دراسات نقدية

د. جوزف لبُّس: ميخائيل نعيمة ناقداً أدبيّاً

بقلم: د. جوزيف لبٍّس

«الناقد ليس فنّاناً يُضاف إلى فنّان، بل فيلسوفٌ يُضاف إلى فنّان» كروتشه[1] من أجل دراسة أدب ميخائيل نعيمة (ونقدُه جزءٌ من أدبه)، لا بدّ من الوقوف بتأنٍّ على العوامل التي أسهمت في تكوينه إنساناً وأديباً وناقداً؛ فبيئة الأديب هي التربة، وحياته هي الشجرة، وأدبه هو الثمرة. 1. الطفولة: ولد نعيمة في بيتٍ فقير، «غرفة مربّعة لا يتجاوز طولها وعرضها السبعة الأمتار، وعلوّها الثلاثة»[2]. في هذا البيت الضيّق ولد ودرج، وفيه كان يصلّي مع أمّه من أجل «أبٍ في السماء وأبٍ في أميركا»[3]، ومنه انطلق «محمولاً على كتف أمّه إلى الكنيسة[4]» انطلاقةً تركت في أعماقه أثراً بالغاً. إنّ الأجواء الدينيّة خيّمت على نعيمة منذ نعومة أظفاره، وكان لبسكنتا، بلدته الجميلة، أثرٌ في تربية إحساسه وإذكاء عاطفته وخياله. أمّا وادي الشخروب، حيث سفح صنّين وصخوره ونبعه، فمحطّة من أهمّ محطّات رحلة عمره، «استغلّ منها ما هو أثمن حتّى من العافية ومقوّمات العيش»[5]. من الشخروب استمدّ نعيمة الإلهام والإيمان وحبّ الطبيعة، وهناك كان يقضي الساعات متأمّلاً، مغربلاً الماضي، معزّياً النفس، فاتحاً كوى الروح لنور الله[6]. 2. الهجرة: لعلّ الهجرة أكبر ظاهرةٍ لبنانيّة في العالم، حتى لقد قيل: لو تمّ ارتياد القمر لكان في طليعة الواصلين إليه لبنانيّان: الأوّل يحمل «كشّة» على ظهره، والثاني يحمل قلماً ودواة! عانى نعيمة مأساة الهجرة: فأبوه مهاجر وهو نفسه هاجر. ويمكننا فتح أيِّ كتاب من كتب نعيمة لنقع على الهجرة ماثلةً ومعها الحنين إلى الشرق. وكان من أثر الهجرة على المهاجرين أنّها «وسّعت آفاق حياتهم ووضعتهم في قلب الحضارة الحديثة، وعلّمتهم الحنين والتفكير الدائم في الوطن»[7]. ومثلَ ذلك قل في نعيمة، وهو المشغول بالشرق وقضاياه، والشغوف بروحانيّته بعد أن فتحت الهجرة عينيه على ماديّة الغرب وحضارته. 3. الروحانيّة: إنّ طفولة نعيمة الفقيرة البائسة المشبعة بالأجواء الدينيّة المسيحيّة في بقعةٍ من أجمل بقاع لبنان، وإنّ تجربة الهجرة التي خاضها وكشفت له برق المدنيّة الخُلَّب، غذّتا روحه، فإذا هو يعكف على قراءة الكتاب المقدّس والقرآن الكريم ولا يعدل بهما كتاباً[8]. وهذه الروحانيّة الشرقيّة تجلّت في كتاباته تجلّياً قويّاً جعل الباحثة ثريّا مَلْحَس ترى في نعيمة أديباً صوفيّاً من طراز أبي العلاء المعرّي[9]. 4. الثقافة الشرقيّة: إنّ الروحانيّة الشرقيّة التي أصّلتها طفولة نعيمة وتجربة الهجرة في نفسه، وجدت مداها الطبيعيّ في ثقافته الشرقيّة؛ فهو رجلٌ ألمّ بالفلسفات الهنديّة والصينيّة، وأُعجب أشدّ الاعجاب ببوذا ولاوتسو، واطّلع على التصوّف الإسلاميّ، وأُعجب أيضاً بالحلّاج وابن عربيّ[10]. ولكن أهمّ ما أثّر في نعيمة على الإطلاق المفكّرون الروس. ونكاد لا نعثر على كتابٍ له إلّا ويُشيد فيه بسحر التراث الروسيّ. قال: «إنّ ما يُعرف اليوم بالأدب الواقعيّ بلغ ذروته على أيدي الكتّاب الروس أمثال غوغول وتورغنييف ودوستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي... وهؤلاء فتحوا لي الباب إلى الأدب الإنسانيّ الرحب، فنهجت نهجهم في ما صنّفتُ من قصص. أمّا في النقد فقد وجدتُ في بيلينسكي - إمام النقّاد الروس- مثلاً رائعاً للنقد الرفيع. وأمّا في الشعر فقد أُعجبتُ كثيراً ببوشكين ولرمونـتوف ونكراسوف»[11]. تولستوي هو «عملاق الروح والقلم»، وبوشكين «باني الأدب الروسيّ»، وغوركي «ربٌّ من أرباب الكلمة المجنّحة»[12]. لقد أحبّ نعيمة روسيا والشعب الروسيّ وتحسّس آلام طبقة الفلاّحين والعمّال، وكان يشعر في أعماق نفسه بأنّ مُهمّة الأدب هي كفاح الواقع المرير وإعداد المستقبل الزاهر، وتوجيه البشر إلى ما فيه سعادتهم[13]. زد على ذلك أنّ السنوات الخمس التي قضاها طالباً في روسيا لم تُشبع روحه بالروح الثوريّة، بل بالروح المستسلمة الوادعة[14]. 5. الثقافة الغربيّة: لم يفصم نعيمة عَلاقته بالثقافة الغربيّة، فقد كان يرى أنّ سعادة البشر لا تكتمل إلّا إذا اتّحد الشرق والغرب وعادا، كما كانا، توأمين[15]. أي إنّ سعادة الإنسان لا تتمّ إلّا بتهذيب قلبه وتهذيب عقله، أو إذا حقّق المساواة بين دينه وعلمه، وبين الروحانيّات والماديّات. وإذا كان للأديب ثمّة رسالة فليست أقلّ من «أن يبني الإنسانَ بناءً لا تزعزعه عواصف الساعة»[16]. من هنا راح نعيمة يعبّ من الثقافة الغربيّة قارئاً أفلاطون وسبينوزا ولايبنتز وبرغسون، ومعجباً بوولت ويتمن «أبي الشعر المنسرح»، ومتحمّساً لرالف أمرسون «حكيم كنكورد»...[17] 6. جبران خليل جبران: لا عجب إن تأثّر نعيمة بزميله وصديقه جبران، فهما من طينةٍ واحدة: كلاهما عانى الفقر في طفولته وذاق مرّ الهجرة، وكلاهما اطّلع على آداب الغرب وهام ب الكتاب المقدّس، وكان لهما من نفاذ الحسّ وثاقب البصيرة ما جعلهما يشعران بقصور الأدب العربيّ عن مواكبة الحياة، فعقدا العزم على انتشاله من كبوته وتألّفت الرابطة القلميّة من أجل هذا الهدف[18]. لقد كان نعيمة يرى في جبران الأديبَ الحقّ الذي صفت روحه للحقّ، وكان يشعر بأنّ آلام جبران وأفراحه ترسب في أعماقه، وتمتزج برواسب أفراحه وآلامه[19]. ولذلك كان لا بدّ من أن يتأثّر نعيمة في فكره وأدبه ونقده برئيس الرابطة القلميّة وعميدها: لقد كتب زاد المعاد (1936) ومِرْداد (1952) على غرار ما كتب جبران النبيّ (1923)، وكتب كَرْم على درب (1945) على غرار ما كتب جبران رَمْل وزَبَد (1926). وفي الغربال (1923) يجعل نعيمة جبران مثلَ الأديب الأعلى، العواصفَ (1920) عواصفَ حقيقيّة تطيح بحياتنا الأدبيّة الرثّة وتذهب بأفكارنا المنتنة[20]. هذه المؤثّرات التي عملت على تشكيل نعيمة فكريّاً وروحيّاً تركت بصماتِها على أدبه ونقده، فكان ذا مفهومٍ في الفنّ والأدب واضحٍ معلوم، ما حدا الباحث محمّد شفيق شيّا على إدخال الفنّ والجماليّات في فكر نعيمة كأساس من الأسس التي تقوم عليها فلسفته[21]. قال في الفنّ: «إنّ أجمل الفنّ ليس في المتاحف ومحترفات الفنّانين بل في حياةٍ موحّدة الغاية والإرادة، في قلبها إيمان لا يتزعزع بهدف الإنسان الأسمى، وفي إيمانها محبّة لا تنضب لكلّ من شاركها وما شاركها ذلك الهدف»[22]. وقال في الأدب: «أريده أن يعطي الإنسان إيماناً بأنّه معدّ لتاج الألوهة... أمّا الأدب الذي لا يرمي إلى أبعد من رصف الكلام الجميل والإيقاع الموسيقيّ وإثارة الغرائز البشريّة وتسلية الأفكار، فهو في نظري رغوة وإن بدا في حلّة من الجمال والاغراء»[23]. وقال في النقد: «الغربلة سنّة من السنن التي تقوم بها الطبيعة وسنّة البشر الذين هم بعضٌ من الطبيعة»[24]. وقال في النقد والناقد كليهما: «النقد مُهمّة شاقّة إلّا على الذين وهبتهم الطبيعة حسّاً مرهفاً بالجمال. والكلمة وحدَها التي هي أداة الأدب الأولى تستطيع أن تجمع بين جميع الفنون من هندسة وتصوير وموسيقى وحركة... فالناقد الذي لا يحسّ جميع هذه الجوانب العميقة في الكلمة لا يستطيع أن يكون ناقداً. والنقد لا قيمة له إلّا إذا كان خَلْقاً... ولا بدّ للناقد من ثقافةٍ واسعة جدّاً ومن ذوق مرهف وخيال وثّاب وفكر نفّاذ ومقدرة على التعليل»[25]. الفنّ إذن، بما فيه الأدب، هادفٌ إلى مساعدة الإنسان على اكتشاف ذاته واكتشاف الله في ذاته بالمعرفة والحريّة. الأدب رسالة الحياة ورسولها في آن: رسالة الفضائل الإنسانيّة ورسول الخير والحقّ والجمال. والنقد، مهمّته أن يساعد الأدب، فيبيّن الغثّ من السمين، والزائف من الصحيح، ويكون مُسهماً في كشف الحقيقة: حقيقة الإنسان ذاته وحقيقة الله، وهما في آخر المطاف يتوحّدان. تُشبه نظريّةُ نعيمة في الفنّ نظريّةَ تولستوي؛ غاية الفنون يجب أن تكون نبيلة، وهي ترقية شأن البشر، وراحة النوع الإنسانيّ، والمساعدة على رفع راية السلام في العالم أجمع[26]. أفرد نعيمة للنقد الأدبيّ كتابَيْن: الغربال (1923)، وفي الغربال الجديد (1972). بيد أنّنا نجد له مقالاتٍ نقدّية عديدة موزّعة في كتبه الكثيرة. أمّا الغربال فعليه قامت شهرة نعيمة في النقد الأدبيّ، وبه استهلّ حياته الأدبيّة، وإذا كان أحبّ الكتب إلى عبّاس محمود العقّاد كتابه ابن الروميّ، حياته من شعره[27]، فإنّ كتاب الغربال هو الأحبّ إلى قلب نعيمة. قال: «كتاب الغربال لا يزال عزيزاً عليّ لأنّه الكتاب الذي شققتُ به طريقي في دنيا الأدب»[28]. حمل هذا الكتاب ثورة الرابطة القلميّة على الأدب القديم وغدا بسرعة «دستوراً أدبيّاً لم يألفه الشرقيّون»[29]. وقد ضمّ بين دفّتيه اثنين وعشرين مقالاً: مقالين ضدّ الأدب العربيّ التقليديّ والتحجّر اللغويّ، ومقالاً واحداً ضدّ العَروض التقليديّ، وثلاثة عشر مقالاً في النقد التطبيقيّ، وستّة مقالات في النقد البنّاء. وأمّا في الغربال الجديد فكتاب يتضمّن آراء نعيمة في روائع الأدب العالميّ وفي آثار العديد من أدبائنا ومفكّرينا المعاصرين. وهو إن دلّ على شيء فعلى سعة الثقافة النعيميّة وعمقها، وعلى رعاية النعيميّ الجيلَ الجديد من الأدباء والأديبات. وبعد استقرائنا مؤلّفات نعيمة، كتباً ومقالات، استطعنا أن نتعرّف أسسه النقديّة، وهي التالية: 1. المنهج النقديّ: كان ميخائيل نعيمة يأنف من وضع برنامج يوميّ لحياته اليوميّة[30]، فهو من الذين يَضيقون ذَرْعاً بالحدود والسدود والقواعد والقوانين. ومَنْ كان شأنه كذلك فلن يُخضع الأدب، وهو انفتاحٌ إنسانيّ شامل، إلّا لمقاييس الإنسان والحياة وحاجاتهما. قال: «الإنسان! حول هذا المحور تدور علومه وفلسفته وصناعته وتجارته وفنونه. وحول هذا المحور تدور آدابه»[31]. لم يكن نعيمة ممّن يؤمنون بالموازين الثقيلة والمقاييس المحدّدة في الأدب، إذ «لكلّ ناقد غرباله، لكلٍّ موازينه ومقاييسه»[32]. يتبيّن لنا إذاً أنّ منهج نعيمة في النقد هو المنهج التأثريّ الذاتيّ الذي يعوّل على الذوق الأدبيّ والانطباع الشخصيّ، ويسعى إلى خلق أدبٍ جديد يجمع بين الأدب الإنشائيّ والأدب الوصفيّ. النقد ليس علماً، بل تفتّقٌ فنيّ وشعوريّ، خلقٌ وابتكار. والناقد النعيميّ هو مبدعٌ ومولّدٌ ومرشد[33]. كلّما صفا ذوقه وسما، ارتقى درجاتٍ في سلّم الإبداع. وتالياً، لم يبيّن نعيمة عَلاقة النقد الأدبيّ بالعلوم الإنسانيّة واللسانيّة، ولكنّ مقالته النقديّة «مزيج من فلسفة وأدب وانتقاد»[34] توشّحها أحياناً السخرية، وينحو فيها منحى بيلينسكي[35]. 2. الذوق الأدبيّ: لا شكّ في أنّ الذوق الأدبيّ مَلَكة تدخل في تكوينها وتغذيتها ونموّها عواملُ شتى. وذوق نعيمة خضع لمؤثّراتٍ كثيرة هذّبته وصقلته. وفي كتابه دروب نقرأ مقالاً له ممتعاً في الذوق الرفيع مفادُه أنْ لا قيمة للحياة لولا الذوق، وأنّ أذواق العين والأذن والأنف واليد والقلب والفكر والخيال كلّها تكوّن الذوق الموحّد الذي يميّز الإنسان عن الإنسان، ومتى اتّسعت نفس الإنسان فأحبَّ جميعَ الكائنات، شعر بالجمال الرفيع وتسامى ذوقه وارتفع[36]. ولمّا كان نعيمة ذا منهج تأثّريّ، فمن الطبيعيّ أن يحكّم الذوق في كلّ قضيّة: فطاغور ترفّع عن توافه العيش وزيف المجتمع لما أوتي من رهافة الحسّ ولطافة الذوق، وكرم ملحم كرم لو توافر له الذوق الفنيّ لكان سيّد القصّة العربيّة الحديثة، وتوفيق يوسف عوّاد يُحسن ترتيب ملاحظاته فتأتي صورته منسجمة الألوان لأنّ الله حباه قسطاً من الذوق الفنيّ، وإميلي نصرالله صوّرت القرية اللبنانيّة في كتابها طيور أيلول تصويراً بديعاً لأنّها تملك قسطاً كبيراً من رهافة الحسّ وسلامة الذوق[37]. فالذوق الأدبيّ إذاً أساس من أهمّ الأسس التي يقوم عليها النقد النعيميّ. 3. المقاييس الأدبيّة: لا تناقض في قولنا: إنّ نعيمة ناقدٌ تأثّريّ لا يُخضع الأدب للقوانين والقواعد المتزمّتة، ولكنّه مع ذلك يعترف بأنّ للأدب مقاييس. وبيان هذا أنّ الأدب، في مفهومه، يجب أن يخدم الإنسان ويخدم الحياة، وفرسا رهانه الشعور والحريّة. أي إنّ مقاييسه الأدبيّة ما هي إلّا حاجات إنسانيّة يجب أن يشبعها الأدب في كلّ آن وأين. وهذه المقاييس الأدبيّة «أمورٌ نفسيّة لا تعدو كونها مقاييس شخصيّة يخلقها الناقد من ذاته»[38]. هذه المقاييس أربعة ذكرها نعيمة في غرباله: إنّها حاجتنا إلى الإفصاح عن العوامل النفسيّة، وحاجتنا إلى نور نهتدي به في الحياة، وحاجتنا إلى الجميل في كلّ شيء، وحاجتنا إلى الموسيقى[39]. وقد لاحظ الدكتور محمّد مندور أنّ الحاجات الإنسانيّة التي اعتمدها نعيمة مقاييس أدبيّة تعود إلى تلك المرحلة التاريخيّة التي كتب نعيمة فيها غرباله. قال: «إنّ تلك الحاجات إنّما كانت تنبع عن الذات الفرديّة التي أخذت تتفتّح وتسعى إلى تأكيد وجودها في زمنٍ أخذ الوعي ينتشر فيه... واستطاع الناقد الحسّاس ميخائيل نعيمة أن يتّخذ من روحه بؤرة تتجمّع فيها حاجاتُ عصره»[40]. ويلاحظ مندور أيضاً أنّ هذه الحاجات، على أهميّتها، نسبيّة لا تُرضي جميع المذاهب الأدبيّة التي تصطرع اليوم في العالم. كما أنّها تصبّ اهتمامها على فنّ أدبيّ واحد هو الشعر الغنائيّ، ولا تلتفت إلى فنون أدبيّة أخرى بدأت تظهر في أدبنا المعاصر كفنّ القصّة والمسرحيّة والمقالة[41]. ومهما يكن من أمر، فإنّ المقاييس الأدبيّة التي آمن بها نعيمة إنّما تدلّ على إحساسٍ ثاقب بقصور الأدب العربيّ، في النصف الأوّل من القرن العشرين، عن مواكبة الحياة ومجاراة آداب الغرب. وتدلّ على محاولةٍ جريئة قام بها لتلقيح الأدب العربيّ بدمٍ جديد يكفل له النموّ والحياة. 4. الطبع والصَّنعة: هذه المسألة قديمة شغلت النقد طويلاً منذ إلهام أفلاطون وشياطين الشعر عند العرب. وكان لميخائيل نعيمة رأيٌ يقول: «العفويّة شيءٌ لا وجود له في الكلمة المكتوبة. فالكتابة وحدَها تفترض شيئاً من التفكير والعناية قبل وضعها على الورق... أمّا التعنّت في نحت الكلام والتقعّر في المجيء بالغريب منه فأمرٌ مُستهجَن لأنّ من شأنه أن يصرف القارئ أو السامع عن الجوهر إلى العرض»[42]. إنّه يرفض العفويّة ولا يقول بالإلهام، وإن كان لا ينكر دور الحالة النفسيّة في الإبداع. ولكنّه يرفض أن يتحوّل الأدب كلاماً حوشيّاً فيه تعنّت وتقعّر لأنّه يبعد الأدب عن غايته و«الأدب رسالة حياة. فلا هو بالهواية ولا هو بالصناعة»[43]. من هنا، رأيناه يشنّ الغارة تلو الغارة والهجوم تلو الآخر على المتشدّقين المتفيقهين الذين أسماهم «ضفادع الأدب»[44]. ولم ينجُ الشعراء الأصوليّون أتباع الخليل بن أحمد من جام غضبه وشدّة نقمته لأنّهم حوّلوا الشعر ألعوبةً وقلبوا الشاعر بهلواناً، فشبّههم بالقِرَدة التي تجيد الحركات أيّما إجادة[45]. وهذه المسألة تسلّمنا إلى مشكلة أخرى عويصة شغلت هي الأخرى النقد والنقّاد: اللفظ والمعنى. 5. اللفظ والمعنى: لعلّ مشكلةً لم تنل حظوةً في تاريخ النقد العربيّ كما نالت مشكلة اللفظ والمعنى: من الجاحظ وابن قتيبة وابن طباطبا إلى ابن المعتزّ وعبد القاهر الجُرجانيّ... ونصل إلى نعيمة فنجده يستبدل بكلمة «اللفظ» كلمة «اللغة» وبكلمة «المعنى» كلمتَي «الفكر والأدب». قال: «في الأدب العربيّ اليوم فكرتان تتصارعان: فكرة تحصر غاية الأدب في اللغة، وفكرة تحصر غاية اللغة في الأدب... الفكر كائن قبل اللغة، والعاطفة قبل الفكر. فهما الجوهر وهي القشور... إنّ القصد من الأدب هو الإفصاح عن عوامل الحياة كلّها كما تنتابنا من أفكار وعواطف. وإنّ اللغة ليست سوى وسيلة من وسائل كثيرة اهتدت إليها البشريّة للإفصاح عن أفكارها وعواطفها»[46]. إنّ نعيمة يقدّم المعنى على اللفظ، والفكر على اللغة. فما اللغة إلّا رمزٌ إلى الفكر، والمرموز إليه هو الأجدر بالعناية والاهتمام. ويلاحظ الدارسون حِدّة نعيمة في حديثه عن اللغة وإهماله إيّاها، فيناقشونه في موضوعها ويحاولون إنصافها[47]. بيد أنّ هذه الحِدّة إن دلّت على شيء فعلى مدى جرأة نعيمة في الدفاع عن ماهيّة الأدب. وإذا ذكرنا أنّ مؤلّف الغربال كتب مقالاته وهو في الرابعة والثلاثين من عمره (1923) لم نعجب من حرارته واندفاعه وعنفه، هذا العنف الذي راح يخفّ تدريجيّاً مع تقدّمه في السنّ. يقول في البيادر (1945) أي بعد ما ينيّف على العشرين سنة: «اللغة في القاموس مومياء. أمّا على ألسنة الناس وشفاههم فكيانٌ حي يزخر بأمواج الأفكار والخيالات... فهي لا حياة لها في ذاتها. ولكنّها تستمدّ حياتها من حياة المتكلّم والسامع. فالعنصر الأساسيّ فيها هو الإنسان... التفاهم لا يقوم على معرفة اللغة وأصولها لا غير، بل لا بدّ له من قلب مؤمن»[48]. ونقرأ مقالته «كيف نتفاهم» فنشعر بأنّ لهجة نعيمة في - موضوع اللغة- تميل إلى المسالمة والدَّعَة. 6. العاميّة والفصحى: كان نعيمة من أنصار العاميّة ولا سيّما في «الرواية التمثيليّة». ومن طريف ما يرويه في سيرته الذاتيّة أنّه لمّا اختار اسم «الغربال» عنواناً لمجموع مقالاته النقديّة لم يكن واثقاً بأنّ الكلمة فصيحة لا عاميّة، إلى أن عاد إلى محيط المحيط لبطرس البستانيّ. فقد راقه اسم «الغربال» لخفّة لفظه وبعده عن التصنّع والتبذّل[49]. وفي المسرحيّة التي دعاها الآباء والبنون (1917) اعترضته عقبةٌ كبرى هي اللغة العاميّة؛ فكيف يُنطق الفلّاح الأمّيّ بلغة الدواوين الشعريّة؟ والمسرحيّة، في أخصّ ما هي، تصويرٌ حياتيّ صادق وحيّ، لا سيّما وأنّ اللغة العاميّة تستر كثيراً من فلسفة الشعب واختباراته في الحياة[50]. ولسنا بصدد الردّ على نعيمة أو الدفاع عن اللغة الفصحى، ولكن يهمّنا أن نسجّل اهتمام نعيمة باللغة العاميّة وبالأدب الشعبيّ، ودعوته الملحّة إلى دراسة هذا النوع من الأدب والعناية بلغة الرواية التمثيليّة، وتوجيه الانتباه إلى الأدب المسرحيّ. 7. آراء نقديّة متفرّقة: أوّلها رأيُه في القديم والجديد. وعنده أنّ الحياة لا قديم لها ولا جديد. فهي «المغربل الأكبر»[51] الذي لا يُبقي في غرباله إلّا كلّ جميل وكلّ مفيد. أمّا القبيح والضارّ فتُسقطه وتنبذه. إنّ الزمان هو الناقد الأكبر وهو محكّ الثبات والبقاء والخلود. ف«الجميل من القديم سيبقى جميلاً والقبيح من الجديد سيبقى قبيحاً»[52]. وكأنّ نعيمة يشير من طرفٍ خفي إلى أنّ الناقد النافذ من وُهب حسّاً لطيفاً وبصيرة ثاقبة مكّناه من أن يستبق الأمور ويسبر الأغوار. كأنّما النقّاد، في مذهبه، أنصاف أنبياء. وثاني آراء نعيمة النقديّة رأيُه في الصدق والكذب. إنّه ليس ممّن يردّدون: أعذبُ الشعر أكذبُه. فضيلة الأدب الصدق. قال: «إن تكن مخافة الله هي رأس الحكمة في نظر رجال الدين، فالصدق يجب أن يكون رأس الحكمة في نظر الأديب والمتأدّب»[53]. ومن هنا كان إلياس أبو شبكة رائعاً في شعره لأنّه «كان صادقاً منتهى الصدق في عاطفته وفي التعبير عنها»[54]. وثالث آرائه في الخيال. وقد عبّر عنه في الفصل الأوّل من زاد المعاد (1936)، وهو الكتاب الذي رأى فيه عيسى الناعوري «خلاصة عقيدة نعيمة ودستور الفلسفة النعيميّة الإنسانيّة»[55]. وخلاصة رأي نعيمة في الخيال أنّه قدرة جبّارة تفوق قدرة الحواسّ وقدرة العقل، وتمكّن الإنسان من طيّ الزمان وحشر المكان والوصول إلى قلب الله: «الخيال هو مقدرتكم أن تُبصروا وأجفانكم مغمضة، وتسمعوا وآذانكم مسدودة، وتشمّوا وفي أنوفكم سطام، وتذوقوا وألسنتكم في غلاف، وتلمسوا وأيديكم مشلولة. هو مقدرتكم أن تدركوا حدود الحواسّ الخارجيّة فتجعلوا منها عبّارة تجتازون بواسطتها إلى حيث لا حدود...»[56]. إنّ تعريف نعيمة الخيالَ على هذا النحو شبيهٌ بحدْس برغسون[57]، وهو ضربٌ من الفلسفة ليس يخلو من غموض سكَبَه نعيمة في قالبٍ أدبيّ جميل. أمّا رابع آرائه فعبّر عنه بمَثَلٍ طريف هو مَثَل البيضة. قال: «مِنَ الناس مَنْ يقول إنّه لا صلاحيّة لناقدٍ أن ينقد شاعراً أو كاتباً أو ابن أيِّ فنٍّ كان من الفنون، إلّا إذا كان هو نفسه شاعراً أو كاتباً أو من أبناء ذاك الفنّ. فجوابي لهؤلاء هو جواب أحدهم وقد سمع هذا الاعتراض عينَه فقال: أعليّ أن أبيض البيضة، إذن، لأعرف ما إذا كانت صالحة أو فاسدة؟»[58]. ويعترض جبران على هذا الرأي في رسالةٍ بعثها إلى نعيمة، وقد أثبتها الأخير في كتابه عن جبران. قال جبران معترضاً: «أنت شاعرٌ مفكّر قبل كلّ شيء، وما مقدرتك الفريدة على النقد سوى مظهر من مظاهر فكرتك وشاعريّتك، فلا تقدّم مَثَل البيضة فأنا لا أقبله لأنّه يدلّ على مقدرة جدليّة لا على حقيقة مجرّدة»[59]. تلك هي المعركة الخالدة بين الفنّان والناقد، ولكنّ نظرةً فاحصة إلى تاريخ النقد العربيّ أو الغربيّ تُرينا أنّ النقد عرف نقّاداً شعراء وأدباء وفنّانين (بودلير وسانت بوف وابن المعتزّ ومارون عبّود...) ولكنّه عرف أيضاً نقّاداً كُثُراً لم يكونوا شعراء ولا فنّانين، وبالرغم من ذلك تركوا أثراً في عالم النقد. قال ابن رشيق: «أهل صناعة الشعر أبصر به من العلماء بآلته من نحوٍ وغريب ومَثَل وخَبَر وما أشبه ذلك... وقد يميز الشعر مَنْ لا يقوله كالصيرفيّ يخبر من الدنانير ما لم يسبكْه»[60]. معنى ذلك أنّ نعيمة كان مُصيباً في اعتقاده أنّ الناقد، وإن لم يكن شاعراً، قادرٌ على فهم الشعر وتذوّقه، وتالياً فهو قادرٌ على نقد شعر الشاعر. وهل نرصد للّصّ لصّاً آخر أو نرصد له شرطيّاً؟[61] وأمّا رأي نعيمة النقديّ الخامس فهو ما أسماه «الذروة» قاصداً أنّ « لكلّ كاتب أو شاعر أو فنّان ذروة إذا هو بلغها تعذّر عليه أن يسموَ فوقها»[62]. ولذلك كان كتاب هكذا تكلّم زرادُشت الذروة التي بلغها نيتشه، وكان كتاب النبيّ الذروة التي وصل إليها جبران. ويبدو لنا هذا الرأي الوجيه صحيحاً لأنّ الإنسان- مهما يكن عمله- لا يستطيع أن يكون متفوّقاً دائماً، ولا أن يكون بطلاً في كلّ جوانب الحياة. وكذا الأديب، قلّما يبلغ في نتاجه أكثر من ذروةٍ واحدة تكون كتغريدة البجع، كأنّما لا يستطيع الكاتب أن ينتج غيرَ كتابٍ واحدٍ في حياته فقط. وأخيراً، نشير إلى رأي نعيمة في كيفيّة النهضة الأدبيّة التي لن تقوم، في مذهبه، إلّا بأمورٍ ثلاثة: أ‌- لغة سلسة القياد. ب‌- أمّة لا تعاني مركّب النقص. ج‌- حريّة الكلمة.[63] فإذا تحقّق للعرب ذلك، بلغ أدبهم أشُدَّه ونهض بحياتهم نهضةً مباركة. ومَنْ أراد أن يقف على رأيه في عَلاقة الأدب بالدولة والتوجيه والحريّة فليقرأ مقالَيْه القيّمَيْن في كتابه في مهبّ الريح: «الأدب والدولة»، و«مجد القلم»[64]. 8. النقد التطبيقيّ: يُلاحَظ أنّ المقالات النقديّة التطبيقيّة التي نُشرت في الغربال يغلب عليها المنهج التأثريّ الذي نادى به نعيمة وهو لا يزال في عنف الشباب، فيتهجّم على الأدب التقليديّ (أدب أحمد شوقي)، ويبتهج للجديد (تجديد جماعتَي المهجر والديوان)[65]. بيد أنّنا نلاحظ ميله إلى الدَّعَة والمسالمة والتوجيه في الغربال الجديد (1972)؛ فهو فيه لا يعنف ولا يستشيط غضباً، بل يتناول بالدرس والتحليل روائع الأدب العالميّ (أدب تولستوي ونيتشه وطاغور وبوشكين وغوركي وأمرسون...)، ويتناول آثار العديد من أدبائنا المعاصرين بالتفسير والتقييم والتوجيه (اِسمع يا رضا لأنيس فريحة، الصبيّ الأعرج لتوفيق يوسف عوّاد، الخندق الغميق لسهيل إدريس، عشْر قصص لخليل تقي الدين، طيور أيلول لإميلي نصرالله)[66]. لكنّنا نستطيع القول مطمئنّين: إنّ منهج نعيمة التأثريّ الذاتيّ في كتاب في الغربال الجديد لم يختلف كثيراً عنه في الغربال القديم؛ فذوقه الأدبيّ يمثّل دوراً كبيراً في الحكم على الأدباء وآثارهم، ومقاييسه الأدبيّة هي هي، بل إنّ رأيه في موضوع اللغة لم يتغيّر. يخاطب أنيس فريحة فيقول: «قرأتك قبل اليوم في أبحاثٍ تدور على اللغة ومشكلاتها. وهي أبحاثٌ عقليّة ليس للقلب إلّا نصيب ضئيلٌ ضئيل. وقرأتك اليوم في اِسمع يا رضا فإذا بالقلب الصامت في تلك الأبحاث يتفجّر في هذه الأحاديث شلّالاتٍ من الشعور الحيّ والذوق الرفيع والفنّ الجميل... إنّه حديث القرية اللبنانيّة أيّام كان لبنان قرية في جبل»[67]. لعلّ أهمَّ ما يتميّز به غربال نعيمة الجديد عن غرباله القديم دَعتُه وهدوؤُه وميلُه إلى المسالمة. أمّا منهجه وذوقه ومقاييسه فهي هي لم يزدها تقدّم السنّ إلّا رسوخاً. هل وُفّق نعيمة في تطبيق نظريّاته النقديّة على أدبه نثراً وشعراً أو إنّ التنظير أمرٌ والتطبيق أمرٌ آخر؟ هل كان مخلصاً لمبادئه النقديّة فحقّقها في أدبه الإبداعيّ/الإنشائيّ؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، نقصر دراستنا على فنّين من فنون الأدب النعيميّ: القصّة والشعر علماً أنّ نعيمة خاض غمار معظم الفنون الأدبيّة. وحجّتنا في اختيار هذَيْن الفنَّيْن أنّ المقاييس الأدبيّة التي ذكرها نعيمة في الغربال إنّما تنطبق بشكلٍ خاصّ على فنّ الشعر الغنائيّ، كما أنّه في الغربال الجديد بسط آراءه في فنّ القصّة. وفي سائر الأحوال، فإنّ مؤلّفات نعيمة مهما تنوّعت فنونها الأدبيّة فليست سوى أجزاء من روحه ووجدانه، وبينها رابطٌ روحيّ واحد تجسّده رسالة الأدب الروحيّة، فكأنّ جميع مؤلّفاته كتابٌ واحد لا كتب متعدّدة وكأنّ فنونها الأدبيّة فنٌّ واحد مهما تنوّعت قوالبها وتعدّدت أشكالها[68]. إنّ لميخائيل نعيمة ديواناً يتيماً هو هَمْسُ الجفون (1945). ولعلّ أهمّ ما يتّضح في ديوانه هذا من مقاييسه الأدبيّة: الإفصاح عن العوامل النفسيّة من انفعالاتٍ وتأثّراٍت شتّى، والموسيقى المتآلفة المتناسقة. فهو يعكف، في معظم قصائده، على تحليل نفسيّته وما ينتابها من عواطف ومشاعر وأهواء. في «النهر المتجمّد» مثلاً يبدو حائراً قلقاً كبّلت قلبَه المصائب فغدا جامداً أسيرا: قد كان لي، يا نهرُ، قلبٌ ضاحكٌ مثلُ المروجْ حرٌّ كقلبك فيه أهواءٌ وآمالٌ تموجْ قد كان يُضحي غيرَ ما يُمسي ولا يشكو المَلَل واليومَ قد جمدتْ كوجهك فيه أمواجُ الأمَل يا نهرُ، ذا قلبي، أراه، كما أراك، مكبّلا والفرق أنّك سوف تنشط من عقالِك وهو لا[69] وفي قصيدة «الطمأنينة» يبثّنا شعوره بالاطمئنان والرضى بالرغم ممّا يكتنفه من عواصفَ وأهوال. يقول: سقـفُ بيتي حديدْ ركنُ بـيتي حجرْ فاعصفي يا ريـاحْ وانـتحبْ يا شَجَرْ لستُ أخشى العذابْ لستُ أخشى الضَّرَرْ وحليفي القضــاءْ ورفـيقي القَدَر[70] هذا البثّ والبوح بمختلف الأحاسيس والمشاعر هو الذي جعل باحثاً كشوقي ضيف يرى في همس الجفون « تأمّلات نفسيّة» جديرة بالإعجاب[71]. وأمّا موسيقاه المتآلفة المتناسقة، فإنّها تنبعث من كلّ قصيدة. ويكفي للدلالة على هذه الموسيقى الرائعة التمثيل بقصيدة «أخي» التي مطلعُها: أخي، إن ضجّ بعد الحرب غربيٌّ بأعماله وقدّسَ ذكر مَنْ ماتوا وعظّم بطش أبطالِه فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمت بمن دانا بل اركع صامتاً مثلي بقلبٍ خاشـعٍ دامٍ لنبكي حظَّ موتانا[72] موسيقى هذا المقطع تتآلف فيها الحروف الصاخبة القويّة (الضاد والظاء والطاء) في «ضجّ وعظّم بطش أبطاله»، إلى جانب الألفاظ الليّنة «يقدّس ذكرَ مَنْ ماتوا» فتؤلّف موسيقى هامسة شجيّة مؤثّرة تجعل قصيدة نعيمة «تَثبت في المقارنة لأروعِ شعرٍ أوروبيّ»[73]. ومِثْلَ ذلك قل في معظم قصائده. ونبادر إلى القول: لم يهتمّ نعيمة، في قصائده، باللفظ على حساب المعنى، بل المعنى هو الذي يجرّ اللفظ المناسب جرّاً ويسكن إليه بلا تكلّف. وكيف يتكلّف أو يتصنّع مًنْ يريد أن يجعل قلبه مسكناً للفضائل الإنسانيّة، وشعره مصباحاً ينير طريق المساكين؟ واجعل اللهمّ قلبي واحةً تسقي القريب والغريب ملؤها الايمان، أمّا غرسُها فالرَّجا والحبّ والصَّبر الطّويل جوّها الإخلاص، أمّا شمسُها فالوفا والصّدقُ والحُلمُ الجميل[74] وإذا انتقلنا من نعيمة الشاعر إلى نعيمة القاصّ، ألفيناه يُخلص لمبادئه النقديّة: فهو مثلاً في أقاصيص كان ما كان (1937) ينتزع موضوعاتِه من صميم الحياة ويُنطق شخصيّاتِه بما يناسبها من كَلِم، وهو يهتمّ بالألفاظ العاميّة وخصوصاً في المواقف الحرجة والمتأزّمة إذا كانت صادرة عن أمّيين؛ ففي أقصوصة «العاقر» تطالعنا طائفة من العبارات التي تجري على ألسنة القرويين: «الله خلقه ورفع يده- حبيبتي أطلتِ الغيبة احترق قلبي بلاكِ- كيف حال قرقورتي اليوم؟- إن شاء الله نفرح لك بعريس...»[75]. فاللغة العاميّة، في الأسلوب النعيميّ، تستر تحت ثوبها الخشن كثيراً من فلسفة الشعب واختباراته في الحياة. وهو في كتاب في الغربال الجديد يحاسب كرم ملحم كرم على إسرافه في وصف المناظر الخارجيّة والركض وراء الأحداث المثيرة على حساب الذوق الفنّي فيقول: «والذوق الفنّي وحدَه هو الذي يختار أشخاص القصّة ويحدّد عددهم وصِلاتِهم ومميزات كلّ منهم في الصورة والطبع والميول والمعتقدات والأخلاق والسلوك... لذلك كان لا بدّ لكاتب القصّة من إلمام واسع بطوايا النفس البشريّة»[76]. ولعلّنا لسنا نبالغُ إن نقل: إنّ نعيمة رائد القصّة النفسيّة عند العرب، فهو ذو قدرة فذّة على دراسة النفوس وتحليلها وعرضها أمام القارئ نابضةً بالحياة، وإن لم يخلُ أسلوبه من إطناب وعناية بالتفاصيل وإلحاح في الوصف[77]. ولم يخرج نعيمة في أقاصيصه وقصصه عن الهدف الذي حدّده من «ماهيّة الأدب ومهمّته»؛ فهو في مذكِّرت الأرقش (1949) يقابل الشرّ بالخير، والبغض بالمحبّة، والسوءة بالتغاضي والغفران. وهو في مجمل قصصه ذو نفحة إنسانيّة تنبثق من نفسه انبثاقاً فتجعله يعطف على أبناء البشر المعذّبين، ويدعو إلى الالتصاق بالأرض والتنكّر للمدينة[78]. ولكي تكتمل صورة نعيمة النقديّة يجدر بنا أن نضعها في إطارها التاريخيّ. فالملاحظ أنّ كتاب الغربال (1923) قد ظهر مواكباً كتابَ الديوان للعقّاد والمازنيّ (1921). وقد ثبت بالاستقراء التاريخيّ أنّ التأثّر والتأثير لم يحصل بين الكتابَيْن، وإن كان الأوّل يمثّل اتّجاه مدرسة المهجر في التجديد الأدبيّ والآخر اتّجاه مدرسة الديوان، وهما اتّجاهان يرميان إلى هدفٍ واحد هو الهجوم على مدرسة الأدب التقليديّ والدعوة إلى أدبٍ جديد. وهذا الهدف الموحّد الذي جمع المدرستَيْن إنّما كان بسبب اطّلاع الجانبَيْن على الآداب والثقافات الأجنبيّة، وشعورهما بحاجة الأدب العربيّ الحديث الماسّة إلى التجديد. على أنّ العقّاد، بالرغم من إعجابه الشديد بنعيمة واعترافه بنبوغه وعبقريّته[79]، وبالرغم من التحيّات المتبادلة بينهما و«الشدّ على اليد»، فإنّه كان يخالف نعيمة في عدّة آراء نقف ههنا على اثنين منها: أ‌- قضيّة اللفظ: ففي حين صبّ نعيمة عنايته على الفكر، ونادى بالتطوّر الأدبيّ ولو على حساب النحو والصرف[80]، كان العقّاد يرى «أنّ الكتابة الفنيّة فنّ وأنّ مجاراة التطوّر فريضة وفضيلة، ولكن يجب أن نذكر أنّ اللغة لم تُخلق اليوم فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا، وأنّ التطوّر إنّما يكون في اللغات التي ليس لها ماضٍ وقواعد وأصول»[81]. ب‌- قضيّة العاميّة: وفي حين كان نعيمة ينادي بالعاميّة في «الرواية التمثيليّة» رغبةً منه في أداء مشهد حيّ من مشاهدِ الحياة الحقيقيّة، كان العقّاد ينادي بما أسماه «التهيّؤ». قال: «الحقّ أنّ التهيّؤ ركنٌ لا غنى عنه في جميع الفنون وفي مقدّمتها التمثيل، ولا بدّ لإلقاء الأثر البليغ في نفس المُشاهد من تهيئة خاصّة تُنسيه الحياة الدارجة وتغمره في جوّ الفنّ والجمال وبيئة البلاغة والتفكير... فليس من الكسب للحاسّة الفنيّة أن تُفقدها تهيّؤ اللغة الذي يحتاج إليه المشاهد أشدّ من حاجته إلى كسوة تذكّره حين يذهب إلى الملعب أنّه ذهب إلى مكان غير البيت وغير الطريق، وليس من حسن التخريج أن تظهر اللغة على المسرح بغير طلائها الذي يناسب ذلك المقام»[82]. ومهما يكن من أمر، فقد قام كلّ من نعيمة والعقّاد بدورٍ رائد في توجيه أدبنا الحديث الوجهةَ الإنسانيّة المنفتحة. وليس أدلّ على هذا الدور من تتبّع تأثير نعيمة في الأدب والأدباء والنقد والنقّاد. لا شكّ في أنّ غربال نعيمة كان دستوراً أدبيّاً جديداً صوّر مقوّمات التيّار المهجريّ في الشعر. إنّ إيليّا أبا ماضي كان يتأرجح بين التقليد والتجديد قبل أن ينشر نعيمة قصيدَتَي «النهر المتجمّد» و«أخي» (1917) وقبل أن ينشر مقالاتِه النقديّة في مجلّة الفنون (نشرها في ما بعد في الغربال)، ولكنّه بعد اتّصاله بنعيمة (خريف 1916)[83] راح يبتعد عن شعر المناسبات وأنف من محاكاة البحتريّ وأبي تمّام والمتنبّي، وإذا هو في الجداول (1927) الذي كتب نعيمة مقدّمته، وقد انصقل ذوقه واكتملت عُدّته واستقلّ بمشاعره وأفكاره، يطلّ شاعراً فذّاً بشعرٍ رائع «يتألّق فيه الفنّ الجميل وتجري الأحاسيس والأفكار صافية صادقة»[84]، حتى قيل: إذا كان جبران عميد الرابطة القلميّة، ونعيمة مستشارها، فإنّ إيليّا أبا ماضي هو شاعرها. ولعلّ أهمّ ما يلفت انتباهنا في جداول أبي ماضي نزعته التأمّليّة الفلسفيّة التي تذكّرنا تأمّلات نعيمة النفسيّة، ومَنْ يقرأ قصيدته «برّدي يا سحب» التي يقول فيها: رَضِيتْ نفسي بِقِسْمَتِها فَلْيراود غيري الشُّهُبا[85] لا يسعه إلّا تذكّر قصيدة نعيمة الشهيرة «الطمأنينة». هذا في مجال الشعر. أمّا في مجال القصّة فلقد كان لنعيمة الفضل الأكبر في توجيه توفيق يوسف عوّاد وفي الكشف عن مواهبه القصصيّة. ومَنْ يطالع الفصل الذي عقده عوّاد على نعيمة في فرسان الكلام (1974) تحت عنوان «ناسك الشخروب» يشعر بأنّ عوّاداً شديد الإعجاب بنعيمة، فهو يقف منه كمَنْ يقف أمام لغزٍ عجيبٍ محيّر: «أنت شاعر، أنت فيلسوف، وقد تكون نبيّاً... هل لك أن تعيرنا بصرك وسمعك؟ هل لك أن تعطي نفوسنا بعض ما في نفسك، وتشركنا في ملكوت ما أنت فيه؟»[86]. ويعترف بأثر نعيمة فيه قائلاً: «أشهد أنّ نعيمة ترك فيّ منذ الصغر ما يُشبه النقش في الحجر»[87]. منذ 1936 (وهو تاريخ صدور الصبي الأعرج، باكورة عوّاد القصصيّة) ونعيمة يوجّه عوّاداً ويرعاه فيدلّه في أقاصيصه على « بعض العنف»[88]، ويقول له: «يُخيّل إليّ أنّك ما تعلّمت الكتابة إلّا لتكتب القصّة»[89]. كما أنّه قرأ رواية الرغيف مخطوطةً قبل أن تظهر في العام 1939[90]. ويمكننا اعتبار عوّاد امتداداً وتطويراً لميزات نعيمة القصصيّة؛ فآثاره تنطوي على جميع مزايا النتاج الفنيّ المبتكر كاللون المحلّي، والشواغل النفسيّة، والتحليل النفسيّ، بالإضافة إلى التنوّع والغنى والعمق والتدفّق والنظام[91]. أمّا في النقد الأدبيّ الحديث فلقد ترك نعيمة بصماتِه على نقد الدكتور محمّد مندور. كان الأخير معجباً بالأدب المهجريّ وأدباء المهجر وفي طليعتهم ميخائيل نعيمة. وهو يعبّر عن إعجابه بنعيمة في كلّ سانحة. قال: «لا أظنني شعرتُ بمثل هذا الإحساس الشعريّ الجميل عند قراءتي لأحدٍ من رجال أدبنا المعاصر مثلما أحسستُ عندما قرأتُ أو أقرأ لميخائيل نعيمة»[92]. بل هو يشعر بأنّ ثمّة رابطةً روحيّة تربطه بنعيمة وأدبِه وتتوثّق على مرّ الزمن[93]. وفي كتابه في الميزان الجديد (1944) يبسط مندور مقاييسه الأدبيّة على غرار ما فعل نعيمة في الغربال؛ فمندور يدعو إلى الصدق والإخلاص والتواضع، إلى «الأدب المهموس». يقول: «أكبر نقصٍ في أدبنا هو بُعدُه عن الإلفة فهو قلّما يهمس. وهل لذلك من سبب غير ضعف الإخلاص فيه وغلبة المهارة عليه سواء في الصياغة أم في التفكير؟ كثير من كتّابنا في حاجةٍ إلى التواضع، بل إلى السذاجة ليأتي أدبهم مهموساً على نحو ما أتت معظم الآداب الخالدة»[94]. يريد مندور أن يكون الأدب إنسانيّاً لصيقاً بالحياة، ويريد الأديب معبّراً عن إحساسه بألفاظٍ مأنوسة مألوفة قادرة على استنفاد إحساسه، وعلى دفع مشاعرنا إلى التداعي لأنّ استعمالنا لها كثُر في الحياة فتحدّدت معانيها وتلوّنت بلون نفوسنا فحملت شحنة عاطفيّة[95]. الأديب، في مذهب مندور، هو صديق القلب ورفيق الروح فتراه يحزن أشدّ الحزن لموت أمين مشرق وهو رجلٌ ما رآه قطّ ولا حدّثه عنه أحد[96]. وإذا كان نعيمة يكره الصنعة والزخرفة وحوشيّ الكلام، ويشبّه أصحابها بالضفادع والقِرَدة، فإنّ مندور يهمس في آذاننا قائلاً: «موضع الإعجاز هو أن نقول الأشياء الكبيرة بألفاظٍ صغيرة، ولا تحسبنَّ أنّ هذا أمرٌ هيّن، فليس أشقّ من أن نلاحظ ما نراه كلّ يوم»[97]. ولذلك يطالب بالإفلات من الصنعة إلى الصدق. وإذا كان نعيمة يرى أنّ العلوم والفنون والديانات والفلسفات مجارٍ وأنّ الأدب هو محيطها[98]، فإنّ مندور يطالب الأديب بأن يكون «مثقّفاً ثقافةً منظّمة عميقة مهضومة»[99]. ومثلما قرن نعيمة نظريّاته بالنقد التطبيقيّ، كذلك فعل مندور؛ فإذا هو يزن بعض قصائد المهجر بميزانه الجديد، فيجد في قصيدة نعيمة «أخي» كنوزاً رائعة تَثبتُ في المقارنة لأروعِ شعرٍ أوروبيّ ويسمع فيها أنغاماً تهزّ الإنسان هزّاً[100]. إنّ كتاب مندور في الميزان الجديد يُعدّ الينبوع الثاني، بعد الغربال، الذي روى النقد العربيّ الحديث؛ فبعد نعيمة ومندور نشأت مذاهبُ كثيرة في النقد الأدبيّ، ولكنّ هذه المذاهب جميعها آمنت بأنّ الشعر تجربة روحيّة وفكريّة عميقة، وبأنّ الأدب تعبيرٌ صادق عن العواطف الإنسانيّة. ولا عجبَ بعدُ إن أكبّ الدارسون في الآونة الأخيرة على الأدب النعيميّ يوسعونه شرحاً وتحليلاً: فإذا بثريّا مَلْحَس تؤلّف كتاباً في تجربة نعيمة الصوفيّة[101]، ونديم نعيمة (ابن شقيق ميخائيل) يكتب كتاباً في استبطان نعيمة ذاته[102]، ومحمّد شفيق شيّا يبحث في فلسفة نعيمة[103]... وإذا كان مارون عبّود يقول في شعر المتنبّي: «مثلَ هذا الشعر يجب أن نعلّم أبناءنا»[104]، فنحن اليوم نقول: فَلْينهل طلّاب العربيّة من ينابيع لغة نعيمة وفنّه وأسلوبه، وليتدرّبوا على مدارج قلمه، وليؤخذوا بالكتابة الجميلة. إنّ نعيمة رائدٌ في كلّ ما كتب، وكلّ ما أنتجه جميلٌ راقٍ، فيه الحكمة والإخلاص. ---------------------------------- * متخصّص بالآداب العربيّة. أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، وجامعة القدّيس يوسُف – بيروت. [1] كروتشه، فلسفة الفنّ، ترجمة سامي الدروبي (بيروت والدار البيضاء، المركز الثقافيّ العربيّ، ط1، 2009)، ص107. [2] سبعون (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط7، 1987)، 1/21. [3] م. ن.، 1/15. [4] ن.، 1/26. [5] ن.، 1/51. [6] ن.، 3/51. [7] عبد الكريم الأشتر، النثر المهجريّ (بيروت، دار الفكر، ط4، 1983)، ص24. [8] أحاديث مع الصحافة (بيروت، دار العلم للملايين، 1975)، 9/696. [9] ثريّا مَلْحَس، ميخائيل نعيمة الأديب الصوفيّ (بيروت، دار الكتاب اللبنانيّ، ط2، 1986)، ص158. [10] أحاديث مع الصحافة، ص718؛ المراحل (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط8، 1982)، «ثلاثة وجوه: وجه بوذا، ووجه لاوتسو، ووجه يسوع»، ص7. [11] م. ن.، ص556 و620. [12] في الغربال الجديد (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط3، 1983)، ص5-70-92. [13] النور والديجور (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط7، 1988)، «روسيا التي عرفتها»، ص70 . [14] إسماعيل أدهم، ميخائيل نعيمة (القاهرة، دار المعارف بمصر، 1984)، ص540-541. [15] البيادر (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط10، 1985)، ص138. [16] أحاديث مع الصحافة، ص465. [17] في الغربال الجديد، ص62 و124. [18] جبران خليل جبران (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط8، 1978)، ص177. [19] م. ن.، ص319 وص154. [20] الغربال (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط14، 1988)، ص243. [21] محمد شفيق شيّا، فلسفة ميخائيل نعيمة (بيروت، منشورات بحسون الثقافيّة، ط1، 1979)، ص281-282. [22] البيادر، ص78. [23] أحاديث مع الصحافة، ص465. [24] الغربال، ص210. [25] أحاديث مع الصحافة، ص688؛ دروب، ص181. [26] سليم قبعين، مذهب تولستوي (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013)، ص34. [27] الهلال (القاهرة، سبتمبر 1958)، ص20. [28] أحاديث مع الصحافة، ص638؛ سبعون، 2/213. [29] عيسى الناعوري، أدب المهجر (دار المعارف بمصر، ط3، 1977)، ص72. [30] أحاديث مع الصحافة، ص509. [31] الغربال، ص25. [32] م. ن.، ص16. [33] ن.، ص18. [34] ن.، ص40. [35] حياة شرارة، بيلينسكي (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط1، 1979)، ص33. [36] دروب (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط7، 1980)، ص122. [37] في الغربال الجديد، ص25-193-229-274. [38] أحاديث مع الصحافة، ص482. [39] الغربال، ص70-71. [40] محمّد مندور، النقد والنقّاد المعاصرون (بيروت، دار المطبوعات العربيّة، لا ت)، ص34. [41] م. ن.، ص36-38. [42] أحاديث مع الصحافة، ص614. [43] م. ن.، ص479. [44] الغربال، ص91. [45] م. ن.، ص120. [46] ن، ص99-101-105. [47] ن.، مقدّمة العقّاد، ص10-11؛ صلاح لبكي، لبنان الشاعر (بيروت، مجد، ط1، 1982)، ص241؛ محمّد مندور، م. س.، ص40. [48] البيادر، ص225-228. وقارن بالمقال الوارد في كتاب في مهبّ الريح (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط6، 1978) «أوزار اللغة»، ص125. [ط1، 1953]. [49] سبعون، 2/206. [50] الغربال، ص34. [51] م. ن.، ص210. [52] أحاديث مع الصحافة، ص689؛ دروب، ص183. [53] أحاديث مع الصحافة، ص541. [54] في الغربال الجديد، ص50. [55] الناعوري، م. س.، ص380. [56] زاد المعاد (بيروت، دار العلم للملايين، 1971)، 5/120 وما يليها. [57] تمكن مراجعة فلسفة برغسون في كتاب يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، ص464-475. [58] الغربال، ص20. [59] جبران خليل جبران، ص300. [60] العُمدة، تحقيق محيي الدين عبد الحميد (بيروت، دار الجيل، ط5، 1981)، 1/117. [61] عزّ الدين إسماعيل، الأدب وفنونه (بيروت، دار الفكر، ط6، 1976)، ص70. [62] المجلّة التربويّة (بيروت، العدد الثاني، 1981)، ص8. [63] دروب، ص56. [64] في مهبّ الريح، ص96 و172. [65] الغربال، ص127-145-155-207-244. [66] في الغربال الجديد، ص222-227-246-257-274. [67] م. ن.، ص222. [68] الناعوري، م. س.، ص379. [69] همس الجفون (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط5، 1988)، ص12-13. [70] م. ن.، ص73-74. [71] شوقي ضيف، دراسات في الشعر العربيّ المعاصر (دار المعارف بمصر، ط7، 1979)، ص212. [72] همس الجفون، ص14. [73] محمّد مندور، في الميزان الجديد (القاهرة، دار نهضة مصر، ط3، لا ت)، ص69 وما يليها. [74] همس الجفون، ص38. [75] كان ما كان (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط14، 1987)، ص60-63-78... [76] في الغربال الجديد، ص192. [77] محمّد يوسف نجم، القصّة في الأدب العربيّ الحديث (بيروت، دار الثقافة، ط2، 1966)، ص309. [78] علي نجيب عطوي، تطوّر فنّ القصّة العربيّة اللبنانيّة بعد الحرب العالميّة الثانية (بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط1، 1982)، ص110. [79] سبعون، 2/210. [80] الغربال، ص97-98. [81] العقّاد، مقدّمة الغربال، ص10-11. [82] العقّاد، ساعات بين الكتب (القاهرة، مؤسّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014)، ص129. [83] سبعون (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط6، 1983)، 2/156. [84] في الغربال الجديد، ص144. [85] أبو ماضي، الجداول (بيروت، دار العلم للملايين، ط17، 1986)، 27. وانظر تعليق ضيف، م. س.، ص183-185. [86] توفيق يوسف عوّاد، فرسان الكلام (بيروت، مكتبة لبنان، ط2، 1980)، ص39. وانظر أيضاً: سبعون (بيروت، مؤسّسة نوفل، ط6، 1983)، 3/47. [87] م. ن.، ص24. [88] في الغربال الجديد، ص229. [89] م. ن. [90] عوّاد، م. س.، ص17. [91] عطوي، م. س.، ص130-133. [92] مندور، النقد والنقّاد المعاصرون، ص47. [93] م. ن.، ص48. [94] مندور، في الميزان الجديد، ص12. [95] م. ن.، ص78. [96] ن.، ص86. [97] ن.، ص90. [98] دروب، ص41. [99] في الميزان الجديد، ص95. [100] م. ن.، ص69-75. [101] ثريا مَلْحَس، ميخائيل نعيمه الأديب الصوفيّ، 1964. [102] نديم نعيمة، ميخائيل نعيمه طريق الذات إلى الذات، 1978. [103] محمد شفيق شيّا، فلسفة ميخائيل نعيمه، 1979. [104] مارون عبّود، الرؤوس (بيروت، دار الثقافة، ط5، 1972)، ص264.