دراسات دينية

د. جوزف لبُّس*: المطر والورد أو جدليّة الدِّين والأدب

بقلم: د. جوزيف لبٍّس

«أفضّل أن أتكبّد الهزيمة مع المعرفة بجماليّة الأزهار، على النصر في وسط القفار» فرناندو بيسوا[1] توطئة أشكر لمعهد الآداب الشرقيّة دعوتي إلى المشاركة في سلسلة النشاطات التي ينظّمها؛ وأشكر لأصدقائي جميعاً زملاءَ وطَلَبة وأعزّاء، مشاركتي عناءَ التفكير في موضوعٍ شائقٍ شائك لم تزل غاباته عذراء؛ إنّ مناقشة الفكرة معكم تتيح لي أن أستبطنها. وأسارع إلى القول: لستُ هنا رجلاً من رجال اللاهوت أُعطيَ المفاتيح؛ إنْ أنا إلّا متأدّب يحاول أن يعبّئَ المطر في جرّة، ويجمعَ الورد في سلّة. وعليه، أستهلّ المحاضرة بتفسير رمزيّة المطر والورد، ثمّ أبني جدليّة عَلاقة الدين بالأدب لقاءً وصراعاً وتكاملاً، علماً أنّ الجدليّة في أصلها اليونانيّ (ديالكتوس) هي فنّ الحوار والمناقشة وتبادُل الآراء[2]؛ وأتساءل في الختام عمّا نطلب إلى الدين والأدب في عالم اليوم. أوّلاً- رمزيّة المطر المطر ماء، ومن الماء جُعل كلُّ شيءٍ حيّ. وروح الله كان يرِفّ على وجه المياه. في مصر القديمة أوزيريس هو النهر، في اليونان القديمة بوسييدون (Poséidon) هو البحر. في بلاد الرافدين، بلادِ جلجامش، نام الإنسان بين أحضان نامو، إلهةِ المياه المالحة والعذبة؛ ومن هناك، انتشرت قصّة الطوفان إيقاعاً كونيّاً. وبلادُ الهِندوس جعلتِ السماءَ أباً والأرضَ أمّاً، اتّحدا بالمطر. ومتى استحمّ الهندوسيّ في نهر الغانج، عادت خطاياه الحُمْر كالأرجوان بِيضاً كالثلج. ومن بلاد التاو، يهمِسُ صوتُ لاوتسو: «الخيرُ الأسمى يُشبِهُ الماء الماء يَسقي العشَرة آلاف بلا جُهد ينسابُ إلى أماكنَ هجرَها الناس الماء يُشبِهُ التاو»[3]. ينتمي الماء إلى مملكتين متقابلتين: الأرض والسماء، يُطفئ الجحيم، يقبِض على الهواء، يعجِن الترابَ حياة. ولكنّه أيضاً أداةُ عِقاب تُصيب المذنبَ وتُبقي على العادلِ أحيانا. ثانياً- رمزيّة الورد الوردة صورةٌ مضمّخة بالمعاني كأنّها كتاب، وعالمٌ أدبيٌّ ثرّ منذ رَعَويّات فرجيليوس وزراعيّاته[4] حتّى محمود درويش القائل: «إن أطلْتَ التأمّلَ في وردة لن تزحزحَك العاصفة» [5]. تُرى من هذا القبيل أطلق أمبرتو إيكو على روايته عنوان «اسم الوردة»، وهي رَجْعُ صدىً من سِفْر الرؤيا وطوقِ الحمامة وألفِ ليلة وليلة؟ الكتاب المغلق برعمُ ورد تُفتّقه القراءة وتجعله يضوع بأسراره. «الكلمة برعم يحاول أن يصبح غصناً»[6]. وتتهادى إلى حافظتي مملكةُ الخبز والورد، وبستان الورد (كَلستان)، وكتاب الورد، وأوراق الورد، وشوك بلا ورد، ومائة ورقة ورد (وكلّها كُتُب أدب)، وأبياتٌ قالها ريلكه نُقش أحدُها شاهداً على قبره: «أيّتها الوردة، يا تناقضاً خالصاً يا كتاباً مفتوحاً في الريح ينبغي أن نكون مئةَ فراشة لنقرأ كلَّ صفحاتِك؟»[7]. وقيل إنّ وردةً وخزت إصبعه حين همّ بقطفها فكانت سببَ موته! وكما تُركِّزُ الوردةُ في داخلها النورَ السماويّ وتقطُر لتَصيرَ عِطراً باقياً، يحبِس الأدبُ الدهرَ في عبارة، يلخّص عقولَ الأمم، يجمع رحيقَ الحياة. قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: «إذا أردتَ أن تكونَ عالِماً فاقصِدْ لفنٍّ من العلم، وإذا أردتَ أن تكونَ أديباً فخُذْ من كلّ شيءٍ أحسنَه!»[8]. إذاً، الدين كالماء والمطر؛ الأدب كالورد. ثالثاً- ثنائيّة المطر والورد لا ينبُت الورد إلّا إذا عانقه المطر قَطْراً ورَذاذاً، ولكنّ وابلَ المطر وشآبيبَه تكسّر الأغصان وتلوي الأنصاب وتقتلع الأوراد وتهوي بها إلى الحضيض. قال أبو العلاء المعرّي: والغيثُ أهنَؤه الذي *** يَهمي، وليس له رُعود[9] المطر للورد موتٌ وحياة. ولكنّ السماءَ قد «تُمطِر الأرضَ بوابلٍ من الورود»[10]. لعلّه مطرُ الفضائلِ والنِّعَم، كما في سيرة القدّيسة تيريزيا الطفل يسوع، وكما في سيرة بوذا الذي حين دخل في النِّرفانا، انهمرت على فِراشه الزهور وغطّت جسده، وتناهت إلى مسامعِ الحاضرين أنغامٌ سماويّة[11]. وعندئذٍ لا فرق بين وردٍ ومطر؛ كلاهما قَطْرةُ حياة، بل نُقْطةُ دم. رابعاً- جدليّة الدين والأدب الجدليّة هي «حركة الفكر التي تنتقل من مفهومٍ إلى آخر، ومن قضيّةٍ إلى أخرى، وصولا ًإلى المبادئ الأولى التي ترتدي قيمةً وجوديّة... إنّـها مسيرةٌ قائمة أساسا ًعلى الاعتراف بعدم إمكان الفصل بين النقائض، وعلى كشف مبدأ هذا الاتّحاد بينها»[12]. الجدليّة إذاً تطوُّر منطقيّ وعمليّة فكريّة تقوم على الارتقاء من تصوّر إلى تصوّر، والتأليف بين الأحكام المتضادّة، للتعبير عن موقف والوصول إلى حقيقة. هذا يعني أنّ الجدليّة منهجٌ صالحٌ لمقاربة ثنائيّة الدين والأدب. أمّا مراحلها، فثلاث: لقاء، فصراع، فتكامل. أ‌- اللقاء: الدين والأدب تعبيرٌ عن عبقريّة المكان، صحراءَ أو وادياً أو جزيرةً أو بين نهرين؛ عن روح المكان طبيعةً ومُناخاً وحيواناً وعمراناً. الأدب ابن بيئته، كذلك الدين[13]، حتّى لَيمكنَنا قراءةُ حياةِ هذا الشعب الروحيّة أو ذاك في آثاره الأدبيّة. والدين والأدب ثمرةُ صراع في العقل البشريّ، طرفاه رغبةٌ في القبض على ناصية الزمن واللحظة الهاربة، والشعورُ بأنّ هذا أمرٌ مستحيل. إنّ الدين والأدب لازمنيّان. وقد بيّن فيلسوف الجدليّة هيغل كيف أنّ الروح تعبّر عن توقها إلى تجاوز الزمان والمكان صوبَ المطلق واللامتناهي، بوساطة الفنّ والدين اللذين يؤدّيان إلى الفلسفة ويأتلفان فيها[14]. وإذا كان الدين يجيب عن الأسئلة؛ فإنّ الأدب يطرح أسئلة، يخلق قلقاً. قال جون دون (John Donne): «لا أحدَ ينام في العربة حين تُقلّه من الزَّنزانة إلى الـمِقْصلة، ولكنّنا ننام جميعاً من الولادة إلى القبر. إحدى مهامّ الأدب العظيم إيقاظُ الإنسان السائر نحو الـمِقْصلة»[15]. ولـمّا كنّا «نعيش في عالمٍ نائم، فعلينا أن نوقظه بحوار الآخرين، أن نكون ونعمل ونبحث، أن نخترع، نبدع، نخلق»[16]. الدين والأدب يَنشدان النور؛ إنّ في حياتنا قَدْراً كبيراً من الظلام، وإنّا في «حاجةٍ إلى نور نهتدي به»[17]. «الدين هو الرغبة في تجاوز الوجود نحو ذلك العدم الذي يكمن فيه النور الأعظم»[18]. والأدب يلقّح كاتبَه وقارئَه بفكرة الشكل، يمنحهما الشعور بأنّ للحياة معنىً، شكلاً يسير نحو اكتمال[19]. الدين والأدب انتصارُ الإنسان على أشكال القدر، على الظلم والألم والهرم والعُزلة والموت. قال جورج باتاي: «أكتب خوفاً من أن أُجَنّ»[20]. وقال رولان بارت: «أن تكتب معناه أن تحيا»[21]. وقال سيوران (Cioran): «كلّ كتاب انتحارٌ مُرجأ»[22]. وقالت الأديبة الواعدة بسمة الصيّاديّ: «عندما أكتب حرفاً جميلاً أشعر بأنّ لي رئة؛ وعندما يقدّم إليّ أحدهم حرفاً أجمل.. أتنفّس.[23]«! وقاوم سعد الله ونّوس فجيعة السرطان بالكتابة بعد أن انهار الجسد وظلّت الروح متيقّظة كشُعلة نار. وبعض الكتّاب إذ يكتبون، يشعرون لشدّة فرحهم بأنّهم يحلّقون كما لو أنّهم يمشون على غيمة[24]، وبعضُهم الآخر يكتبون ليُبعدوا الخوف، مثلما كان الرحّالة يُبعدون ليلاً بالنار الحيواناتِ المفترسة[25]، وآخرون رمّمت الكتابة ذواتـِهم وصالحتهم، كما الإيمان، معَ الحياة[26]. «الكتابة تفتح الجروح وتكويها في الوقت نفسِه»[27]. وبالأدب يغدو هذا «الإله الأبجديّ» فاعلًا، ينفث في شخصيّاته حياةً قويّةَ الحضور. وقديماً قال الإغريق: «لا خالقَ إلّا شاعر أو إله»[28]. وفي البَدء كانت الكلمة (والتأنيث هنا مقصود)، ولولاها ما اتّصل لاهوت بناسوت، ولا وَمَضَ الإله في الإنسان. قال مارون عبّود: «إنّ الله، تقدّس اسمُه، لم يُكلِّف بحمْل رسالته في كلّ دَوْر إلّا أفصحَ خَلْقِه»[29]. وقال مصطفى صادق الرافعيّ: «البلغاء هم أرواح الأديان والشرائع، وهم ألسنة السماء والأرض»[30]. إنّ للدين سلطاناً في النفوس وسلطاناً في الآداب؛ قد انبجس الأدب، في كلّ مكان، من نبع الدين كما الورد من المطر؛ في المهابهاراتا والرامايانا حياةُ المتنسّكين، في أسفار موسى ونصوص الفيدا (Veda) شعورٌ عميق بالجلال والجليل. في الأفستا (Avesta)، ينازل النورُ الظلام؛ وفي كلّ صفحةٍ من صفحات الشاهنامِه، يُنشد الفِردُوسي، هوميروس الفرس، مآثرَ الأبطال، متغنّياً بتاريخ بلاده والإنسانيّة معاً. وتحت سماء الشمال دَرَج أودين (Odin)، الرجل الذي كان قدماء السويد والنروج يعبدون، وسارت بأخباره الأساطير، ولهجت باختراعه الأبجديّة وابتكاره الشعر. وفي كثيرٍ من بلاد العالم القديم، كان المعبد مأوى الآداب؛ كانت ملحمة جلجامش تُتلى في المعبد، في اليوم الرابع من عيد العام الجديد، في شهر نَيْسان. وفي ظلّ المعبد، أنشد أخناتون أولى قصائد التوحيد الكبرى في التاريخ، نشيدَه العظيم إلى آتون: «بديعٌ أنت عندما تتجلّى في أفق السماء يا آتونُ الحيّ يا باعثَ الحياة. وعندما تحتجب في الأفق الغربيّ تُظلم الدنيا إظلامَ الموت ولا ترى عينٌ رفيقَها ويخرج كلّ أسدٍ من عرينه وتنساب الثعابين كلُّها ويسكن العالم. وفي الصباح، عندما تُشرق في الأفق تتألّق الأرض كأنّها في عيد ينهض البشر يرفعون أيديَهم ابتهالًا تمرح الماشية في مراعيها ترفرف الطيور فوق أعشاشها وتبسط أجنحتها تهليلًا ترقص الحملان تقفز الأسماك إنّ أشعّتك تتغلغل إلى أعماق البحر يا خالقَ الجرثومة في المرأة يا صانعَ النُّطفة في الرجل يا واهبَ الجنين حياةً في بطن أمّه ما أعظمَ أعمالَك الخافية عن الأبصار أيّها الإلهُ الأوحد الذي لا سلطانَ كسلطانه!»[31] ولم يكن كتاب الموتى الفرعونيّ إلّا أدباً دينيّاً جنائزيّاً يرافق الروح في رحلتها كجواز سفر، ويرتّل الكهنة منه فصولاً في معابدهم صلوات. الشعر ابن الدين؛ لم تخرج ميثولوجيا اليونان من جبهة شعرائها كما خرجت أثينا مكتملةً من جبهة زيوس، وإنّما نبعت من أعماقٍ غامضة كالأسرار. كان الدين أوّلاً، ثمّ كان الشعر والأدب والميثولوجيا والفنون. لقد عزف أورفيوس أناشيده على أوتار الحبّ والهُيام والعِرفان، وصدحت قيثارة بِندار بنُبْل شعبه وألعابهم الأولمبيّة، ورسم أميرُ الشعراء هوميروس بريشته الساحرة آلهتَهم ومعتقداتـِهم وعاداتـِهم وتقاليدَهم ولم تذهب بمجده ثلاثون من القرون. وكما الشعرُ الغنائيّ والشعرُ الملحميّ، كذلك الشعرُ المسرحيّ؛ وُلد في أحضان الاحتفالات الدينيّة الديونيزيّة، ووُلد معه سوفوكليس وأسخيلوس ويوربيديس. وبعدَ الشعراء كان الفلاسفة. وكان أفلاطون إرهاصاً باللوغوس[32]. بعد موت الشعر في أثينا، بُعث حيّاً في روما، وإذا بفرجيليوس أشدُّ الشعراءِ ديناً بل ومسيحيّةً[33]. وبعد روما الوثنيّة، روما المسيحيّة وآباءُ الكنيسة وثورةٌ على كلّ الصُّعُد تولَد الإنسانيّةُ من مخاضها إنسانيّةً جديدة. وترتفع الكاتدرائيّات ملاحمَ قُدّت من حجر، ويُزهر في أوروبّا أدبٌ دينيٌّ مسيحيٌّ منقطعُ النظير لعلّ خيرَ مَن يمثّله القدّيس أغسطينوس ودانتي ألليغيري. «وكان القدّيس بونافنتورا يرى في الكون لغة الله، أي اللغة التي يعبّر بها الخالق عن وجوده، كما كان يعتقد أنّ القدّيسين أهلٌ لأن يكونوا شعراء يسبّحون بلغة الله»[34]. وتُشرق شمسُ الأنوار فتستبدل النهضة الكتابَ المقدّس بالإلياذة ويهوه بجوبيتر، وتيمّم وجهَها شطرَ اليونان والرومان تدرسهم وتحاكيهم، ولكنّ الناثرين الكبار كانوا هم الشعراء حين يمّموا وجهَهم شطرَ الينابيع الدينيّة: باسكال، فينيلون، بوسّويه[35]. الشعر لا يموت؛ إنّه يعود فينبعث من جديد غامضاً كالقدر، شفّافاً كالرجاء، لامتناهياً كالرغبة، صارماً كالواجب، عميقاً كالفكرة، حنوناً كالعاطفة. قد أنكر ت. س. إليوت كلّ شيء في صحراء العالم الحديث إلّا اليأسَ والموت، ولاذ بحظيرة الكاثوليكيّة، ورأى الخلاص في التوفيق بين الشعر والمسيحيّة: لا حياةَ إلّا في الجماعة، ولا جماعة إن لم تكن تعيش في مديح الربّ[36] وإنّ الإيمان «حبّة الخردل[37]» ضروريّ في كلتا الحالتين: في الدين وفي الأدب؛ عليك أن تؤمن لينتقل الجبل من هنا إلى هناك، وعليك أن تؤمن بأنّ الكتابة هي أفضل ما يمكن أن يحدث لك؛ وأن تؤمن بذاتك كاتباً لإنجاز أثرٍ أدبيّ: «وحدَه مَن يعتنق الأدب ديناً مؤهَّلٌ ليصبحَ كاتباً وليكتبَ عملاً يتجاوزه»[38]. وعليك أن تعاني، فإن لم تفعل فلن يؤمن بك أحد. من هذا القبيل قول هوراس: «إن أنت أردت استدرارَ دموعي وجب أن تُـحسّ بنفسك غصّةَ الألم أوّلاً»[39]. ويلتقي الأدبُ والدين في متون الكتب الدينيّة آياتٍ من البيان؛ يقول جون ديوي (John Dewey): «كلّ أنبياء الأخلاق الذين عرفتْهم البشريّة إنّما كانوا شعراء، حتّى وإن لم يكونوا قد نطقوا إلّا بالنظم المرسَل أو المثل الرمزيّ»[40]. البهاغفاد جيتا (نشيد المولى أو أنشودة الله) هي إنجيل الهندوس ولؤلؤة ملاحم الهند وعُصارة الفكر الهنديّ الدينيّ والفلسفيّ والأدبيّ على السواء. وكلام بوذا في السلال الثلاث كلامُ لُبٍّ سقطت عنه القشور، وتَفَكُّرٌ بالصور: «قصيرةٌ هي حياةُ الإنسان، شيءٌ تافه، عابر، مليءٌ بالبلايا، قطرةُ ندى على ورقةِ عشب، تجِفُّ عند شروق الشمس، وتزول، فقاقيعُ على سطح الماء، إذ تُمطر السماء، أثرُ عصا لا يلبث أن يتبخّر، جدولٌ ينحدر من جبلٍ قاصٍ، يجرُف كلَّ ما في الطريق، لا يقف لحظةً واحدة، أو ثانية، متحرّكٌ دونما انقطاع، هائجٌ جارٍ، بقرةٌ مُعَدّةٌ للذبح، وكلُّ خُطوةٍ إلى المسلخ خُطوةٌ إلى الموت، تلك هي حياةُ الإنسان: شيءٌ تافه، عابر، مليءٌ بالبلايا»[41]. وكتاب تاو تي تشينغ (الطريق إلى الفضيلة)، أكثر النصوص عمقاً وإلغازاً في الأدب الصينيّ، وأهمُّها في الميراث الروحانيّ التاويّ، وأصغر كتب الحكمة (81 فصلًا، 5 آلاف حرف صينيّ) وضعه لاوتسو في ثلاثة أيّام، مقاطعَ موجزة غامضة تَعرِض لُمَعاً من عالمٍ لا تنفُذ إليه اللغة ولا تَحدُّه الكلمات، وعدداً من جوامعِ الكَلِم صيغت بأبياتٍ كأنّها الشعر: «في السَّكَن، كُنْ إلى الأرض قريباً. في التأمُّل، كن عميقاً. في التعامُل معَ الآخرين، كن رقيقاً. في الحديث، كن صادقاً. في الحُكم، كن عادلاً. في العمل، كن بارعاً. في التنفيذ، راقبِ التوقيت»[42]. ويبدو زرادُشت في الأفستا نبيّاً وشاعراً؛ كتابه ترانيم لُحمتها المعاناة والانفعالات والكلمات المجنّحة، وسَداها النغم والوزن والإيقاع، وهو يجلو خصائصَ الشاعريّة الفارسيّة: «هذا ما أسألك عنه يا أهورا فأصدقْني القول: مَن كان أبا الحقّ منذ بداية النشوء؟ مَن حدّد مسارَ الشمسِ والنجوم؟ مَن سِواك رفع القمر إلى الأوج ومَن هبط به إلى الـمَحاق؟ مَن غيرُك يفعل هذا؟ هذا ما أريده أن يكونَ يقيني، وأودّ معرفة المزيد يا مازدا. هذا ما أسألك عنه يا أهورا فأصدقْني القول: مَن الذي وضع الأرض ورفع السماء التي لا تسقط أبداً؟ مَن الذي خلق الماءَ والغابات؟ مَن الذي ربط السرعة بالريح والغيوم؟ مَن هو يا مازدا خالقُ الفكر الخيّر؟ هذا ما أسألك عنه يا أهورا فأصدقْني القول: مَن المبدعُ الذي خلق النورَ والظلام؟ مَن المبدعُ الذي خلق النومَ واليقظة؟ مَن الذي خلق الصبحَ، الظهرَ، الليل، ليذكّرَ الإنسانَ الحكيم واجبَه؟»[43]. والعهد القديم، تحفة الأدب العبريّ وأساس الدين اليهوديّ، ثُلْثه قصائد، تَشيع فيه أساليب التَّكرار والتوازي والتناظر، ومن العسير أحياناً كثيرة أن نحدّد أين ينتهي الشعر ليبتدئ النثر[44]. يصف لنا الحياة وصفاً شعريّاً، نقرأه كتابَ دين كما كتابَ تاريخٍ وأدب. ونقرأ نشيدَ الأناشيد «أجملَ نشيدِ حبٍّ في الكون»[45]، وإذا الشعرُ صلةُ وصل بين الحبّ والدين، وإذا الحبُّ دينٌ وإيمان. وفي الإنجيل سبعةٌ وعشرون مثلاً في ملكوتِ الله وفضائلِ أهلِ الملكوت، وفي الـمَثَل «يجتمع إيجازُ اللفظ، وإصابةُ المعنى، وحسنُ التشبيه، وجَودةُ الكناية، ونهايةُ البلاغة»[46]. والدين، في المفهوم الإسلاميّ، منهجُ حياةٍ شامل؛ والقرآن الكريم كتابُ دين، ولكنّه أيضاً المثلُ الأعلى في الإعجاز. قال الإمام عبد القاهر الجُرجاني مجيباً عن تساؤل العارف الجاهل حول مزايا الكتاب المبارك: «أعجزَتْـهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائصُ صادفوها في سياق لفظه، وبهرهم أنّهم تأمّلوه سورةً سورة، وعَشْراً عَشْرا، وآيةً آية، فلم يجدوا كلمة ينبو بها مكانُها، ولفظة يُنكَر شانُها، بل وجدوا اتّساقاً بهر العقول، وأعجز الجُمهور»[47]. وتوقّف أمير النثر، أمين نخلة، أمام القرآن الكريم قائلاً: «إن النثر العربيّ ارتفع بالـمُصحف إلى ما وراء الفكر، وجاء الذُّروة التي تتقطّع دونها الأعناق! فإنّما القرآن هو المعجِز في بلاغته، وأسلوبه، ولفظه، وحلاوة فواصله، وسَوْق معانيه، لا كلام في هذه العربيّة يبلغ مبالغَه في ذلك كلِّه»[48]. وفي المجال الأدبيّ، حوّل الإسلامُ اللغةَ العربيّة لغةً مقدّسة خالدة، وطوّر فنَّي الكتابة والخَطابة، وولّد علوماً كثيرة دينيّة كالتفسير والحديث والكلام، ولغويّة كالصّرف والنّحو والبلاغة... وبذر بذور القصّة في الأدب العربيّ. ومثلما كان المجتمعُ الإسلاميّ مسرحَ تحوّلات، كان الأدبُ مِنْبرَ تعبيرٍ عنها. وقد قال النبيّ الكريم: «إنّ من البيان سحراً، وإنّ من الشعر حِكَماً»[49]. وإنّ من الشعر ما له قدرةٌ على كشف الأسرار العجيبة، كما في عَيْنيّة ابن سينا، عن النفس؛ ومن الشعر ما يبثّ روح التسامح والمحبّة والوَحدة بين الأديان، كما في ترجمان الأشواق لابن عربي؛ ومن الشعر ما له طاقة على التأثير الروحيّ الفائق وتعميق الحياة الدينيّة وتجديدِها، كما مَثْنوي جلال الدين الروميّ؛ ومن الشعر ما تحرّر من جفاف الفكر ومن قيد الذهن في صياغته تجاربَ فلسفيّةً شديدةَ العُمق والالتزام كما رسالة الشرق لمحمّد إقبال[50]. إنّ مئات آلافِ الأصوات في الأمم كلِّها تكافح باتّجاه الأهداف نفسِها، وتناشد الإلهَ نفسَه ولكن بأسماءَ مختلفة. ب‌- الصراع بين الأدب والدين لقاءٌ وتقارُب، وبينهما أيضاً صراعٌ وتباعُد؛ قال شارل لالو: «الفنّ والدين يتجاوران جواراً سرمديّاً، ويستقلّان أيضاً استقلالاً سرمديّاً»[51]. ولعلّ هذا الصراع وذاك اللقاء يعودان إلى طبيعة كلٍّ من الأدب والدين، وإلى الظروف السياسيّة التي تكتنفهما ونظامِ الحُكم. قد يلتقي الأدبُ والخير، وقد يلتقي في الأدب الجمالُ والشرّ. لا يبالي الجمالُ دائماً بالقيم الأخلاقيّة، ولا يكترث بتغليب الخير على الشرّ، وتالياً فإنّ الوَحدة بين الحقّ والخير والجمال قد تنفصم عُراها. قال دوستويفسكي: «في الجمال يصطرع الرحمن مع الشيطان، وتدور رَحى هذا الصراع في قلب الإنسان»[52]. وحدّث المَرزُباني عن الأصمعي، قال: «طريق الشعر إذا أدخلْتَه في باب الخير لان... الشعر نَكَدٌ بابُه الشرّ». ويضرب مثلاً بشعر حسّان بن ثابت الذي علا في الجاهليّة والإسلام، ولان (أي ضعُف) في مراثي النبيّ وصَحْبه[53]. يُقيم الأصمعي حدّاً فاصلًا بين الدين والشعر، ويراهما عالـمَين منفصلَين لا يتّصل أحدهما بالآخر، وفي اتّصالهما حَيْفٌ على الشعر نفسِه. ويروي أبو الهلال العسكري أنّه «قيل لبعض الفلاسفة: فلانٌ يكذِب في شعره؛ فقال: يُراد من الشاعر حسنُ الكلام، والصدقُ يُراد من الأنبياء»[54]. والأدب يتأمّل الأديان ويتساءل: أين الحقيقة؟ يضعُ اللهَ ذاتَه موضعَ تساؤل؛ قال أبو العلاء: في اللاذقيّة فتنةٌ *** ما بين أحمدَ والمسيحْ هذا بناقوسٍ يدقّ *** وذا بـمِئْذنةٍ يصيحْ كلٌّ يعزّز دِينَه *** يا ليت شِعري ما الصحيحْ؟[55] وقال أبو نواس: إنّي عَشِقتُ، وهل في العِشقِ من باسِ *** ما مرَّ مثْلُ الهوى شيءٌ على راسي مالي وللناسِ، كمْ يَلْحَوْنَني سَفَهاً، *** دِيني لنفْسي ودينُ الناسِ للناسِ[56] وقال ديك الجنّ الحُمصي: أأترك لذّة الصهباء عمداً *** لما وعدوه من لبنٍ وخمرِ؟ حياةٌ، ثمّ موتٌ، ثمّ بعثٌ *** حديثُ خُرافةٍ يا أمَّ عَمروِ[57] وثار رامبو، هذا المخلوق العَجَب، على المسيحيّة ثورةَ مَن لا يستطيع الإفلات من عبء التراث أو التخلّص من سلطان الموروث، فكانت حياته فصلاً في الجحيم، ورشق السماءَ بكتاب: يسوع! يا يسوع! يا سارقاً أزليّاً يسلُب البشرَ نشاطَهم[58] وكما صارع يعقوبُ الملاك، يصارع «الإلهُ الأبجديّ» الإله، يحاكي خالقَه محاكاةَ إجلالٍ وطموح، يجرؤ على الوقوف أمامه نِدّاً لنِدّ: خلقتَ الظلامَ فصُغتُ السراج *** وطيناً خلقتَ فصُغتُ الكؤوسا خلقتَ جبالاً وبِيداً ومَرْجا *** خلقتُ حدائقَها والغروسا[59] وربّما باع الشاعرُ، نظيرَ فاوست، الشيطانَ روحَه[60]. وقد يحمِل الشعرُ على عاتقه مُهمّةَ تغيير دينٍ قائم أو خلق دينٍ جديد (تولستوي مثلاً[61]). إنّ الشاعرَ الكبير سياسيّ ومفكّر ومشترع وفيلسوف، ينقد الحياة، يرفض الصمت والسكون والثبات، يجهر بأفكاره، يكسِر القيود، ينفلت من العِقال، يخلع العِذار، يهتك السِّتْر، لا يمنح الناسَ طمأنينة، بل يجعلُهم يعيشون في قلق، يعرّيهم أمام أنفسهم، لا يقدّم لهم راحةَ ضمير ولا نوماً ملء الجفون، بل يوقظ فيهم الضمير ويفتح عيونهم على واقعهم الحيّ. قال توماس كارليل: «الحقيقة أنّه ما زال بين النبيّ والشاعر، لو يفقه الناس، شبهٌ قريب وما برح جوهرُهما واحداً من حيث إنّ كليهما ينفذ ببصره إلى سرّ الكائنات»[62]. ولذلك يضيق رجالُ الدين ورجالُ السياسة ذَرعاً بالأدباء والشعراء فيَقصّون لهم أجنحتَهم العملاقة ويصطادونهم؛ نُفي دانتي من وطنه بحُجّة الخيانة، وأُعدم ابنُ المقفّع وبشّار بن بُرد وصالح بن عبد القدّوس بتُهمة الزندقة[63]، وحاولوا اغتيال نجيب محفوظ بذريعة الكفر والتكفير. وحكاية الصراع بين المطر والورد حكايةٌ تطول نروي منها بعضَ فصول. في مصرَ القديمة، كانت هُويّة الشاعر والأديب ضائعة؛ كانا نكرتين ولم يحفظ لنا التاريخ أسماءهما. وكان الشعر والأدب تعبيراً عن رؤيةٍ دينيّةٍ محضة، فناءَ المضمونُ الدينيّ بكَلْكَلِه على الروح الفنيّة. تجلّى ذلك في الأساطير الدينيّة، وفي كتاب الموتى. وفي الصين القديمة، تربّع الإمبراطور على قِمّة العلوم والآداب والفنون والأديان، وقال لاوتسو، الفيلسوف العجوز: «كلمة الحقّ ليست جميلة، الكلمة الجميلة ليست حقيقيّة»[64]. وفي اليونان القديمة، ارتاب أفلاطون في الشعراء، فطردهم من جُمهوريّته لأنّهم قادرون على محاكاة شخصيّاتٍ كثيرة محاكاةً تزيّفُ الواقع وتصوّر الآلهة تصويراً يغمز من قناتهم ويحطّ من قدْرهم[65]. وفي العصور الوسطى، ساد الأدبُ الدينيّ، وكان الكتابُ المقدّس مَعينَ الفنونِ الأوحد. ونقم القدّيس أغسطينوس، المتأثّر بأفلاطون، على الآداب اليونانيّة واللاتينيّة المتضمِّنة خُرافاتٍ وترّهات، وندّد بالتمثيل المسرحيّ سبيلًا إلى الفِسْق والدعارة[66]. حتّى في القرن التاسع عشر، وقف تولستوي، «شقيقُ هوميروس»، موقفَ أفلاطون في كتابٍ هو ثمرةُ خمسةَ عشرَ عاماً من التفكير: ما هو الفنّ؟[67] حمل تولستوي على شكسبير وروستان وإبسن وبودلير وفرلين ومالارميه لأنّ جِدّةَ أعمالهم أو غموضَها يجعلُها بعيدةً عن إدراك الإنسان العاديّ. ومعيار جَودة الفنّ لدى تولستوي معيارٌ داخليّ هو الوجدان الدينيّ، لأنّ الفنّ الصحيح فنٌّ شعبيّ يجمع البشر في إنسانيّةٍ واحدة، ويعمَل في «تشييد مملكةِ الله»[68]. وفي فجر الإسلام (622-661 م / 40 ه)، اعتصم الشعر بحبل الدين. وإلّا، فالشعراء يتَّبِعهم الغاوون، وهم في كلّ وادٍ يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون، وخيرٌ أن يمتلئ جوف أحدهم قيحاً من أن يمتلئ شعراً (أي شِرْكاً وكفراً)[69]. وقد أهدر الرسول دمَ الشعراء والشواعر الذين هجَوه وحاربوا بالشعر دعوته إلى الإسلام، وأمر بقتلهم «حتّى ولو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة»[70]، ففزع كثيرون منهم إلى ساحته يطلبون عفوه، وقصّة كعب بن زهير في هذا الصدد مشهورة[71]. بَيْدَ أنّ الشعرَ لم يلبث أن عاد إلى مجراهُ الأوّل، ولم يعش في كنف الدين طويلا. ووقف النقّاد إلى جانب الشعراء، فعزلَ النقدُ الأدبيّ الشعرَ عن الدين، وأخذ عليه تدخّلَه في مسائلِ الفنّ والأدب، وجاهر بتخطيئه كما على لسان القاضي الجُرجاني: «لو كانت الديانة عاراً على الشعر، وكان سوء الاعتقاد سبباً لِتأخُّرِ الشاعر، لَوَجَبَ أن يُمحى اسم أبي نواس من الدواوين، ولكنّ الدين بمعزلٍ عن الشعر»[72]. ونافحَ أبو بكر الصولي عن أبي تمّام الذي اتُّهم بالكفر، فقال: «ما ظننتُ أنّ كفراً يُنقص من شعر ولا أنّ إيماناً يَزيد فيه»[73]. ودافع ابن جِنّي عن المتنبّي، فقال: «إنّ الآراء والاعتقادات في الدين تقدح في جَودة الشعر»[74]. وكما أنّ الموضوع لا يخلق اللوحة الفنيّة، فإنّ الإبداعَ الشعريّ لا يكون بالمضمون الدينيّ وحدَه. ج- التكامل حاول بعضُ أهل الدين أن يختزل الأدب، وأن يقلّص دوره في بعض العهود، وإنّ «أسوأَ أنواعِ الاستبداد الاستبدادُ المقدّس»[75]، لكنّ شجرَ الورد يصبِر على فصل المطر والبرد، فما تلبث الحياة أن تدِبّ فيه، و«تتطاول الوردة نحو العلاء بقامةٍ هيفاء ورأسٍ يتسامى متشامخاً كأنّه شعلةٌ من نار فوق مِسْرجةٍ من زمرّد»[76]. وحدث أن عَرَفَ تاريخُ الأدب شعراءَ رائين متنبّئين، لعلّ أشهرَهم المتنبّي عندَنا، ووليم بلايك، في بلاد الغرب، كاتب قِران الجنّة والجحيم: «إسمعوا صوتَ الشاعر ذلك الذي يرى الحاضر، والماضي، والمستقبل ذلك الذي سمعتْ أذناه الكلمةَ المقدّسة حين كانت تسير وسط الأشجارِ العتيقة»[76b] وحدث أن استغنى الأدب عن الدين، وامتلأت نفس الأديب بأدبه، فاعتنق دينَ الأدب وعثر على علّة وجوده في عمله الأدبيّ، وكانت القراءةُ والكتابة خبزَ الروح وخمرَها[77]. وإنّ أزهار الشرّ التي حكم عليها عصرُها بالفساد والإفساد حوّلتِ الشعر الحديث نحو عالم الروح، وأيقظت لدى الإنسان بحوثاً لاهوتيّة كاشفةً عن عمق التجربة الإبداعيّة[78]؛ «سعيدٌ مَن كانت أفكارُه كالقُبّرات (Alouettes) تنطلق حرّةً كلَّ صباح نحوَ أديم السماء مَن يحلّق فوق الوجود، ويعي بلا عناء لغةَ الزهور والأشياءِ الخرساء!»[79] هل ينضوي الأدب تحت لواء الدين؟ هل ينطوي الدين تحت راية الأدب؟ هل يتلاشى أحدُهما في الآخر ويذوب؟ «إنّ الأدب والدين يلتقيان إذا ارتفعا حتّى لا نكاد نستطيع التمييز بينهما»[80]. خامساً- اختلال العالم[81] في مطلِع القرن الحادي والعشرين، وبعد أن نسيَ العالم الكلمة، ظهرت عليه علاماتُ اختلالٍ عديدة فكريّاً وأخلاقيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وبيئيّاً، وبدأت حضاراته تتهافت، واشتدّت فيه ثقافة الموت. هل بلغت البشريّة حقّاً عتبةَ إفلاسِها؟ ما وسائل الخروج من هذا المأزِق؟ وكيف السبيل إلى الخلاص؟ ماذا نطلب اليوم إلى الدين؟ وماذا نطلب إلى الأدب؟ إلى الدين نطلب ألّا يكون في خدمة السلطان، ألّا يتحالف والسياسة، ألّا يستسلم لغواية السلطة، ألّا يمارس العنف باسمِ الله ومملكةِ السماء، ألّا يحبِسَ الناس في زَنزانةٍ إيديولوجيّة، ألّا يحتكرَ الحقيقة، «أن يُدَخْلنَ القِيَم»[82]، أن يكون نوراً في القلب؛ وإلى الأدب نطلب أن يفرّق بين الدين ورجال الدين، أن يكون نقيضاً للعنف، صراعاً ضدّ الموت، نضالاً من أجل الحريّة؛ نطلب إليه أن يُريَنا أنّ للحقيقة غيرَ وجه وأنّ للحقّ أضواءَ كثيرة، وأن يعلّمنا التعبيرَ عن الذات بالكلمة واكتشاف الآخر اكتشافاً عميقاً حميماً فرِحاً[83]. إنّ الدين والأدب قادران على إحداث تغييرٍ روحيّ، وإنّ العالم اليوم هَيْمانُ إلى المطر والورد مجتمعَين، لا في عَلاقةٍ جدليّةٍ تدور على التضادّ والصيرورة، بل في جديلةٍ واحدة (لعلّ اسمها الحكمة)، يُغزَلان فيها غزْلاً وثيقاً، فينبثق منها النور وتزغرد الحياة. «قد تمّ العثور عليها. ما هي؟ الأبديّة. هي المطر، ممتزجاً والورد»[84]. الدينُ والفنُّ والتدبيرُ والخُطَبُ / والشعرُ والنثرُ والتحريرُ والكتبُ (...) إنْ تحفظِ الذاتَ هذي فالحياةُ بها / أو لم تَطِق ذاك فهي السحرُ والكذبُ كم أمّةٍ تحت هذي الشمسِ قد خَزِيَتْ / إذْ جانبَ الذاتَ فيها الدينُ والأدبُ[85] د. جوزف لبُّس: المطر والورد أو جدليّة الدِّين والأدب ------------------------- المصادر والمراجع أوّلاً- العربيّة القرآن الكريم. إبن بُرد، بشّار: الديوان. تحقيق الإمام الشيخ محمّد الطاهر بن عاشور، الجزائر، 2007. إبن عبد البرّ: جامع بيان العلم وفضله. تحقيق أبي الأشبال الزهيري، الرياض، دار ابن الجوزي، ط1، 1994. إبن كثير: الفصول في سيرة الرسول. تحقيق محمّد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو، دمشق والمدينة المنوّرة، مؤسّسة علوم القرآن ومكتبة دار التراث، ط3، 1403ه. إبن هشام: السيرة النبويّة. تحقيق السقّا الأبياري شلبي، مكتبة الحلبي بمصر، ط2، 1955. أبو نواس في نوادره وبعض قصائده. إعداد وتحقيق سالم شمس الدين، صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، ط1، 2010. إسماعيل، عزّ الدين: الأسس الجماليّة في النقد العربيّ. القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1992. بركات، حليم: غربة الكاتب العربيّ. بيروت، دار الساقي، ط1، 2011. تمراز، شوقي: أفلاطون والديانات السماويّة. بيروت، الأهليّة للنشر والتوزيع، 1994. جبران، خليل جبران: العواصف في المجموعة العربيّة. بيروت، دار الجيل، ط1، 1994. الجرُجاني، القاضي: الوساطة بين المتنبّي وخصومه. تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمّد البجاوي، صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، ط1، 2006. الجُرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجاز. تحقيق السيّد محمّد رشيد رضا، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1994. الجميّل، ناصر: الرموز المسيحيّة. بيروت، ط1، 2007. حسين، طه: تجديد ذكرى أبي العلاء. القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014. الحمويّ، ياقوت: معجم الأدباء. تحقيق إحسان عبّاس، بيروت، دار الغرب الإسلاميّ، ط1، 1993. درويش، محمود: لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي. بيروت، رياض الريّس للكتب والنشر، ط1، 2009. ديوان الزنادقة. تحقيق جمال جُمعة، كولونيا – بغداد، منشورات الجمل، ط1، 2007. الرافعي، مصطفى صادق: حديث القمر. القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012. عبد النور، جبّور: المعجم الأدبيّ. بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984. عبّود، مارون: نقدات عابر في المجموعة الكاملة، ج 5. بيروت، دار مارون عبّود ودار الثقافة، لا ت. العسكري، أبو هلال: كتاب الصناعتين. تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، ط1، 1952. الصيّاديّ، بسمة: مِعطف الرماد جسد الضوء (شعر وسرد وحكمة). بيروت، دار أوراق الزمن، ط1، 2014. ضيف، شوقي: العصر الإسلاميّ. القاهرة، دار المعارف، ط20، 2002. فاخوري، عمر: الفصول الأربعة. بيروت، منشورات الآفاق الجديدة، ط1، 1981. قبّاني، نزار: الشعر قنديل أخضر في الأعمال النثريّة الكاملة، ج 7. بيروت، منشورات نزار قبّاني، ط2، 1999. القصيبي، غازي: من هم الشعراء الذين يتّبعهم الغاوون؟ بيروت، دار الساقي، ط2، 1994. قمير، يوحنّا: الهند إن شدت وهدت. بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1995. كرم، يوسف: تاريخ الفلسفة الحديثة. القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012. تاريخ الفلسفة اليونانيّة. القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014. الكك، فكتور: ابن المقفّع أديب العقل. بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، ط1، 1986. لبُّس، جوزف: مطر من ورد - دراسة في ثنائيّة الدين والأدب ونصوص مختارة. بيروت، دار المشرق، ط1، 2012. المفكِّرة الباريسيّة - مشاهد وتأمّلات في أدب الرحلات. دير الزهراني، دار البَنان، ط1، 2012. مخلوف، عيسى: مدينة في السماء. بيروت - القاهرة - تونس، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2012. المرزُباني: الموشّح في مآخذ العلماء على الشعراء. القاهرة، جمعيّة نشر الكتب العربيّة، 1343 ه. مكّاوي، عبد الغفّار: ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر. الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1972. موسى، سلامه: كيف نربّي أنفسنا. القاهرة، كلمات عربيّة للترجمة والنشر، 2011. الميداني: مجمع الأمثال. تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، 1992. نخله، أمين: أمثال الإنجيل في الأعمال الكاملة – المجموعة الأدبيّة ج 2. بيروت، مجد، ط1، 1983. الأعمال الكاملة – الأساتذة في النثر العربيّ ج 3. بيروت، مجد، ط1، 1993. نعيمه، ميخائيل: الغربال. بيروت، مؤسّسة نوفل، ط14، 1988. وهبه، مراد: قصّة الديالكتيك. دار العالم الثالث، ط1، 1997. ثانياً- المعرّبة: الكتاب المقدّس (العهد القديم والعهد الجديد). إدمان، إروين: الفنون والإنسان – مقدّمة موجزة لعلم الجمال. ترجمة مصطفى حبيب، الفجّالة، مكتبة مصر، لا ت. أغسطينوس: اعترافات القدّيس أغسطينوس. ترجمة الخوري يوحنّا الحلو، بيروت، دار المشرق، ط5، 1996. أفلاطون: جمهوريّة أفلاطون. ترجمة فؤاد زكريّا، الإسكندريّة، دار الوفاء، 2004. إقبال، محمّد: رسالة المشرق في أعمال محمّد إقبال الكاملة. ترجمة عبد الوهاب عزّام، القاهرة، دار الآفاق العربيّة، ط1، 2005. إليوت، ت. س: في الشعر والشعراء. ترجمة محمّد جديد، دمشق، دار كنعان، ط1، 1991. قصائد. ترجمة ماهر شفيق فريد، الفجّالة وبيروت، دار المستقبل ومكتبة المعارف، ط1، 1996. بيسوا، فرناندو: كتاب اللاطمأنينة. ترجمة المهدي أخريف، القاهرة، المركز القوميّ للترجمة، ط2، 2008. تريزيا الطفل يسوع: قصّة نفس. ترجمة الأب إميل الحاج البولسيّ، جونيه، منشورات المكتبة البولسيّة، ط1، 1996. دوستويفسكي: الإخوة كارامازوف. ترجمة سامي الدروبي، موسكو، دار رادوغا، 1988. ديوي، جون: الفنّ خبرة. ترجمة زكريّا إبراهيم، القاهرة، المركز القوميّ للترجمة، 2011. ريلكه: الأشعار الفرنسيّة الكاملة. ترجمة كاظم جهاد، كولونيا - بغداد، منشورات الجمل، ط1، 2006. زرادُشت: أفستا. إعداد خليل عبد الرحمن، دمشق، روافد للثقافة والفنون، ط2، 2008. ساباتو، إرنستو: الكاتب وكوابيسه. ترجمة عدنان المبارك، عمّان، دار أزمنة، 1999. ستيس، ولتر: الزمان والأزل – مقال في فلسفة الدين. ترجمة زكريّا إبراهيم، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2013. سيوران: توقيعات. ترجمة لقمان سليم، بيروت، دار الجديد، ط1، 1991. فيورباخ: ماهيّة الدين - الله صورة الإنسان. ترجمة أحمد عبد الحليم عطيّة، القاهرة، دار الثقافة العربيّة، 2007. كارليل، توماس: الأبطال. ترجمة محمّد السباعي، بيروت، دار الرائد العربيّ، ط4، 1982. لاوتسو: الطريق إلى الفضيلة. ترجمة علاء الديب، الكويت، دار سعاد الصُباح، ط1، 1992. لالاند، أندريه: موسوعة لالاند الفلسفيّة. ترجمة خليل أحمد خليل، بيروت، منشورات عويدات، ط2، 2001. لالو، شارل: الفنّ والحياة الاجتماعيّة. ترجمة عادل العوّا، بيروت، دار الأنوار، ط1، 1969. ليسكانو، كارلوس: الكاتب والآخر. ترجمة نهى أبو عرقوب، أبوظبي، مشروع كلمة، ط1، 2012. مار، ميشائيل: فهود في المعبد. ترجمة أحمد فاروق، أبوظبي، كلمة، ط1، 2009. معجم اللاهوت الكتابيّ. بيروت، دار المشرق، ط3، 1991. معلوف، أمين: اختلال العالم – حضاراتنا المتهافتة. ترجمة ميشال كرم، بيروت، دار الفارابي، ط1، 2009. مورجان، تشارلس: الكاتب وعالمه. ترجمة شكري عيّاد، القاهرة، الهئية المصريّة العامّة للكتاب، 2012. مياس، خوان خوسيه: العالَـم. ترجمة شيرين عصمت، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط1، 2009. ميلر وهوبر: تاريخ الكتاب المقدّس. ترجمة وليم ووجدي وهبه، القاهرة، دار الثقافة، ط1، 2008. هوراس: فنّ الشعر. ترجمة لويس عوض، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط3، 1988. هورنونج، إريك: أخناتون وديانة النور. ترجمة محمود ماهر طاهر، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2010. يوصّا، ماريو فارغاس: رسائل إلى روائيّ ناشئ. ترجمة أحمد المديني، دمشق، دار التكوين، 2009. ثالثاً- غير العربيّة: Bachelard, Gaston : La poétique de la rêverie. Paris, Puf, 1999. Barthes, Roland : Nouveaux essais critiques. Paris, Seuil, 1972. Bataille, Georges: L Érotisme. Paris, Minuit, 2001. Sur Nietzsche. Paris, Gallimard, 1973. Baudelaire, Charles : Les fleurs du mal. Paris, GF-Flammarion, 1964. Blake,William: Songs of Innocence and of Experience. London, 1789-1794. Rimbaud, Arthur : Poésies. Ebooks libres et gratuits, 2003. Tolstoï, Léon : Qu est-ce que l art? Trad. Wyzewa. Paris, Perrin, 1898. رابعاً- الإلكترونيّة: www.adab.com (ديوان أبي العلاء المعرّي) www.hindawi.org (مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة) www.islamspirit.com (موقع روح الإسلام) -------------------- * متخصّص بالآداب العربيّة. أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، وجامعة القدّيس يوسُف - بيروت. ألقى الكاتب هذه المحاضرة في معهد الآداب الشرقيّة في إطار سلسلة النشاطات التي ينظّمها المعهد (9/5/2014)، وقد تخلّلها قراءةُ نصوص دينيّة أدبيّة أدّاها طلبةٌ من الجامعتَيْن اللبنانيّة واليسوعيّة. [1] فرناندو بيسوا، كتاب اللاطمأنينة، ترجمة المهدي أخريف (القاهرة، المركز القوميّ للترجمة، ط2، 2008)، ص108. [2] أنظر: جبّور عبد النور، المعجم الأدبيّ (بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984)، مادّة «ديالكتيّة»، ص113؛ مراد وهبه، قصّة الديالكتيك (دار العالم الثالث، ط1، 1997)، ص5. [3] لاوتسو، الطريق إلى الفضيلة، ترجمة علاء الديب (الكويت، دار سعاد الصُّباح، ط1، 1992)، ص14. وللكتاب نفسِه ترجمتان أخريان: لهادي العلوي (بيروت، دار الكنوز الأدبيّة، ط1، 1995)، ص66؛ وفراس السوّاح (دمشق، دار علاء الدين، ط1، 1998)، ص42. وقد أفدنا من هذه الترجمات جميعاً. التاو لغةً الطريق، واصطلاحاً جوهر العالَم الماديّ، يُرمز إليه بدائرة مقفلة. أنظر كتابنا: مطر من ورد - دراسة في ثنائيّة الدين والفنّ (بيروت، دار المشرق، ط1، 2012)، ص96. [4] ترجم الرَّعويّات أمين سلامه بعنوان أناشيد الرعاة، وهي عبارة عن عشرة أناشيد تصف الحياة الريفيّة وحياة الرعاة في شكل حوارٍ دراميّ، كتبها في ثلاث سنوات؛ أمّا الجورجيّات فكلمة يونانيّة تعني حراثة الأرض، يمكن ترجمتها بالزراعيّات، وهي أروع ما كُتب في الأدب الزراعيّ، والمقابل الأدبيّ للوحة ملأى بالأثمار والأزهار، وكأنّها سمفونيّة من أربع حركات: زراعة المحاصيل وتقلّبات الجوّ، وزراعة أشجار الكرمة والزيتون، وتربية المواشي، وتربية النحل أو: الحرب، السلام، الموت، البعث. إستغرق نظمها سبع سنوات. [5] لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي (بيروت، رياض الريّس للكتب والنشر، ط1، 2009)، «إلى شاعر شاب»، ص86. [6] Bachelard, La poétique de la rêverie (Paris, Puf, 1999), p. 16. [7] ريلكه، الأشعار الفرنسيّة الكاملة، ترجمة كاظم جهاد (كولونيا – بغداد، منشورات الجمل، ط1، 2006)، ص166-171-183. [8] ذكره ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله، تحقيق أبي الأشبال الزهيري (الرياض، دار ابن الجوزي، ط1، 1994)، 1 / 522. [9] ديوان أبي العلاء المعرّي (www.adab.com، 313 /1) [10] تريزيا الطفل يسوع، قصّة نفس، ترجمة الأب إميل الحاج البولسيّ (جونيه، منشورات المكتبة البولسيّة، ط1، 1996)، ص410. [11] يوحنّا قمير، الهند إن شدت وهدت (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط1، 1995)، ص109. [12] أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيّة، ترجمة خليل أحمد خليل (بيروت، منشورات عويدات، ط2، 2001)، مادّتا «جدل» و«جدليّة»، 1 / 273-274. [13] في فلسفة فويرباخ، إنّ شعور الإنسان بالتبعيّة هو مصدر الدين، بيد أنّ الطبيعة هي مصدر الدين الوحيد والأخير، لأنّ الإنسان يشعر بتبعيّته لها، فهي بيته الكبير. وإنّ الاحتفالات بالفصول الأربعة هي أقدم الديانات الإنسانيّة. وقد عبد المكسيكيّون القدماء الملح، وخلع عليه هوميروس صفة التقديس. وما الله، في فلسفة فويرباخ، سوى الطبيعة؛ هو نفسه الشمس والسماء والسحاب والمطر... ومن ثماره نعرفه. أنظر: ماهيّة الدين - الله صورة الإنسان، ترجمة أحمد عبد الحليم عطيّة (القاهرة، دار الثقافة العربيّة، 2007)، الفقرات 2-3-8-10، ص263-264-267-268. [14] بالفنّ أحرز الإنسان أوّل انتصار على المادّة وعلى العالم المحدود في الزمان والمكان. الفنّ إنزال فكرة في مادّة وتشكيلُها على مثالها. بيد أنّ الموادّ التي تُصاغ بها الفنون تعصى وتتمرّد فلا تطاوع الفكرةَ لتصويرها وتمثيلها، وإنّ الشعور بالعجز عن تجسيد المثل الأعلى، أي الأنموذج الذي يسعى الجهد البشريّ إلى تحقيقه في المادّة هو أصل الدين. الدين ينحدر عن الفنّ، وإن يكن محاولة دينيّة أولى. أمّا القِمّة التي ينتهي عندها تطوّر الروح ويأتلف فيها الفنُّ والدينُ كلاهما فهي الفلسفة. الفلسفة هي انتصار الروح المطلق، فهمت الوجود فتحرّرت منه، وعادت إلى الداخل فأدركت ذاتها. إقرأ عرضَ يوسف كرم فلسفةَ هيغل في الفنّ والدين والفلسفة في تاريخ الفلسفة الحديثة (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص295-298. ولمزيدٍ من التفسير والتفصيل، راجع: ولتر ستيس، فلسفة هيغل - فلسفة الروح، ترجمة إمام عبد الفتّاح إمام (بيروت، دار التنوير، ط3، 2005). [15] ذكره إرنستو ساباتو في كتابه الكاتب وكوابيسه، ترجمة عدنان المبارك (عمّان، دار أزمنة، 1999)، ص18. [16] تنسب المواقع العربيّة على الإنترنت هذا القول إلى الفيلسوف الفرنسيّ غاستون باشلار من غير توثيق. وفي الحديث الشريف: «الناس نيامٌ فإذا ماتوا انتبهوا». ذكره الغزالي في إحياء علوم الدين (بيروت، دار صادر، ط1، 2000)، 4/28. [17] ميخائيل نعيمه، الغربال (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط14، 1988)، ص71. [18] ولتر ستيس، الزمان والأزل - مقال في فلسفة الدين، ترجمة زكريّا إبراهيم (القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2013)، ص41. [19] أنظر: تشارلس مورجان، الكاتب وعالمه، ترجمة شكري عيّاد (القاهرة، الهئية المصريّة العامّة للكتاب، 2012)، ص26-28. [20] Georges Bataille, Sur Nietzsche (Paris, Gallimard, 1973), t. VI, p. 11. [21] Roland Barthes, Nouveaux essais critiques (Paris, Seuil, 1972), p. 136. [22] سيوران، في مَساءة الولادة في توقيعات، ترجمة لقمان سليم (بيروت، دار الجديد، ط1، 1991)، ص60. [23] بسمة الصيّاديّ، مِعطف الرماد جسد الضوء (بيروت، دار أوراق الزمن، ط1، 2014)، 18: 11. وقال بيسوا (م. س.، ص202): «أهدّئ نفسي بالكتابة، كمن يتنفّس على نحوٍ أفضل بدون أن يبارحه الداء». [24] أنظر: حليم بركات، غربة الكاتب العربيّ (بيروت، دار الساقي، ط1، 2011)، ص311-317. [25] عيسى مخلوف، مدينة في السماء (بيروت - القاهرة - تونس، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2012)، ص121. [26] كارلوس ليسكانو، الكاتب والآخر، ترجمة نهى أبو عرقوب (أبوظبي، مشروع كلمة، ط1، 2012)، ص22-31-149-188. [27] خوان خوسيه مياس، العالَـم، ترجمة شيرين عصمت (القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط1، 2009)، ص10. [28] ذكره عمر فاخوري في الفصول الأربعة (بيروت، منشورات الآفاق الجديدة، ط1، 1981)، ص78. [29] نقدات عابر في المجموعة الكاملة (بيروت، دار مارون عبّود ودار الثقافة، لا ت)، 5/8؛ وانظر أيضاً: نزار قبّاني، الشعر قنديل أخضر في الأعمال النثريّة الكاملة (بيروت، منشورات نزار قبّاني، ط2، 1999)، «الله.. والشعر»، 7/66-71. [30] حديث القمر (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص9. وأمّا القول إنّ النبيّ موسى كان عَيِيّاً، فلا يُنسينا أنّ الله حلّ عُقدة لسانه، واصطفاه على الناس برسالاته وكلامه. سورة طه: 27؛ وسورة الأعراف: 144. [31] إريك هورنونج، أخناتون وديانة النور، ترجمة محمود ماهر طاهر (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2010)، ص104-110 بتصرّف. [32] اللوغوس (Logos)، في المفهوم المسيحيّ، كلمة الله؛ استعمل يوحنّا (1: 1-14؛ رؤيا، 19: 13) هذه اللفظة بصيغة المذكّر للدلالة على الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، يسوع ابن الله الذي ظهر متكلّماً معلناً نفسَه متمّماً عملَ الخلاص. أنظر: معجم اللاهوت الكتابيّ (بيروت، دار المشرق، ط3، 1991)، ص666-667. وقد انتقد أفلاطون أنماط العبادة السائدة، ورأى أنّ وراء القوى الخارقة إلهاً واحداً خالقاً، وأنّ الروح خالدة. أنظر: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانيّة (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014)، ص99-102؛ شوقي تمراز، أفلاطون والديانات السماويّة (بيروت، الأهليّة للنشر والتوزيع، 1994)، 79: 39. [33] أنظر: ت. س. إليوت، في الشعر والشعراء، ترجمة محمّد جديد (دمشق، دار كنعان، ط1، 1991)، «فرجيل والعالم المسيحيّ»، ص156-171. [34] إروين إدمان، الفنون والإنسان - مقدّمة موجزة لعلم الجمال، ترجمة مصطفى حبيب (الفجّالة، مكتبة مصر، لا ت)، ص131. [35] أمام كنيسة سان سولبيس (St Sulpice) في باريس بِركةٌ ذاتُ محاريبَ ثلاثة: الأُسُود الرّابضة، فالمياه المتدفّقة، فأساقفة أربعة: بوسّويه (Bossuet) الخطيب المفوَّه ذو الصوت الرهيب الرنّان، وفينيلون (Fénélon) الرقيق ذو النزعة الصوفيّة الحادّة، وآخران جلّلتْهما رهبة الكهنوت. كأنّما لا وصول إلى النور إلّا بعد مغالبة الوحوش الضارية: الشهوات الخدّاعة والغرائز المتربّصة! أنظر كتابنا المفكِّرة الباريسيّة - مشاهد وتأمّلات في أدب الرحلات (دير الزهراني - لبنان، دار البَنان، ط1، 2012)، ص26. [36] ت. س. إليوت، «جوقات من الصخرة» في قصائد، ترجمة ماهر شفيق فريد (الفجّالة وبيروت، دار المستقبل ومكتبة المعارف، ط1، 1996)، ص209. [37] متّى، 17: 20. وحبّة الخردل، على الرغم من صغر حجمها، بإمكانها أن تصبح شجرة ضخمة تعشعش فيها طيور السماء. ورد ذكرها في متّى، 13: 31-32. ترمز إلى صِغَر الفعل وعظمة النتائج. أنظر: ناصر الجميّل، الرموز المسيحيّة (بيروت، ط1، 2007)، ص178. [38] ماريو فارغاس يوصّا، رسائل إلى روائيّ ناشئ، ترجمة أحمد المديني (دمشق، دار التكوين، 2009)، ص64. [39] هوراس، فنّ الشعر، ترجمة لويس عوض (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط3، 1988)، 100، ص116. [40] جون ديوي، الفنّ خبرة، ترجمة زكريّا إبراهيم (القاهرة، المركز القوميّ للترجمة، 2011)، ص580. [41] في كتاب الهند إن شدت وهدت، ص134. [42] لاوتسو، الطريق إلى الفضيلة، ترجمة علاء الديب، ص14؛ وهادي العلوي، ص67؛ وفراس السوّاح، ص42. [43] زرادُشت، أفستا، إعداد خليل عبد الرحمن (دمشق، روافد للثقافة والفنون، ط2، 2008)، ياسنا، 44، ص77-79. [44] ميلر وهوبر، تاريخ الكتاب المقدّس، ترجمة وليم ووجدي وهبه (القاهرة، دار الثقافة، ط1، 2008)، ص26-27-216-217. [45] يوحنّا قمير ولويس خليفة، نشيد الأناشيد (الكسليك، جامعة الروح القدس، 1994). [46] عن إبراهيم النظّام، ذكره الميداني في مجمع الأمثال، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد (صيدا – بيروت، المكتبة العصريّة، 1992)، 1/6. وقد قام أمين نخلة بتعريب أمثال الإنجيل مستنداً إلى خمس ترجمات عربيّة: اليسوعيّة، والأميركيّة، والمارونيّة، والأرثوذكسيّة، والملكيّة الكاثوليكيّة. أنظر: الأعمال الكاملة – المجموعة الأدبيّة (بيروت، مجد، ط1، 1983)، 2/359-388. [47] عبد القاهر الجُرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق السيّد محمّد رشيد رضا (بيروت، دار المعرفة، ط1، 1994)، ص44. [48] أمين نخلة، الأعمال الكاملة – الأساتذة في النثر العربيّ (بيروت، مجد، ط1، 1993)، 3/27. [49] رواه أبو داود عن ابن عبّاس. أنظر: سنن أبي داود، «كتاب الأدب»، 5011؛ وفي صحيح البخاري، «كتاب الأدب»، 5793: «إنّ من الشعر حكمة» (إنتاج موقع روح الإسلام). [50] أنظر نماذج من هذه النصوص في كتابنا مطر من ورد، ص129-134. [51] شارل لالو، الفنّ والحياة الاجتماعيّة، ترجمة عادل العوّا (بيروت، دار الأنوار، ط1، 1969)، ص301، 304. [52] دوستويفسكي، الإخوة كارامازوف، ترجمة سامي الدروبي (موسكو، دار رادوغا، 1988)، 1/235. [53] المرزُباني، الموشّح في مآخذ العلماء على الشعراء (القاهرة، جمعيّة نشر الكتب العربيّة، 1343 ه.)، ص62. [54] أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبو الفضل إبراهيم (دار إحياء الكتب العربيّة، ط1، 1952)، ص137. [55] تُنسَب هذه القطعة إلى المعرّي في صِيَغٍ شتّى. أنظر: طه حسين، تجديد ذكرى أبي العلاء (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014)، ص106 بتصرّف. [56] أبو نواس في نوادره وبعض قصائده، إعداد وتحقيق سالم شمس الدين (صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، ط1، 2010)، ص228. ويُنسب القول أيضاً إلى الحلّاج! [57] ديوان الزنادقة، تحقيق جمال جُمعة (كولونيا - بغداد، منشورات الجمل، ط1، 2007)، ص143. [58] Rimbaud, Poésies (Ebooks libres et gratuits, 2003), «Les Premières Communions», p. 111. [59] محمّد إقبال، رسالة المشرق، ترجمة عبد الوهاب عزّام في أعمال محمّد إقبال الكاملة، تقديم حازم محفوظ (القاهرة، دار الآفاق العربيّة، ط1، 2005)، القسم الثاني «أفكار»، ص291. [60] بدأ جون ملتون بتعليل مشيئة الله في خلقه، ثمّ انتهى بإثارة أسئلة تجعلنا نعطف بخيالنا على الشيطان. وقد أرخى الشيطان بظلاله على حياة توماس مان، وحضر في إنجازاته الأدبيّة كافّةً. أنظر: إروين إدمان، (م. س)، ص46؛ ميشائيل مار، فهود في المعبد، ترجمة أحمد فاروق (أبوظبي، كلمة، ط1، 2009)، ص67-86. [61] Cf. Stefan Zweig, Tolstoï in Trois poètes de leur vie, trad. Alzir Hella (Paris, Belfond, 1983), p. 326-359. [62] توماس كارليل، الأبطال، ترجمة محمّد السباعي (بيروت، دار الرائد العربيّ، ط4، 1982)، المحاضرة الثالثة «البطل في صورة شاعر»، ص99. [63] أمر سفيان بن معاوية، أحد ولاة المنصور في البصرة، بقتل ابن المقفّع، واختُلف في طريقة قتله؛ فقيل إنّه أُلقي في بئر ورُدمت عليه الحجارة، وقيل أُدخل حمّاماً وأُغلق عليه بابُه فاختنق، وقيل بل قُطعتْ أطرافُه عضواً عضواً، ثمّ أُلقي في تنّور مسجور. ويقول الدكتور فكتور الكك إنّه قرأ في مكتبةٍ للمخطوطات بطهران، في مصدرٍ عربيّ صنّفه سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعريّ، وحمل عنوان كتاب المقالات والفرق أنّ ابن المقفّع حين ظفر به سفيان بن معاوية، قتل نفسَه بالسمّ أو بالخنق. أنظر كتاب الكك: ابن المقفّع أديب العقل (بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، ط1، 1986)، ص8-14. أمّا بشّار بن بُرد فجلَدَه، بأمرٍ من المهدي، صاحبُ الزنادقة ابنُ نَـهِيك سبعين سوطاً حتّى بان الموت فيه، وكان بشّار ضريراً نيّف على السبعين. أنظر: ديوان بشّار بن برد (الجزائر، 2007)، تحقيق الإمام الشيخ محمّد الطاهر بن عاشور، «سبب وفاته»، 1/39-42. وأمّا صالح بن عبد القدّوس فشطره المهدي بيده نصفَيْن بضربة سيفٍ واحدة على هامته، وعلّق جثّته بنصفَيْها في إحدى ساحات بغداد. أنظر: ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء (بيروت، دار الغرب الإسلاميّ، ط1، 1993)، تحقيق إحسان عبّاس، 4/1445 [64] لاوتسو، كتاب التاو، ترجمة فراس السوّاح (دمشق، دار علاء الدين، ط1، 1998)، 81: 194. [65] جمهوريّة أفلاطون، ترجمة فؤاد زكريّا (الإسكندريّة، دار الوفاء، 2004)، 2: 377-383، ص236-245؛ 3: 398، ص262. [66] اعترافات القدّيس أغسطينوس، ترجمة الخوري يوحنّا الحلو (بيروت، دار المشرق، ط5، 1996)، الكتاب الأوّل، ص20-25. [67] Tolstoi, Qu est-ce que l art? Trad. Wyzewa (Paris, Perrin, 1898). [68] Ibidem., p. 209. [69] إقتباسٌ من سورة الشعراء: 224-226؛ ومن حديثٍ شريف. وانظر في هذا المقام كتاب غازي القصيبي، من هم الشعراء الذين يتّبعهم الغاوون؟ (بيروت، دار الساقي، ط2، 1994). [70] إبن كثير، الفصول في سيرة الرسول، تحقيق محمّد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو (دمشق والمدينة المنوّرة، مؤسّسة علوم القرآن ومكتبة دار التراث، ط3، 1403ه)، ص202؛ وانظر: إبن هشام، السيرة النبويّة، تحقيق السقّا الأبياري شلبي (مكتبة الحلبي بمصر، ط2، 1955)، 2/104، 637. [71] راجع: شوقي ضيف، العصر الإسلاميّ (القاهرة، دار المعارف، ط20، 2002)، ص44، 51-52. [72] القاضي الجرُجاني، الوساطة بين المتنبّي وخصومه، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمّد البجاوي (صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، ط1، 2006)، ص63. وانظر أيضاً: عزّ الدين إسماعيل، الأسس الجماليّة في النقد العربيّ (القاهرة، دار الفكر العربيّ، 1992)، ص152-159. [73] إحسان عبّاس، تاريخ النقد الأدبيّ عند العرب (بيروت، دار الثقافة، ط5، 1986)، ص151. وانظر أيضاً: أدونيس، الثابت والمتحوّل (بيروت، دار الساقي، ط8، 2002)، 2/117-126. [74] م. ن.، ص283. [75] من محاضرة الدكتور سعود المولى «الدين والدولة في الفِقه السياسيّ الشيعيّ»، معهد الآداب الشرقيّة، جامعة القدّيس يوسف، 11 نيسان 2014. [76] جبران خليل جبران، العواصف في المجموعة العربيّة (بيروت، دار الجيل، ط1، 1994)، «البنفسجة الطموح»، ص559. [76bٍ]William Blake, Songs of Innocence and of Experience (London, 1789-1794), Introduction, p. 30. [77] يُنسَب إلى أبي تمّام أنّه قال: «شعرُ أبي نواس ومسلم هما اللات والعُزّى وأنا أعبدهما من دون الله مذ ثلاثين سنة». أنظر: إحسان عبّاس، ص151. ونخصّ بالذكر في الأدب الغربيّ: كافكا، بيسوا، فلوبير، بودلير، بروست، سارتر، واليابانيّ كاواباتا. [78] أنظر: عبد الغفّار مكّاوي، ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1972)، 1/75-78. [79] Baudelaire, Les fleurs du mal (Paris, GF-Flammarion, 1964), «Élévation », p. 39. [80] سلامه موسى، كيف نربّي أنفسنا (القاهرة، كلمات عربيّة للترجمة والنشر، 2011)، ص162. على سبيل المثال: طاغور وجبران خليل جبران. [81] نستعير هنا عنوان كتاب أمين معلوف، اختلال العالم - حضاراتنا المتهافتة، ترجمة ميشال كرم (بيروت، دار الفارابي، ط1، 2009). [82] التعبير للدكتور رضوان السيّد في محاضرة ألقاها بمعهد الآداب الشرقيّة، جامعة القدّيس يوسف، في 20 آذار 2014، حملت عنوان: «الدين والدولة والإسلام السياسيّ في أزمنة التغيير». [83] راجع على سبيل المثال كتاب ثريّا ملحس، القيم الروحيّة في الشعر العربيّ (بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، 1964)؛ Antoine Compagnon, La Littérature, pour quoi faire? (Collège de France / Fayard, 2007). [84] تناصّ مع قطعةٍ للشاعر الفرنسيّ آرتور رامبو (Rimbaud) تشكّل مَطلِع وقُفل قصيدة «الأبديّة» (L Éternité) في قصائد أخيرة (Derniers vers , 1872). وقال جورج باتاي: «إنّ الشعر يقودنا إلى الأبديّة. إنّه البحر ممتزجاً والشمس». Georges Bataille, L Érotisme (Paris, Minuit, 2001), p. 29. [85] محمّد إقبال، ضربُ الكليم، 2/85.