراق العشب، ترجمة سعدي يوسف (دمشق، دار المدى، ط2، 1998)، ص26.