دراسات دينية
د. جوزف لبُّس*: على عَتَبة الكَنِيس. محاولة في فهم اليهوديّة واليهود
« الشعبُ الجَحود، الحَرون، القُلَّب»
دانتي[1]
عَتَبة
العَتَبة في لسان العرب دَرَجةُ البيت وخَشَبةُ الباب[2]، تقيم الحدّ بين الخارج والداخل، وتعني العبور والتجاوز. أمّا الكَنِيْس (بيت كْنيسِتْ بالعبريّة) فهو معبد اليهود؛ دارٌ للاجتماع والصلاة وتِلاوة التوراة، كان ظهوره علامةً في تاريخ اليهود[3].
وعليه، فقد أردنا «على عتبة الكنيس» مدخلاً يُدني الخارج من الداخل وينفتح على المغلَق؛ يقرّب إلى الأذهان معتقداتٍ ومفاهيمَ يهوديّة ما زال يكتنفها جوٌّ ملبّدٌ بالغموض والتعميم والأحكام الجاهزة، مستضيئين بالمثل المغربيّ القائل: «أخبار الدار على باب الدار»[4]، مستهدِين بنصوص التوراة والتَّلْمود وأحداث التاريخ ومؤلَّفات الراسخين في العلم.
إنّ اهتمامنا باليهوديّة لا ينبع من شعار: «إعرف عدوّك»! فبين اليهوديّة والصِّهيونيّة بَونٌ دلّ عليه شعراءُ المقاومة الفلسطينيّة أنفسُهم[5]؛ ولا ينبع من الآية الكريمة ﴿يا أهلَ الكتاب تعالَوا إلى كلمة سواء﴾[6]. إنّنا، إذ نبحث في الدين اليهوديّ، نستبطن أيضاً كُنْهَ عشرات الديانات والمذاهب الأخرى[7]. قال عبّاس محمود العقّاد: «لقد حملت اليهوديّة أعباء التوسّط بين الديانات الوثنيّة وعقائد التوحيد»[8]. إنّ الدين اليهوديّ هو سَلَف الدين المسيحيّ الذي اعترف ب «العهد القديم» وضمّه إلى جانب «العهد الجديد» طيَّ الكتاب المقدّس[9]؛ وهو سَلَف الدين الإسلاميّ الذي قصّ قَصص الأنبياء وأكمل رسالاتِهم، وكان النبيّ محمّد خاتمَهم[10].
إنّ اليهوديّة متأصّلة في التاريخ، حقيقيّاً كان أو أسطوريّاً، وفي التاريخ كما في الأسطورة حقيقة ينسجها العلماء أو تحيكها مخيّلة الشعوب؛ فقد اهتمّ اليهود بالتاريخ المقدّس أي بعَلاقتهم بالربّ / يَهْوَه[11]، وكانوا أوّل مَنِ اكتشف التاريخ بصفته تجلّياً للإله، حين حاولوا أن يؤلّفوا من حوادث العهد القديم وَحدةً متناسقة يقود فيها الله تاريخ اليهود. ويبدأ التاريخ لديهم بخلق العالم، وينتهي بظهور المسيح المنتظَر. ولذلك، ينتظم الدينُ اليهوديّ في تاريخ اليهود الاجتماعيّ والسياسيّ.
متاهة الاسم
وفي التوراة يُسمّى اليهود[12] بالعَبرانيّين وإسرائيل: اسم العَبرانيّين يدلّ على هجرة إبراهيم وعشيرته من بلاد دِجْلة والفُرات (أُور وحرّان) وعبورِهم إلى أرض كَنْعان، كما يدلّ على أصلهم البدويّ وعلى حياتهم القبليّة القائمة على العبور والتنقّل والارتحال[13]. أمّا اسم إسرائيل (بالعبريّة يِسْرَئِيل) فمعناه الحَرْفيّ «الذي يصارع الإله» أو «يجاهد مع الإله»، وهو الاسم الذي كُنّي به يعقوب (بن إسحق بن إبراهيم) عندما صارعه ملاك في الحُلم حتّى مطلع الفجر، ليعجم عُوده قبل أن يُختار نبيّاً، تَبيّنَ في ما بعد أنّه الإله[14]. وتحمل التسمية معنيَين: الصراع والقداسة، وتشير إلى فردٍ من نسل يعقوب، وتدلّ على فَخار. وبعد وفاة الملك سليمان وانشقاق المملكة (كما سيأتي لاحقاً)، تأسّست تباعاً مملكتا إسرائيل (880-721 ق. م.) ويهودا (730-587 ق. م.)، وسُمّي سكّان المملكة الأولى إسرائيليّين وسكّان المملكة الثانية يهوداً. وكذلك بعد السبي البابليّ، سُمّي العائدون يهوداً ثمّ شملت هذه التسمية كلّ أفراد هذا الشعب في العالم.
إذاً، ساد اسم العَبرانيّين المرحلة بين إبراهيم وموسى، ولمع اسم بني إسرائيل في مرحلة الخروج من مصر، ومكث الاسمان (إسرائيل ويهودا) جنباً إلى جنب حتّى تدمير مملكة إسرائيل. بعدها، تُرك المجال لاسم اليهود حتّى القرن التاسع عشر، حين بدأ اسم الصِّهيونيّين يلوح في الأفق مرادفاً لليهود[15]. ولعلّ التاريخ يجلو حقيقة الاسم ويكشف حقيقة الدين.
اليهود عبر التاريخ
كان العَبرانيّون، قبل أن ينحدر منهم الشعب اليهوديّ (= أحمد الربّ[16])، فرعاً في الدوحة الساميّة، قذفت بهم الجزيرة العربيّة إلى أُور (= نور، لهب) وحرّان (= طريق، قافلة) في بلاد الرافدين، في القرن العشرين قبل الميلاد، واستقرّوا في نهاية المطاف بأرضِ كَنْعان (= بن حام بن نوح، بلاد الأرجوان، الأرض المنخفضة)، أرضِ الميعاد (فلسطين[17]). لغتهم الأصليّة هي الآراميّة، أمّ العبريّة والعربيّة في آنٍ معاً. عبدوا إلهاً واحداً أسمى، كانوا له عبيداً وخدماً ورعيّةً وأمّة، وكانوا يفاخرون به الشعوب والقبائل المتاخمة، على الرغم من تأثّرهم بالديانات التعدّديّة. وكانت عبادتهم وتفاوت الحضارة موضوعَ احتكاك بمَن جاورهم وتحدٍّ، نتج عنه العَداء والاضطهاد والانعزال، وكأنّ الأمم من حولهم حَلْقة من نار لا يستطيعون منها فكاكاً.
للآباء[18] والأنبياء دورٌ رئيس في تاريخ الدين اليهوديّ، يتحدّثون بِاسم الله ويتحدّث الله من خلالهم، بَدْءاً بإبراهيم ( 2000 ق. م. = الأب الكريم)، جَدّ الشعب اليهوديّ، وأبي الأديان التوحيديّة الثلاثة[19]. تجلّى له الله وهو ابن تسع وتسعين وجرى بينهما عهد، أن يعبد ونسله الربّ على أن يعطيهم الربّ أرضَ كنعان[20]، فوصفته الكتب المقدّسة ب «الخليل» أي حبيب الله[21]. رُزق من جاريته المصريّة هاجَر إسماعيل (= يسمع الله)، أبا العرب[22]، وكان إبراهيم في السادسة والثمانين. وحين بلغ المئة، رُزق من زوجته المصريّة سارة (= أميرة) التي كانت في الثانية والتسعين إسحق (= يضحك). وقد امتحن الله إبراهيم في إسحق[23]، ومات عن 175 عاماً. أمّا يعقوب (= يعقب، يحلّ محلّ 1725-1575 ق. م.) فهو ثالث آباء اليهود، أنجب 12 ولداً / سِبطاً تحدّرت منهم قبائل اليهود الاثنتا عشْرة التي يتكوّن منها شعب إسرائيل[24]. وبعد أن حلّت مجاعة بأرض كَنعان، نزح أحفاد إبراهيم (يعقوب وبنوه) إلى أرض الكِنانة (1700 ق. م.). وكان أن استعبدهم الفرعون رعمسيس الثاني (1290-1224 ق. م.)، وسخّرهم في أعمالٍ عمرانيّةٍ جبّارة، كبناء المدن وتشييد المعابد وإقامة التماثيل، ممّا يحتاج تنفيذها إلى قوّةٍ بشريّةٍ هائلة، ثمّ أسرف في قتلهم وذلّهم، فأذاقهم الأمرّين.
بعد عشْر بلايا أنزلها يَهْوَه بالمصريّين لحثّ الفرعون على التوبة (الدم، الضفادع، البعوض، الذباب، الطاعون، الجُذام، البَرَد، الجراد، الظلام، موت الأبكار[25])، خرج موسى (بالمصريّة= وُلد، وبالعبريّة= المـُنتشَل من الماء) ببني إسرائيل العبيد، أحفاد يعقوب وورثة يوسف، من أرض العبوديّة (1230 ق. م.) بعد أن أقاموا بأرض مصر 430 سنة[26]. وبعد أربعين سنة من الهِيام في صحراء التيه ما بين مصر والشام[27]، شارفوا أرضَ الميعاد. ولأنّ موسى كان يصغي إلى يَهْوَه وهو يكلّمه، اكتسبَ لقب «كليم الله»[28]؛ فبعد ثلاثة أشهر من الخروج من مصر، وعلى سفح جبل حُوريب (جبل سيناء وجبل موسى)، أوحى يَهْوَه إليه بالشرائع الدينيّة والأخلاقيّة المعروفة بالوصايا العشْر التي خُطّت على لوحَيْن من حجر بإصبع الخالق، ودُعيت لوحَي العهد (لوحوت هَبْريت) أو الشريعة[29]. ولذا، فإنّ موسى عند اليهود هو أبو الأنبياء، ومؤسّس الدين اليهوديّ.
خَلَفَ موسى يشوعُ (= يَهْوَه خلاص) بن نون نبيّاً وقائداً عسكريّاً، واستمرّ حكمه 28 عاماً، ويروي سفرُه أخبارَه. تحت قيادته دخل اليهود أرضَ الميعاد، بعد مراحلَ من الغزو والتسلّل (1250-1200 ق. م.). وإبّان ستّ سنوات، نجحوا في الاستيلاء على أرض الكَنْعانيّين الطيّبة «أرض حنطة وشعير وكَرْم وتين ورمّان، أرض زيت وعسل»[30] استيلاءَ «قطيع من الذئاب الهزيلة الجائعة»[31] على جماعة مستقرّة آمنة، وسفكوا الدماء «زكاةً تقدمةً للربّ»[32]، وربُّهم إله إسرائيل، ربُّ الجنود وربّ القوّات و«رجل حرب»[33].
تأثّر اليهود بالديانة الكَنعانيّة تأثُّراً عميقاً ومتعدّدَ الأشكال: في عبادة بَعْل[34] التي أثارت سخط الأنبياء[35]؛ وفي الشعائر والأناشيد والمزارات وأماكن العبادة والطبقة الكهنوتيّة؛ حتّى الموسيقى التي عزفها داود وسليمان، وتصميم الهيكل، وكلمة «هيكل» نفسها كانت كلّها كَنعانيّة[36].
وإنّ مفهوم اليهود كونهم «شعب الله المختار»[37] يدلّ على امتياز خاصّ وتفوّق؛ «كونوا لي قدّيسين، لأنّي أنا الربّ قدّوس، اتّخذتكم بدل سواكم من الشعوب لتكونوا لي»[38]. وفي التراث التقليديّ اليهوديّ أنّ الله عرضَ التوراة على الشعوب الأخرى، ولم يقبل النهوضَ بمسؤوليّتها سوى الإسرائيليّين، فالاختيار إذاً عبءٌ ومكرمة، وتكليفٌ وتشريف؛ «الله شتّت شعب إسرائيل بين الأمم لكي ينشر الاعتقاد بالله»[39]. إنّ الشعب المختار هو الذي يتعرّض لدرجة من المسؤوليّة الخُلقيّة والمحاسبة المعنويّة أمام الله، وما نزل بهم من مِحن وويلات إنّما هو عقابٌ لهم على عصيانهم وسوء حملهم الأمانة. والسؤال هنا: كيف يَعِدُ الله شعباً بمنحه أرضاً (كَنْعان) يملكها شعبٌ آخر (الكَنْعانيّون)؟ وأيّ نظريّةٍ تتيح لشعبٍ أن يقتلع شعباً آخر من أرضه؟ الجواب أنّ الأرض، من وجهة نظر يهوديّة، مُلكٌ للإله (بَعْل إيل يَهْوَه) الذي خلق الأرض؛ «أمّا الأرض فلا تُباع مطلقاً لأنّ ليَ الأرض، وأنتم غرباء ونزلاء عندي»[40]. وماذا يختار شعبٌ خَبِرَ حياة الحَلّ والتَّرحال، بين أخصب البقاع وأقفرها؟ لن يختار الصحراء، ولن يعود القهقرى إلى بيت العبوديّة، ولكنّه يروم «أرضاً تدرّ لبناً وعسلاً»[41].
ويأتي عهد الملوك، ويصل تاريخ اليهود إلى الملك داود (= محبوب)[42]. كان داود عازفاً ماهراً على المزمار وشاعراً مرتّلاً. انتصر على الفارس الفلسطينيّ العملاق جُلْيات (= سبي أو نفي، جالوت في القرآن)، فجعله شاول (= سُئل، طالوت في القرآن)، صهرَه وأحد قادة جندِه. وقد انتحر شاول (1025-1005 ق. م.) مع حامل سلاحه بعد أن هزمه الفلسطينيّون على جبل جِلْبوع (= عين متفجّرة)[43]. وغدا داود الملكَ الثاني على مملكة يهودا، وجعل عاصمتها القدس (أورشليم= أساس السلام). صمّم بناء هيكل (هيخال) يوضع فيه «تابوت العهد» (تيڤا) الذي يحمل الوصايا العشْر، لكنّه لم يعمّر لكي ينفّذ خطّته (1005-970 ق. م.). ومثلما مات موسى على عَتَبة أرض الميعاد، مات داود على عَتَبة الهيكل. دام حكمه 40 عاماً، ولم تدم مملكته إلّا 73 عاماً، وجسّد الأنموذج المثاليّ لاستقامة الحكم المقرون بالإخلاص التامّ والولاء للشريعة الإلهيّة، وكأنّه حقّق حُلم إبراهيم.
وبعد داود، سليمان الحكيم[44]؛ شاعرٌ وفيلسوف كُنّي ب «الجامعة»، «قال ثلاثة آلاف مثل، وكانت أناشيده ألفاً وخمسة»[45]. لم يطلب إلى الله في حُلمه سوى البصيرة ليحكم الشعب، فأعطاه حكمةً يُضرب بها المثل وحياةً مديدة. وبنى سليمان على قِمّة جبل صِهيون، داخِلَ قصره، الهيكلَ الأوّل في القدس[46]. حكم 40 عاماً (970-930 ق. م.) وكان عهدُه عهدَ سلام بحقّ، فاسمه مشتقّ من شالوم= رجل سلام، خلافاً لما كان عليه أبوه. أخباره ومغامراته كثيرة: بلقيس ملكة سبأ زارته، وزواجه من ابنة الفرعون، وبناؤه أسطولاً تجاريّاً في البحر الأحمر، «وكان له سبعمئة زوجة من الأميرات، وثلاثمئة من السراري»[47]. ولعلّه أراد من هذه الزيجات الكثيرة أن يوطّد صداقته مع الأمم.
كان عصر الملك داود وابنه سليمان الحكيم (وكلاهما ملكٌ في العقيدة اليهوديّة لا نبيٌّ كما في الإسلام) عصراً ذهبيّاً. وإليهما نُسبت أسفارٌ من المزامير[48] والأناشيد (صوت الشباب) والحِكَم والأمثال (صوت الشيوخ). ولكنّ وَحدة بني إسرائيل لم تدم طويلاً؛ فبعد موت سليمان (930 ق. م.)، وانقسام المملكة (إسرائيل في الشمال وعاصمتها شكيم / نابلس وإلهها إلوهيم / الله= الخالق العظيم، والإله الأعلى؛ ويهودا في الجنوب وعاصمتها أورشليم / القدس وإلهها يَهْوَه / الربّ= هو الذي كان)، وإبّان الفوضى السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة والأخلاقيّة، ظهر أنبياء راؤون حذّروا من إهمال العهد المقدّس، وهاجموا الكهنة وانتقدوا الملوك، ودعَوا إلى نبذ الفساد والرجوع إلى حياة الطهر والنقاء، في طليعتهم:
إشَعْيا (= يَهْوَه خلاص، 734-680 ق. م.)، «ملك الأنبياء» لفصاحته، كان يقول الحقيقة بحزم غير عابئ بوعيد الملوك[49]، مشى عارياً حافياً ثلاث سنوات[50]، وتبرّم بذبائحِ الهيكل[51]، وأشاد بالمحبّة الإلهيّة[52]، وتنبّأ بظهور المخلّص[53]، وأعدّ له الطريق[54]، وبشّر بإلهٍ هو ربّ العالَمين لا يكون إلهَ قبيلة أو قوم أو شعب[55]. إضطهده الملك منسّى، وأعدمه مشطوراً بالمنشار[56].
إرْمِيا (= يَهْوَه رفيع، 626-586 ق. م.) «النبيّ البَكّاء» لمراثيه، ركّز على عَلاقة الفرد الشخصيّة بالله ومسؤوليّته تجاه فعله وعلى الخبرة الدينيّة الذاتيّة[57]، مارس دعوته أربعة عقود، وكان نذيراً، واتّسم خِطابه بالمأسويّة لأنّه رأى الكارثة الوشيكة الحدوث[58]، وفي أيّامه سقطت أورشليم تحت حصار نبوخذ نصّر، وبدأ «سبي بابل»، فدعا شعبَه إلى الخضوع لأنّ الربّ استعمل ملك بابل لأهدافه[59]، وكان مصدرَ عزاء لأبناء شعبه ونبيّاً كاتباً، فكتب إليهم يطلب اندماجَهم في بلدهم الجديد وعبادة يَهْوَه فيه. وكان تلميذُه وكاتبُه باروخ يدَه اليمنى. وقد اختفى معه في الصحراء هرباً من رجال الدين اليهود الذين كانوا يعبدون بعل.
بعد انقسام المملكة، غزا البابليّون اليهودَ غيرَ مرّة وفي آب 586 ق. م.، وبعد حصار دام عشرين شهراً، خرّبوا أورشليم ودمّروا الهيكل المقدّس، ونقلوا كنوزه إلى بابل[60]، واقتيد من أشراف اليهود آلاف الأسرى: «سبى نبوخذ نصّر أهل أورشليم وجميع الأمراء والقادة وهم عشَرة آلاف، والمهرة من العمّال، ولم يترك في يهودا إلّا مساكين الشعب»[61]. ومنذ ذلك الحين، حجب المؤرّخون اسم «العَبرانيّين» عمّن نجا من المذبحة، وصاروا يسمّونهم «اليهود». وقد دام عهد بني إسرائيل في أرض كنعان من دخول يشوع بن نون إلى سقوط مملكة يهودا زهاء خمسة قرون، وكان مَثَلُهم، في زحمة الحضارات الكبرى، مَثَل مَن أصرّ على الوقوف وسط سوقٍ صاخب فدهمته السيّارات[62]. وفي مرحلة السبي البابليّ الذي استمرّ 140 عاماً، ظهر كلٌّ من النبيَّيْن حَزْقيال ودانيال.
حَزْقيال (= إيل يقوّي)؛ «نبيّ السبي»، كان في شبابه خادماً لإرْمِيا، وسُبي إلى بابل 597 ق. م.، وكان خطيباً كاتباً كتب أحاديثه كلَّها، وإذا كان ثمّة أنبياء يسمعون الصوت الإلهيّ، فإنّ حزقيال كان يرى ما تحتويه النبوءة[63]، وكان يعلّل اليهودَ بأنّ الله مع شعبه المختار أينما حلّ. وإذا كان إرميا تنبّأ بعودة الهيكل واستعاض عن هيكل الحجر بهيكلٍ في قلوب البشر[64]، فإنّ حزقيال تنبّأ طوال اثنتين وعشرين سنة بردّ اليهود إلى أرض إسرائيل، وبعودة الهيكل واستحالة العبادة بعيداً عنه[65]. وقد مات مقتولاً على يد أحد يهود السبي البابليّ.
دانيال (= إيل ديّان) آخر الأنبياء الأربعة الكبار، أتى به نبوخذ نصّر إلى بابل، وخدمَ في قصره الملكيّ وفسّر له حُلمه[66]، فعيّنه حاكماً، وجعله داريوس الفارسيّ أوّلَ وزرائه. وحين دسّ عليه أعداؤه طُرح في جُبّ الأسُود، ولكنّ الربّ نجّاه. وَرَدَ لقبُ المسيح «ابن الإنسان» في سفر دانيال[67]، وكان آخر ما كُتب من الأسفار (164 ق. م.) وتتوالى فيه اللغتان العبريّة والآراميّة.
وبعد غزو حاكم الإمبراطوريّة الفارسيّة كورُش بابل (539 ق. م.)، أي بعد سبعين عاماً من السبي البابليّ كما تنبّأ إرميا[68]، سَمَح لليهود بالعودة من منفاهم إلى موطنهم (537 ق. م.). وقد عاد 42 ألف يهوديّ فقط في رحلةٍ دامت 3 أشهر[69]، بينهم 12 من رؤساء الكهنة[70]، في حين آثر المسبيّون الأغنياء البقاء حيث هم عملاً بنصيحة النبيّ إرميا[71]، فكانوا أوّل الشَّتات (Diaspora).
بعد 17 سنة (520 ق. م.)، بادر العائدون بقيادة عَزْرا (= عون)[72] إلى إعادة بناء الهيكل المقدّس الثاني على غرار الهيكل الأوّل - باستثناء تابوت العهد الذي اختفى ولم يَعُد له من أثر- ولم يُدشّن إلّا في 23 آذار 515 ق. م. ويمكن أن يُدعى عَزْرا «موسى الجديد والمشرِّع الثاني وأبا اليهوديّة»؛ فمنذ ذلك الحين وُلدت على يديه وأيدي خلفائه دولةٌ دينيّة كهنوتيّة وضعت سلطانها في أيدي رجال الدين. وتعهّد اليهود بعدم تزويج بناتهم للأمم ولا بنات الأمم لأبنائهم[73]، حرصاً منهم على تماسك العشيرة، فدخل اليهود مرحلة انطواء على الذات جعلت منهم جماعة منغلقة عِرقيّاً ودينيّاً، وتكلّسوا داخل مئات النواميس والقواعد والقيود الشكليّة[74].
عاش اليهود تحت سلطة الإمبراطوريّة الفارسيّة زُهاءَ 200 عام، والمرجّح أنّ الفرس هم أوّل من أطلق على بني إسرائيل اسم اليهود، وعلى عقيدتهم اسم اليهوديّة[75]. عرف اليهود الديانة الزرادُشتيّة في بابل وتأثّروا بها: الشريعة الجديدة التي حملها عَزْرا معه من بابل بأمرٍ من ملك فارس، كورُش، ألبست الإلهَ القديم يَهْوَه زِيّ «إله السماء» الفارسيّ أهورامزدا[76]؛ سفرُ زكريّا (= يَهْوَه ذُكر)، الذي كُتب في العام 518 ق. م. أي بعد السبي (586 ق. م.) وقبل تدشين الهيكل الجديد بثلاث سنوات (515 ق. م.)، ذَكَرَ الشيطان (ساطان= الخصم المقاوِم) أوّلَ مرّة في التوراة[77]؛ سفرُ أيّوب (= التائب)، ظهر فيه الشيطان مجرِّباً، منافساً الربّ، معادلاً الحيّة في جنّة عَدْن، ما يردّنا إلى العقيدة الثنويّة الفارسيّة التي تساوي بين إله الخير أو النور وإله الشرّ أو الظلمة. وبعد السبي، يبدو التمييز أشدّ وضوحاً بين عالَـم الملائكة وعالَـم الشياطين، وتغدو مملكة الشرّ منظّمة على غرار مملكة الخير؛ ولكي يستعرض مؤلِّف سفر طوبيّا (= يَهْوَه طيّب) عمل الشيطان، يستلهم بعض القَصص الشعبيّ الفارسيّ، ويطلق عليه اسم «أزموداوس» (= المهلِك)[78]؛ وفي حين كان يهود ما قبل السبي يعتقدون أنّ الموتى ينحدرون إلى عالم سفليّ هو «وادي ظلّ الموت» كما البابليّون، صاروا بعد السبي يؤمنون، على غرار الزرادُشتيّين، بقيامة الجسد، وصاروا يعتقدون أنّ «المسيح» المنقِذ المنتظَر سوف يأتي على سحاب السماء في نهاية العالم[79].
بعد إطاحة الإسكندر المقدونيّ بالإمبراطوريّة الفارسيّة وعرش ملكِها داريوس (331 ق. م.)، أقام سيطرته على الأراضي اليهوديّة، ولكنّه منحَ اليهودَ حمايتَه ووقّر الهيكل[80]. وقد تأثّر الفكر الدينيّ اليهوديّ (أسفار أيّوب والأمثال والجامعة) والطقوس الدينيّة بالثقافة اليونانيّة (فكرة القضاء والقدر، وفلسفة اللذّة والإلحاد)، وشابهَ يَهْوَه الإلهَ اليونانيّ زيوس (= ضوء النهار) في نزقه وبطشه وتجهّمه كأنّه إلهٌ في هيئة إنسان أو ملكٌ قوميّ، على الرغم من انكفاء اليهود على أنفسهم، كما تأثّروا قبلاً بالحضارات البابليّة والكَنْعانيّة والمصريّة والفارسيّة، إذ ليس ثمّةَ عزلة مطلقة. ويبدو أنّ العقيدة اليهوديّة قادرة على الاستعارة وعلى التوفيق بينها وبين سواها من غير أن تفقد هُويّتها.
ويحلّ العهد الرومانيّ. بعد أحداثٍ كثيرة من العنف والشغب والعصيان، وبعد أن قتل اليهود ما يربو على 5000 جنديّ رومانيّ، حاصر الرومان بقيادة تيطُس أورشليم خمسة أشهر، وقطعوا ما حولها من النبات والشجر، وما لبثوا أن هدموا أسوارها الثلاثة، واجتاحوا المدينة وأصلوا الهيكلَ الثاني ناراً حامية على الرغم من معارضة تيطُس ومن استماتة اليهود في الدفاع عنه، وعرض الرومان على أنقاض المدينة المقدّسة الرمزَ الرومانيّ وهو العُقاب الذهبيّ، وشتّتوا اليهود (9 آب 70 م.) إلى أصقاع العالم، وجعلوا «مدينة داود» مستوطَنة رومانيّة وثنيّة، وظلّوا سنواتٍ طويلة يسكّون نقوداً تحمل على أحد وجهيها صورة امرأة يهوديّة مقيّدة اليدين، تجلس حزينة تحت نخلة[81]. وقد أدّى دمار الهيكل إلى نقطة تحوُّل في تاريخ اليهود استمرّ ألفي عام.
في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 وُلدت طلائع الحركة الصِّهيونيّة (من صِهْيون= حصن، رابية تقوم عليها أورشليم، وكثيراً ما يُطلق اسم صِهيون على أورشليم كلّها[82]) التي سَيّست الدينَ اليهوديّ ووظّفت اللغةَ العبريّة في مآربَ سياسيّة وعنصريّة لا عَلاقة لها بالدين.
دعا «أبو الصهيونيّة الحديثة» الصِّحافيّ الهنغاريّ اليهوديّ ثيودور هرتزل (1860-1904) إلى إنشاء دولة يهوديّة في فلسطين وعودة اليهود إليها. وهذه العودة، في نظر هرتزل، ليست مجرّد هدف سياسيّ أو اجتماعيّ، بل هي تحقيق معتقد دينيّ بالمسيح المنتظَر. وقد لقيت أفكاره قبولاً واسعاً نظراً إلى التيّارات الشديدة المعادية للساميّة في ذلك الحين[83]. تبعه، في خضمّ الحرب العالميّة الأولى وصفقاتها (1917)، وعد وزير الخارجيّة البريطانيّ الصهيونيّ جيمس بلفور (1848-1930) بإنشاء وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطانيّ، ويولد شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، أي إنّ اليهود أصبحوا شعباً بلا أرض، وأصبحت فلسطين أرضاً بلا شعب؛ صياغة حرفيّة وترجمة سياسيّة لمقولتَيْ «الشعب المختار» و«أرض الميعاد»[84]. بعد الحرب العالمية الثانية ومِـحْرقة الإبادة (الهولوكوست، يونانيّة= حَرْق القربان؛ بالعبريّة= شواه) التي ارتكبها النازيّون ضدّ اليهود[85]، أصيب العالم بالهلع وشعر بالعطف على الضحايا، فأُعلن رسميّاً قيام دولة إسرائيل في 5 أيّار 1948، وفي عيد الاستقلال 1967 أصبحت القدس عاصمة دولة إسرائيل اليهوديّة بعد أن كانت مدينةً إسلاميّة مهمّة إبّان 1300 عام، باستثناء فترةٍ وجيزة حين احتلّها الصليبيّون.
وتُطلَق تسمية «صِهيونيّ» اليوم على كلّ مَن يؤمن بالإيديولوجيا الصِّهيونيّة من خلال القيام بالاستيطان في فلسطين، أو دعم الاستيطان فيها ماليّاً وأدبيّاً. ولم يُسكّ مصطلح «الصِّهيونيّة» بمعنى «الحركة اليهوديّة السياسيّة باتّجاه فلسطين» إلّا في 20 آب 1897 في مؤتمر بازل بسويسرا، ووُلد مع هذا المصطلح الصهيونيّة السياسيّة والفكريّة والأدبيّة. وليس كلّ صِهيونيّ يهوديّاً[86]. ويمكن القول: بعد ظهور ما يُسمّى «دولة إسرائيل»، أصبحت اليهوديّة مصطلحاً دينيّاً، والعَبرانيّة مصطلحاً ثقافيّاً، والإسرائيليّة والصِّهيونيّة مصطلحَين سياسيّين[87].
كُتُب اليهود المقدّسة
في السبي، وبعد تدمير كلّ ما كان يميّز اليهود شعباً فريداً اختاره الله، بدأوا بإعادة تقييم إيمانهم، وأرادوا أن يعرفوا كيف أمكن لهذه الكارثة أن تحدث، وما جنت أيديهم كي يستحقّوا هذا المصير الرهيب، فراحوا يدرسون تراثهم تاريخاً وقصصاً وشرائعَ وتقاليد بحثاً عن أجوبة. وعندما عاد «شعب التوراة» من بابل كان شعباً يختلف اختلافاً عظيماً عن ذلك الذي خرج.
يتألّف الكتاب المقدّس اليهوديّ (العبريّ) من ثلاثة أقسام:
- التوراة (توراه= الهداية والإرشاد، الشريعة) أو أسفار موسى الخمسة (التكوين- الخروج- اللاويّين أو الأحبار- العدد- التثنية) وتشكّل الناموس اليهوديّ. وتُستعمل كلمة «توراة» مجازاً للإشارة إلى التراث الدينيّ اليهوديّ كلِّه. وحين سأل أحدُ الأمميّين ذوي النفوذ الحاخامَ هِلّيل (Hillel): «ما التوراة؟»، أجاب: «لا تعامل الآخرين بما لا تريدُ أن يعاملوك به. هذا هو كلّ التوراة (هذه هي الشريعة)، والباقي تفسير. والآن اذهبْ وادرس»[88]؛
- أسفار الأنبياء (يشوع- القضاة- صموئيل 1 و2- الملوك 1 و2- إشعيا- إرميا- حزقيال- الأنبياء الصغار)؛
- أسفار الكتابات (المزامير- الأمثال- أيّوب- نشيد الأناشيد- راعوت- المراثي- الجامعة- أستير- دانيال- عَزْرا ونَحَمْيا- أخبار الأيّام 1 و2).
تختصر لفظةُ «تَنَخْ» الأقسامَ الثلاثة (توراه، نبيئيم، كتوبيم[89]). ويبلغ عدد الأسفار 24 سِفراً / كتاباً قائماً بذاته، وضعَها عددٌ من المؤلّفين بالعبريّة، ووضعوا بعض أجزائها بالآراميّة، على امتداد ألف وخمسمئة عام تمّ جمعها في القرن 7 ق. م. ومن المرجّح أنّ المسيح كان يبشّر ويعظ بالآراميّة، ولكنّ تعاليم العهد الجديد كُتبت باليونانيّة، باستثناء إنجيل متّى الذي كُتب أوّلاً بالآراميّة، ثمّ تُرجم إلى اليونانيّة[90].
ترجم الكتابَ من العبريّة والآراميّة إلى اليونانيّة القديمة 72 حَبراً يهوديّاً جاؤوا من أسباط إسرائيل الاثني عشر، ستّة من كلّ سِبط، فعُرفت الترجمة بالسبعينيّة. بُدئت في الإسكندريّة القرنَ الثالث ق. م. لكنّها لم تتمّ إلّا في 283 م. وإن روت الأسطورة أنّها تمّت في 72 يوماً. ثمّ ترجم سان جيروم (347-420 م) الكتابَ المقدّس[91] من اليونانيّة والعبريّة إلى اللاتينيّة، وهي الترجمة المعروفة بالفولغاتا (Vulgata) أي الميسَّرة الشعبيّة، ومن ثَمّ تحوّلت إلى كتابٍ شعبيّ، فكانت أوّل كتاب طبعه غونتبرغ (1456). أمّا أوّل من ترجم التوراة إلى العربيّة فهو سَعْدِيّا بن يوسف (892-942 م.)، وهو أوّل فيلسوف يهوديّ ذائع الصيت في القرون الوسطى، بعد أن أدرك أنّ العبريّة أمست لغةً ميتة، وكان أُعجب بالترجمات التي حقّقها العرب عن الفلسفة اليونانيّة.
تنقسم التوراة إلى فصول أو إصحاحات هي بمثابة السُّوَر في القرآن الكريم، وآيات مرقّمة، تصف ما مرّ به الشعب اليهوديّ إبّان ألفي عام من تاريخه قبل الميلاد: الأحداث التاريخيّة، والعادات والأخلاق، والشرائع، وأناشيد مختلف المناسبات، والتأمّل الفلسفيّ في الحياة. نقرأ التوراة فنشاهد الدراما البشريّة على امتداد مئات السنين مكرورة مشهداً مشهداً ويوماً بيوم، وكم من مأثورات كفصوص ألماس اندثرت أممها وزال أكثرها وحفظها الكتاب، وغدا صرحاً في تراث الإنسانيّة! ولكنّ هذا الكتاب الفريد لم ينجُ من تأويل الشارحين ونقد العلماء وشكّ الفلاسفة، ولا سيّما أسفار موسى الخمسة المركّبة من عناصر مختلفة، منها ما هو قصصيّ، وما هو تشريعيّ وتعليميّ[92].
وإذا كانت التوراة حجر زاوية اليهوديّة، وإذا كان اليهود وجدوا العزاء في التوراة بعد أن فقدوا هيكلهم على أثر السبي البابليّ (586 ق. م.)؛ فإنّ كتاب التَّلْمود (= التلمذة، التعليم) هو العمود المركزيّ، ظهر على أثر الغزو الرومانيّ (70 م.) بعد الشَّتات (الدياسبورا)، وبعد هدم الهيكل الثاني ليسدّ فراغاً في الحياة الدينيّة، وليشدّ عُرا الهُويّة اليهوديّة، ويكون لهم العزاءَ في مِحَنهم، والملجأ والسلوى، والمعلّمَ والمربّي. وفي التراث اليهوديّ أنّ التَّلْمود وحيٌ إلهيّ أيضاً تنزّلَ على موسى شفويّاً (ومن هنا تسميته بالتوراة الشفويّة)، ومن ثَمَّ كُتب فيه بدقّةٍ وعناية أعمالُ الفقهاء من الحاخامات (= الحكماء) طالت مختلف جوانب الحياة اليهوديّة[93]، وكانت هيكلاً رمزيّاً ووطناً متنقّلاً حملوه معهم أنّى رحلوا. إنّ التوراة هي دين العبرانيّين وأدبُهم في العصور القديمة، والتَّلْمود هو دين اليهود ورايتُهم في العصور الوسطى. ومِن الباحثين مَن يرى في بروتوكولات حكماء صِهيون[94] دستورَ اليهود في العصر الحديث دينيّاً ودنيويّاً.
يتألّف التَّلْمود من صنفين من النصوص، الأوّل هو المِشْنا (= التثنية، التَّكرار)[95]، وسُمّي كذلك لأنّه يُثنّي أو يكرّر الشريعة الأولى (التوراة). وهو عبارة عن 6 أقسام في 63 باباً، ينطوي تحتها 525 فصلاً، تجمع نحو 4000 قاعدة ناموسيّة باللغة العبريّة، لِ 150 معلّماً على مدى 8 قرون، في التشريعات والفتاوى والأحكام التي تناقلتها الأجيال 14 قرناً. أمّا أقسام المِشنا فهي:1- البذور (الزراعة والعمل)؛ 2- الفصول (الأعياد والراحة)؛ 3- النساء (الأسرة والزواج والطلاق)؛ 4- الأضرار (المجتمع والقوانين المدنيّة والجنائيّة)؛ 5- المقدّسات (الأشياء المقدّسة وخدمة الهيكل)؛ 6- الطهارات (المأكولات والمشروبات وقوانين الحلال والحرام) تكمّل التوراة (الشريعة المكتوبة) وتفسّرها. وتختصر لفظة «شاس» الأقسام الستّة.
والصنف الثاني من النصوص هو الجِمارا (بالآراميّة= الختام، التتمّة) عبارة عن سجالات ومواعظ وقصص وأساطير تدور على المِشنا باللغة الآراميّة وتفسّرها فِقْرة فِقْرة. وكما أنّ المِشنا أطول من التوراة، فإنّ الجِمارا أطول من المِشنا. والعَلاقة بين هذه الثلاث هي عَلاقة المتن بشرحه ثمّ بحاشيته. ويؤمن الفرّيسيّون[96] بأنّ العالم لا يصلح من غير التوراة والمِشنا والجِمارا؛ فهي كالماء، وهما كالخمر والخمر المعطّرة[97].
ومعظم المِشنا نصوص قانونيّة وتعليمات ووصايا وقرارات تنتمي إلى الهالاخا (= السُّنّة والشريعة)، وأهمّ قواعد الشريعة سبع: الاعتراف بسلطة القانون في المجتمع[98]، تحريم عبادة الأوثان[99]، والكفر بالله[100]، والقتل[101]، وممارسة الجنس غير الشرعيّة[102]، والسرقة، وتناول لحوم بعض الحيوانات[103]؛ أمّا الجِمارا فمعظم نصوصها حكايات ومناقشات وأقوال مأثورة وإشارات صوفيّة وفولكلوريّة تدخل في الهاجّادا (= القصص)، وكأنّما الأولى هي لغة العقل، والثانية لغة القلب، والكلّ موسوعةٌ يهوديّة منقطعة النظير.
وثمّة نسختان من التَّلْمود، الأولى التَّلْمود الفلسطينيّ كُتب نحو 450 م. (750.000 كلمة)، والثانية التَّلْمود البابليّ 550 م. وهذا الأخير هو النصّ الأكبر (2.5 مليون كلمة) والأوثق والأوسع تداولاً. وفي حين يشترك التَّلْمودان في المتن أي في المِشنا، فإنّهما يختلفان في التفسير أي في الجِمارا. وينفرد التَّلْمود البابليّ في اشتمال الجِمارا على سبعة أبواب لا تقابلها المِشنا.
ويجسّد التَّلْمود نظرةً عقائديّة إيجابيّة إلى العالم؛ فهو يصف عالماً يعمّه الخير مغموراً بنعم الله وخيراته المتاحة لكلّ أولئك الذين يتبعون تعاليمه، وينتظمه تيّاران مختلفان: إنسانيّ حنيف[104]، وعنصريّ عِدائيّ[105]، والتيّار الثاني فيه أبرز وأبين. وكثيراً ما تُصوِّر لغة التَّلْمود الله بعبارات تشخّص الذات الإلهيّة؛ منها أنّ الله أبٌ لأبنائه، وهو يرتدي كساءً كهنوتيّاً للصلاة، وهو يرعى المرضى ويُنزل الراحة والسكينة على الذين ماتوا. أمّا لغة المِشنا فهي مزيج من لغة التوراة ولغة العامّة، قريبة من الحياة اليوميّة (شرطاً واستفهاماً واستطراداً وتَكراراً)، وكانت صلة وصل بين العبريّة القديمة والعبريّة الحديثة، وفيها أثرٌ من الآراميّة واليونانيّة واللاتينيّة. وفي حين تمتاز المِشنا بالإيجاز، فإنّ الجِمارا تُسهب وتُطنب عن قصدٍ وتعمُّد، كأنّها اقتطفت ألفاظَها من أفواه الحكماء طازجةً لم تذوِها خمسةَ عشَر من القرون.
عقائد اليهود
أ- الموت، الروح، البعث
لم ينشغل اليهود كثيراً بالحياة بعد الموت (كالمصريّين القدامى)، ولم يكن هدفهم خلاص الروح، بل ركّزوا على هذا العالم وأطايبِ العيش فيه (كأنّهم أنصار اليونان وبخاصّةٍ أبيقور)[106]، وكان ثوابهم وعِقابهم مقصورَين على الحياة الدنيا، يتمّان داخل الزمان (أيّوب مثالاً). وقد ربطوا سلوكهم الاجتماعيّ بالدين وكأنّه أوامر إلهيّة، وسعَوا جهدهم إلى الإخلاص للربّ الذي لا يناله موت، والقادر على انتشال الإنسان من قبره[107]. ولم يقل كتابهم إلّا النَّزْر اليسير في دار الحساب والثواب والعقاب، وليس في دينهم وضوحٌ في شأن الحياة بعد الموت، بل وصفٌ لمملكة السلام المرتجاة على هذه الأرض[108]. من هنا تشاؤم سفر الجامعة وقنوطُه. قال هيغل: «ليس لليهود أيُّ إيمان بخلود النفس لأنّ الفرديّة لا توجَد في ذاتها ولذاتها... لا قيمة للفرد في اليهوديّة وليس له حريّة من أجل ذاته»[109].
وثمّةَ أسفارٌ تشي بتأثيراتٍ بابليّة ويونانيّة وفارسيّة في مشكلة الموت؛ عندما يموت الفرد، أصالحاً كان أم شرّيراً، يعود إلى التراب، وتذهب روحه وجسده إلى «شيول»، أرض الأموات، وهي هاويةٌ مظلمة تحت الأرض (كأنّها كور السومريّة ودار هاديس اليونانيّة)، لا يصعد منها الهابط إليها. وتتّضح هذه الرؤية العدميّة في سفر أيّوب. ولكن بعد احتكاك اليهود بالفرس[110]، أي بعد السبي البابليّ، آمنوا بأنّه سيكون «يوم الربّ» يوم دينونة (محاكمة) شاملة وبعث للأموات روحاً وجسداً[111]، كما في التقليد الإيرانيّ الزرادُشتيّ لنهاية العالم. وقد وردت أوّل إشارة إلى حياة ما بعد الموت في سفر دانيال، آخر أسفار التوراة: «وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ»[112]. من هنا اهتمامُهم بالدفن والمدافن.
ويحاول الأدب الصوفيّ اليهوديّ (القبّالاه) أنّ يهوّن من هول الموت ونهائيّته، فيطرح فكرة تناسخ الروح (جِلْجول نْشاموت)؛ روح الإنسان لا تفنى لأنّها «شمعة الربّ»، تعود إلى أصلها بعد موت الإنسان. ومُعتقَد التناسخ (Samsara) أساسٌ في الديانة الهندوسيّة، تسرّبَ إلى بابل من الهند[113].
ب- المسيح المنتظَر (ماشيَّح= ممسوح بالزيت المقدّس)
آمنت الزرادُشتيّة بانتصار قوّة الخير (أهورا مزدا) على قوّة الشرّ (أهريمان) في نهاية المطاف ليعمّ نعيم السعادة الأبديّة في كلّ مكان[114]؛ وآمنت الهندوسيّة بعودة فشنو، الإله الثاني في الثالوث الهنديّ، إلى الأرض ممتطياً طائر الغارودا (Garouda) وممتشقاً سيفاً من لهب في نهاية الدورة الرابعة من عمر الأرض، ليخلّص الأبرار ويُهلك الأشرار[115].
في مرحلة ما بعد اليهوديّة الكتابيّة (التوراتيّة)، وبعد جملةٍ من النكبات، ونتيجة الإيمان بالرِّفعة والاختيار، وتحت تأثيرٍ فارسيّ بابليّ، تأصّلت فكرة مجيء المسيح المخلّص، وهو ملك مظفَّر من نسل داود، و«ابن الإنسان»[116] يجمع بين الإله والإنسان، وهو تجسُّد الإله في الطبيعة والتاريخ والإنسان، يعدّل من مسار التاريخ اليهوديّ بل البشريّ، ويخلّص اليهود من ضائقتهم، ويجمع شَتاتهم، ويهزم أعداءهم، ويُنيلهم ما يستحقّون من مجدٍ وسؤدد، ويحقّق نبوءة المملكة اليهوديّة القائمة على أحكام التوراة، ويتّخذ من أورشليم عاصمةً له، ويعيد بناء الهيكل، ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفويّة، ويبدأ الفردوس الأرضيّ الذي يدوم ألفَ عام، فتخصُب أرض إسرائيل، وينبت القمح عالياً في لبنان مثل أشجار النخيل، وتطرح السماء قمحاً وفطيراً[117]، «ويسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، ويرعى العجل والشبل معاً، وتصاحب البقرة الدبّ، ويأكل الأسد التبن كالثور»[118]. وقد بشّر بالمسيح المنتظَر أنبياء كثيرون، وتأخُّر وصولِه ناجمٌ عن الذنوب التي يرتكبها الشعب اليهوديّ، وعودتُه مرهونة بتوبتهم. وبالـمِحْرقة التي نَكَبَ بها النازيّون اليهودَ، فقدَ كثيرون منهم صبرهم ورجاءهم. ومع ذلك، فما انفكّ هذا الحُلم الورديّ يداعب خيال اليهود منذ السبي البابليّ.
ج- التصوّف اليهوديّ الحلوليّ (قبّالاه)
قبّالاه (= القبول) مذهب القائلين بأنّ الإيمان هو قبول التراث، وما يتلقّاه المرء تواتراً عن السلف، وتدلّ اللفظة على الحكمة الإلهيّة التي حُفظت وجرت بها الرواية الشفويّة. والحكمة التي كانت أداة الله في خلق العالم هي التوراة أو أسفار موسى الخمسة. والتوراة كُتبت قبل الخلق بنارٍ سوداء على نارٍ بيضاء، ما يعني أنّ التوراة الحقيقيّة لا تدركها أبصار البشر. واتّخذت القبّالاه شعارَها كلمات النبيّ دانيال: «ويُضيءُ الحكماءُ (أي شعب الله) كضياءِ الأفلاكِ في السَّماءِ، والذينَ هَدَوا كثيراً مِنَ النَّاسِ إلى الحقِّ يُضيئونَ كالكَواكِبِ إلى مدى الدهر»[119].
ظهرت القبّالاه في فرنسا، ثمّ اكتسبت نفوذاً كبيراً في إسبانيا القرنَ الثالث عشر، ومن ثَمَّ أصبحت مدينة صَفَد، في الجليل، قِبلة القبّالاه (1421). رفدتْها تأثيرات هنديّة وإيرانيّة ويونانيّة ومسيحيّة وإسلاميّة، وعكفت على إحياء تعاليم موسى وحكماء العهود القديمة، ودرست التَّلْمود واعتبرت المِشنا «مقبرة موسى»، ومارست السحر من خلال الأبجديّة العبريّة ولا سيّما الأحرف الأربعة (يهوه) والأرقام والنصوص ونجمة داود[120]، وارتبطت بعلوم سحريّة كالتنجيم والفراسة وقراءة الكفّ وتحضير الأرواح.
وكتاب القبّالاه المقدّس هو زوهار (= النور، الضياء؛ 1000 صفحة، 850 ألف كلمة)، وهو للقبّاليّين كالتَّلْمود للحاخاميّين، مرتّب وَفْق ترتيب أسفار التوراة. وقد تزامن مع ظهور المطبعة العبريّة، فطُبع في القرن السادس عشر طبعتين كاملتين. وهو عبارة عن تحليل لاهوتيّ للتوراة باللغة الآراميّة، وبخاصّةٍ أسفار موسى الخمسة، وفيه صور مجازيّة ومواقف جنسيّة صارخة تعبّر عن عَلاقة الإله بشعبه[121]. وأهمّ الموضوعات التي يعالجها: طبيعة الإله، وكيف يخلق نفسه من خلال التجلّيات النورانيّة العشَرة، وكيف يكشف عن نفسه لمخلوقاته، وأسرار الأسماء الإلهيّة، وروح الإنسان وطبيعتها ومصيرها، والخير والشرّ، والخلاص.
تمهّد القبّالاه لممارسها طريقاً يستطيع الفرد من خلاله أن يتطوّر من الهو إلى الأنتَ فالأنا أي من الإله المتخفّي، إلى الإله الذي يعبّر عن كيانه ويدركه الناس، فالإله المكتمل المتجلّي[122]، ويَسري روحيّاً حتّى يبلغ الحضرة الإلهيّة، فيسيطر على قوى الطبيعة وينشر الحضور الإلهيّ في العالم الدنيويّ ويهزم الشرّ ويتمتّع برونق السكينة. وقد تشرّبت الروحانيّةُ اليهوديّة الحديثة هذا المفهوم؛ فاليهود قادرون على إصلاح العالم عبر مبادراتٍ اجتماعيّة وبيئيّة وسياسيّة. وقد أدّت القبّالاه دورَ المقاومة الروحيّة ليهود الشَّتات، وغرست في قلب اليهود الإيمان بالمسيح المنتظَر، وشكّلت جزءاً من تاريخ الأفكار (أو التاريخ الثقافيّ) في أوروبّا بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر.
شعائر اليهود
أ- المعبد (الكَنيس): نبتتْ نبتة الكنيس في عهد السبي (586 ق. م.)، وعندما دُمّر هيكل القدس مرّةً ثانية (70 م.)، كانت دُور العبادة (الكُنُس) قد انتشرت في أحياءَ كثيرة في الأراضي اليهوديّة، واصطُلح على تسميتها بالعبريّة «بيت كْنيسِتْ» أي دار الاجتماع. وحاول المعبد أن يكون صدىً للهيكل؛ فبُني في أماكنَ مرتفعة، وأكثروا فيه من النوافذ وزخرفوها، لا سيّما الجدار الشرقيّ (مِزْراح)، الذي يتّجه نحو موقع الهيكل في القدس[123]، وأهمّ أوانيه «التابوت المقدّس» أو «الهيكل» الذي تُحفظ فيه التوراة وأسفار الأنبياء. غالباً ما يُزيَّن بنجمة داود ولوحَي العهد والشمعدان (المينوراه[124]). ويستطيع عشَرة أشخاص من الذكور البالغين أن يتّفقوا ويُنشئوا كَنيسهم من غير كاهن، إذ «لا وسيط بين من يُدعَون أطفالَ الله وأبيهم الذي في السماء»[125]. ولا طرازَ خاصّاً به، يؤمّه الرجال والنساء. يغسل روّاد المعبد أيديَهم قبل دخول الكَنيس عند حوض، ولا يخلعون نِعالهم عند الصلاة. ومذ دُفع باليهود إلى الشَّتات، كان الكَنيس يؤدّي وظائفَ متعدّدة، أهمّها تعليم القراءة والكتابة (واللغة العبريّة) اعتماداً على النصوص الكتابيّة المقدّسة، ويُسمّى المعبد عندئذٍ بيت الدراسة (بيت هامدراش).
ب- البيت (المنزل): بعد تدمير أورشليم (70 م.)، أصبح البيت اليهوديّ كَنيساً، والأب كاهناً، والمائدة مذبحاً، والشموع مينوراه. ولا يخلو أيُّ بيتٍ يهوديّ متمسّكٍ بدينه من رموز كثيرة تدلّ على المعتقدات الروحانيّة والدينيّة؛ منها التدثّر بحجاب، كاعتمار اليرمُلكة وإسدال الطاليت[126]، للصلاة سَحَراً وعصراً وغروباً[127]. وعلى يمين الأبواب الخارجيّة وأبواب الحجرات تُثبّت أوعية صغيرة من جلد (مْزوزاه)، بمثابة تميمة تحتوي كلمات الربّ تدعو إلى طاعته[128]، وتذكّرهم بالخروج من مصر حينما وضعوا علامة الدم على بيوتهم حتّى يهتدي الربّ إليها[129].
ج- طقوس البلوغ (أو الانتقال): أيّ طفل يولد لأمّ يهوديّة يُعَدّ يهوديّاً، وبعد أسبوع يُطلق عليه اسمه ويُختن[130]. وعند بلوغه الثالثة عشْرة (الثانية عشْرة للإناث)، سنّ التكليف بأداء الوصايا والشرائع، يمرّ بمرحلة من الإعداد الدينيّ حتّى ينتقل إلى سنّ البلوغ. وبعدها مرحلة الزواج، وهو إجباريّ بعد سنّ العشرين[131]، وهو سُنّة مُهمّة في الدين اليهوديّ لأنّ كتابهم لم يفرض عليهم التنسّك، بل فرضَ الإنجاب والتكاثر في أمّةٍ صغيرة كانت تتوق إلى زيادة عددها وسط الأقوام المحيطين بها كيلا تذوب فيهم. إنّ عبادة يَهْوَه كانت تتمّ داخل الأسرة والسلالة (آباء وملوك وكهنة)، ولأنّ الأبوّة والأمومة أسمى فضائلِ الرجل والمرأة «يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً»[132]، والإحجام عن الزواج «يُطفئ نور الله، وينتقص ظلّه في أرضه، ويُبعد رحمته عن إسرائيل»[133]. يتمّ عَقد الزواج في الكَنيس بإشراف حاخام وشاهدَيْن. وتُتلى الصلوات في أثناء مراسم الزواج وتُقرأ وثيقة الزواج جِهاراً، ويضع العريس خاتَماً في إصبع عروسه. ويُختتم الاحتفال بوضع كأس زجاجيّة فارغة على الأرض ثمّ يوطأ عليها فتتحطّم، رمزاً إلى تحطيم الهيكل، وصدىً للمزمور: «إنْ نَسيتُكِ يا أورشليم فَلْتَنْسَني يَميني. ولْيَلتَصِقْ لساني بِحَنَكي إِن لم أذكرْكِ وَلَمْ أفَضِّلْكِ على ذرْوة أفراحي»[134]. وتُجيز اليهوديّة تعدُّد الزوجات وتُبيح الطلاق[135].
د- الدفن والحِداد: من أهمّ طقوس اليهود الاحتفاليّة دفنُ الميت؛ يَغسلون الجثّة[136]، ويلفّونها بأكفان من كتّان ويربطون الرأس بمنديل[137]، وكثيراً ما يربطون كلّ طرف على حدة[138]، ويحملون الميت إلى القبر في نعش، والنعش سرير بلا غطاء[139]. ومن اليهود مَنْ يدفن موتاه في التوابيت، والتابوت صندوق له غطاء. أمّا اليهود الشرقيّون فيدفنون موتاهم في الأرض مباشرةً كما يفعل المسلمون. وقد غيّر اليهود الإصلاحيّون كثيراً من طقوس الدفن، فأصبحوا يدفنون موتاهم في ملابسَ عاديّة، كما أنّهم يصرّحون بإحراق الجثّة (كالهندوسيّين) خصوصاً بعد غزو العلمنة، ما أثار حفيظة اليهوديّة المحافظة/ الأرثوذكسيّة (سليلة الفرّيسيّين) لأنّها تتنافى مع الشريعة اليهوديّة، إذ لا يجوز تدمير جثّة الإنسان الذي خلقه الله في أحسن صورة ومآله إلى التراب. ولهم قبور عائليّة خاصّة[140]، ومقابر عامّة[141]. وقد سمّى أيّوب القبرَ بيتَ ميعاد كلّ حيّ[142]، وسمّاه سليمان البيتَ الأبديّ[143]. كان معنى الدفن لديهم هو الرقود مع الآباء والاجتماع بالأهل؛ ومن هنا، يشترط بعض اليهود في وصاياهم نقل جثثهم إلى إسرائيل لدفنها في أرض الميعاد، كما تتجسّد الرابطة بين اليهود وإسرائيل في حالات أخرى برشّ تراب من الأرض المقدّسة على تابوت الميت قبل دفنه، أو وضع كيس من ترابها تحت رأسه. وتعقب الموتَ فترةُ حِداد (أڤيلوت) تستمرّ إلى اثني عشر شهراً.
هـ- الأعياد والمواسم (حَجّيم أوموعاديم): من شأنها أن تربط الماضي بالحاضر، والأحياء بالأموات. والأعياد اليهوديّة كثيرة جدّاً، ورد أكثرها في سفر اللاويّين، الإصحاح 23؛ أهمّها:
- السبت، هو عيد اليهود الأسبوعيّ، يوم الراحة والعبادة وتلاوة الصلوات والنصوص المقدّسة في المنازل والمعابد، لأنّه في معتقدهم اليوم السابع الذي استراح فيه الربّ بعد أن خلق الكون في ستّة أيّام وقدّسه[144]، وتُكرَّم في السبت ذكرى الخروج من مصر[145]. وقد كبّلت شعائر يوم السبت اليهود وعزلتهم واستعبدتهم ولـمّا تزل تكبّل المحافظين منهم؛ جاء في التَّلْمود: «لا يجوز أن يخرج الخيّاط بإبرته قبيل الغروب عشيّة الجمعة، ولا الكاتب بقلمه، ولا يجوز لمعلّم المدرسة أن يقرأ»[146]. حتّى لَيكاد يضيق جسم الحياة ذَرْعاً برداء الشريعة التي لم تترك للفرد اليهوديّ حريّة الاختيار في حياته العامّة أو الخاصّة.
- رأس السنة اليهوديّة «روش هشّانا»، وإذا كان التقويم الميلاديّ يبدأ بميلاد المسيح والتقويم الإسلاميّ يبدأ بهجرة النبيّ، فإنّ التقويم اليهوديّ يبدأ بلحظةٍ كونيّة هي خلق العالم. يستهلّ اليهود تقويمهم كلّ عام باحتفال سنويّ يصادف اليوم الأخير من شهر أيلول واليوم الأوّل من تشرين الأوّل (كما رأس السنة البابليّة)، وتُشعَل فيه النيران على جبل الزيتون ويُنفَخ بالبوق (شوفار)[147]. والسنة اليهوديّة سنة قمريّة يبدأ كلّ شهر منها مع مولد كلّ هلال جديد.
- يوم التكفير أو الغفران «يوم هَكيبوريم»، يصادف بعد عشَرة أيّام من رأس السنة (10 ت1)، وهو اليوم الذي نزل فيه موسى من جبل سيناء، مرّةً ثانية، حاملاً لوحَي الشريعة، بعدما غفر الربّ لليهود خطيئةَ عبادةِ العجل المسبوك.
- عيد الفصح «پيسَح» (= العبور)، يحلّ في 15 نيسان إحياءً لذكرى خروجِهم من مصر وعبورِهم البحر الأحمر وخلاصِهم من العبوديّة[148].
- عيد الحصاد «سوكوت»، يبدأ أواخرَ أيّار ويستمرّ 7 أيّام، ويتميّز بمواكب الفرح والغناء والرقص، ويحيي ذكرى خيمة السُّعُف التي آوت اليهود في العراء أثناء الخروج من مصر[149].
- عيد الأسابيع «شفوعوت»[150]، يُحتفل به بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح، في 6 حَزيران، والغرض منه الاحتفال بنزول التوراة والوصايا العشْر على موسى، فهو إذاً عيد زواج الإله والشعب يقدّمون في أثنائه باكورة الفاكهة إلى الكنيس. وبعد مضيّ شهر وأسبوع (9 آب)، يستذكرون بأسىً بالغ مناسبة تدمير الهيكل في القدس (على أيدي البابليّين 586 ق. م. والرومان 70 م.).
- يوم المـِحْرقة (الهولوكوست) «يوم هاشواح»، ابتدأ إحياء ذكراه بعد الحرب العالميّة الثانية في 27 نيسان. وكذلك أضيف يوم الاستقلال «هاعتسماؤوت» الذي يتمّ الاحتفال به في 5 أيّار، ذكرى إقامة دولة إسرائيل ونكبة فلسطين.
و- الصلاة عند حائط المبْكى أو حائط الدموع: هو الحائط الغربيّ للمسجد الأقصى (ويسمّيه المسلمون حائط البُراق[151])؛ جدارٌ منحوت من سور جبل صِهيون كان يحيط بالهيكل قديماً، بناه ملك يهودا هيرودوس (72-4 ق. م.) في ظلّ الرومان سنة 20 ق. م.، طوله 48 م. وارتفاعه 17 م. يعتبر اليهود هذا الحائط البقيّة الوحيدة الباقية من هيكل سليمان «بيت يَهْوَه»، إذ بعد هدمه لم يحلَّ محلّه مبنىً مركزيٌّ آخر يكون لهم عَلَماً من نار[152]. وقد أطلق عليه العرب المقْدِسيّون اسم «حائط المبكى» نسبةً إلى الطقوس التي كان اليهود يؤدّونها قُبالة الحائط حِداداً وتفجُّعاً على خراب هيكل سليمان، مذ تحوّلت أورشليم مستوطَنة رومانيّة، وسُمح لليهود بزيارتها ابتداءً من منتصف القرن الثالث، يوماً واحداً في السنة (9 آب)، يوم ذكرى هدم الهيكل. وبات هذا الحائط رمزاً يهوديّاً دينيّاً ووطنيّاً. ولعلّ ما حفظ لليهود وحدتَهم شعائرُهم.
خَرْجة
لم نعدُ في محاولتنا حدَّ العَتَبة، وإن شئنا التلخيص فقد استقطر موسى بن ميمون[153] جوهرَ الدين اليهوديّ في ثلاثةَ عشرَ مبدأً بسيطاً ولكن عميقاً؛ قال: «أومن إيماناً تامّاً بأنّ الله موجود، وأنّه واحد ووَحدته غير منقسمة، وأنّه غير جَسَدانيّ، وأنّه أزليّ، وأنّ الصلاة تُرفع إليه وحدَه، وأنّ كلام الأنبياء كلَّه صحيح، وأنّ موسى هو زعيم الأنبياء، وأنّ الناموس الذي أُعطي موسى وصل إلينا من دون تبديل، وأنّ ذلك الناموس لن يتبدّل ولن يحلّ محلّه أيُّ ناموس آخر، وأنّ الله يعرف كلّ أفعال البشر وأفكارهم، وأنّه يكافئ المطيع ويعاقب المنحرف، وأنّ المسيح سوف يأتي، وسوف تكون هناك قيامة للأموات»[154].
إنّ الدين اليهوديّ هو عَصَب المجموعة البشريّة اليهوديّة، تراكمت عقائده وشرائعه وطقوسه وقواعد سلوكه وأخلاقه وتبلورت على مدى آلافٍ من السنين؛ من عصر الآباء، فالقضاة، فالملوك، فالأنبياء، فالكَتَبة، فالمعلّمين، فالمفسّرين... ومن عَبرانيّ، إلى إسرائيليّ، إلى يهوديّ، إلى صِهيونيّ، إلى حامل جنسيّاتٍ عالميّةٍ شتّى... ومن أور وحرّان إلى كَنعان، فمصر، فتيهٌ في صحراء سيناء، فعودةٌ إلى «أرض الميعاد»، فمنفىً بابليّ، فعودةٌ جديدة، فشَتات رومانيّ في أرجاء العالم، فعودةٌ متجدّدة، أو أملٌ بعودة... إنّ الحدود الفاصلة بين الدول والبلدان تتراءى في عين اليهوديّ آثارَ جراحٍ لم تلتئم.
هذا الرحيل الدائم في الهُويّة والمكان والزمان، هذا التَّرحال الضارب بجذوره في أعماق التاريخ كأنّه لعنة، جعل اليهوديّ يخبر الخوف والكراهية والقنوط، ويشعر بالنفي الأزليّ وبالاغتراب الروحيّ، كأنّما كُتب عليه هجرةٌ وعودة أبديّتان في بحثٍ غير ذي جدوى عن وطن. وإذا كان المرء نتاج تاريخه، فقد استقطر كافكا، الروائيّ التشيكيّ اليهوديّ (1883-1924) جوهرَ التجربة اليهوديّة: «منذ أربعين سنة وأنا أتجوّل بعيداً عن أرض كَنعان، وأتلفّت صوبها كالغريب. إنّ المسألة هي في واقع الأمر لونٌ من التيه الصحراويّ المعكوس الذي يجد فيه المرءُ ذاتَه تقترب على نحوٍ دائمٍ من الصحراء... مع أنّني كنتُ منذ زمنٍ طويل في الصحراء»[155].
د. جوزف لبُّس*: على عَتَبة الكَنِيس. محاولة في فهم اليهوديّة واليهود
------------------------
* متخصّص بالآداب العربيّة. أستاذ في الجامعة اللبنانيّة، وجامعة القدّيس يوسُف - بيروت.
[1] الكوميديا الإلهيّة، ترجمة كاظم جهاد (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط1، 2002)، «الفردوس»، 32: 132، ص1024 بتصرّف.
[2] إبن منظور، لسان العرب (بيروت، دار صادر، ط3، 1994)، 1/576.
[3] رشاد الشاميّ، موسوعة المصطلحات الدينيّة اليهوديّة (القاهرة، المكتب المصريّ لتوزيع المطبوعات، 2002)، ص65-66. أنظر أجمل خمسين كنيساً في العالم على الرابط التالي:
http://www.lovinjewmag.com/1517/les-50-extraordinaires-synagogues-du-monde
[4] أورده سعيد يقطين في تقديمه كتاب عبد الحقّ بلعابد، عتبات جيرار جينيت من النصّ إلى المناصّ (بيروت، الدار العربيّة للعلوم، ط1، 2008)، ص13.
[5] رجاء النقّاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلّة (القاهرة، دار الهلال، ط2، 1971)، ص224-234.
[6] آل عمران، 64.
[7] نفرّق في الاستعمال بين كلمتَيْ «ديانة» و«دين»؛ ففي حين نستعمل الأولى في سياق الحديث عن دياناتٍ محدّدة غير توحيديّة، نطلق الثانية على الأديان التوحيديّة (السماويّة). أنظر لكاتب هذه السطور: مطر من ورد - دراسة في ثنائيّة الدين والفنّ ونصوص مختارة (بيروت، دار المشرق، ط1، 2012)، ص11، الحاشية 2.
[8] عبّاس محمود العقّاد، إبليس (صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، لا ت)، ص89، 95.
[9] ورد تعبير «العهد القديم» في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس، 3: 14، ويدلّ على أسفار الكتاب المقدّس السابقة للمسيح. أمّا تعبير «العهد الجديد» فورد في إنجيل متّى، 26: 28؛ وفي الرسالة المذكورة، 3: 6، ويدلّ على أسفار الكتاب المقدّس التابعة للمسيح. ويُراد بكلمة «العهد» الميثاق بين الله والناس. وفي إنجيل متّى، 5: 17 «ما جئت لأنقض بل لأكمّل». وفي كاتدرائيّة شارتر الفرنسيّة نرى على إحدى الواجهات الزجاجيّة إشعيا النبيّ حاملاً على كتفيه متّى الإنجيليّ، وفي أخرى بولس الرسول منهمكاً في طحن الحَبّ الذي يقدّمه إليه موسى.
[10] وردت كلمة «التوراة» في القرآن الكريم 18 مرّة؛ وفي سورة المائدة، 44 ﴿إنّا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيّون﴾؛ وورد اسم موسى 136 مرّة، واسم هارون 19 مرّة، واسم داود 16 مرّة...
[11] يَهْوَه اسم من أسماء الله وأكثرها شيوعاً وقداسة، معناه هو الذي كان، أعلن به ذاته وصفاته لموسى والشعب (الخروج، 6: 2-3). وقد تغيّرت دلالات الاسم وَفْق العهود. أنظر: قاموس الكتاب المقدّس في الموسوعة المسيحيّة العربيّة الإلكترونيّة (albichara.com). ويقول عبّاس محمود العقّاد (الله، صيدا - بيروت، المكتبة العصريّة، لا ت، ص111): «لا يُعرف اشتقاق هذا الاسم على التحقيق. يصحّ أنّه من مادّة الحياة، ويصحّ أنّه نداء لضمير الغائب، لأنّ بني إسرائيل كانوا يتّقون ذكره توقيراً له، ويصحّ غير ذلك من الفروض». ونحن نفرّق في الاستعمال بين الأسماء «الله والإله والربّ ويَهْوَه» وَفْق السياق.
[12] «يهود» (بالعبريّة يهوديم) جمعٌ لمفرد «يهوديّ» نسبةً إلى «يهودا» أي «يهوذا»؛ أُطلقت هذه الكلمة (يهوذا) بادئ ذي بَدء اسمَ علم على رابع أبناء يعقوب من ليئة ورئيس أحد الأسباط الاثني عشر (التكوين، 29: 35)، ثمّ أُطلقت على سبط أو مملكة يهودا التي تألّفت من أسباط الجنوب بعد انفصال الأسباط العشَرة (وأبرزها سبط بنيامين) التي ألّفت مملكة إسرائيل في الشمال (الملوك الأوّل، 12: 20؛ الملوك الثاني، 16: 6)، وفي أثناء السبي البابليّ (587-539 ق. م.) شاعت التسمية (أستير، 9: 1-6)، وبعد العودة من السبي، غدت مألوفة (عزرا، 5: 8). وتحمل كلمة «يهوديّ» في الحضارة الغربيّة مدلولاتٍ ومضامينَ سلبيّة مثل بخيل، غير شريف، عبد المال، تاجر، مرابٍ. وارتبطت الكلمة في الإنكليزيّة بِاسم يهوذا الإسخريوطيّ الذي باع المسيح بثلاثين قطعة من الفضّة. عبد الوهّاب المسيري، موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة (القاهرة، دار الشروق، ط2، 2005)، 1/102. أمّا أسطورة «اليهوديّ التائه»- التي نشأت في الآداب الشعبيّة الأوروبيّة بعد الحروب الصليبيّة وتطوّرت في القرن 16 مع أوضاع اليهود الاجتماعيّة والسياسيّة- فنِتاجُ موقف الكنيسة من اليهود من ناحية، والدور الذي يؤدّيه اليهود في المجتمع الذي يعيشون فيه من ناحية أخرى، ويبدو فيها اليهوديّ مواطناً مسكيناً قنوعاً متديّناً أحياناً، متشرّداً لا يظهر إلاّ مع العواصف ويجلب النحس والدمار حيناً آخر، فقيراً مرّةً، متزنّراً بالجواهر مرّةً أخرى، راضياً بالعقاب الذي نزل به في البدء (التيه والانتظار)، ولكنّه شكّاك متذمّر ومتربّص في ما بعد، متمرّد ثائر يهزّ قبضته في وجه الإله أخيراً. غسّان كنفاني، في الأدب الصهيونيّ (بيروت، مؤسّسة الأبحاث العربيّة، ط3، 1987)، ص73-88.
[13] منح الكَنعانيّون العَبرانيّين هذا اللقبَ (التكوين، 39: 14)، إذ سمّوا إبراهيم أبرام العبَرانيّ (التكوين، 14: 13) بعد أن عَبر نهر الفرات إلى فلسطين (يشوع، 24: 2). واستعمله العَبرانيّون أنفسُهم (التكوين، 43: 32؛ صموئيل الأوّل، 13: 3)، وإن كانوا يفضّلون تسمية «إسرائيليّين» (التثنية، 10: 12). ولا يزال هذا الاسم (العَبرانيّون) مستعملاً إلى اليوم، مع أنّهم يحملون اسم اليهود الذي نشأ من السبي البابليّ كما سيأتي لاحقاً. أنظر: قاموس الكتاب المقدّس والمحيط الجامع في الكتاب المقدّس والشرق القديم في الموسوعة المسيحيّة العربيّة الإلكترونيّة (albichara.com). وإنّ تفسيرنا أسماء العَلَم في هذا البحث مستقى من هذين المعجمين. كما أنّنا اقتبسنا آيات الكتاب المقدّس، وبخاصّةٍ العهد القديم، وَفْق ترجماته الأربع (المشتركة، والأميركيّة، والكاثوليكيّة، والتفسيريّة) المنشورة على الموقع المذكور.
[14] «لا يكون اسمُك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنّك صارعتَ الله والناس فغَلبت» (التكوين، 32: 29). وانظر كذلك: هوشع، 12: 4-5.
[15] محمّد بيّومي مهران، بنو إسرائيل (الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1999)، 1/29-51.
[16] «وحبلت [ليئة زوجة يعقوب] مرّةً رابعة وأنجبت ابناً فقالت: في هذه المرّة أحمد الربّ. لذلك دعته يهوذا (ومعناه: حَمْدٌ)» (التكوين، 29: 35). وقال أبو عمرو بن العلاء: سُمّي اليهود يهوداً «لأنّهم يتهوّدون أي يتحرّكون عند قراءة التوراة». تفسير القرآن العظيم (الرياض، دار طيبة، ط2، 1999)، 1/285. وفي القرآن الكريم، الأعراف، 156 ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي تُبْنا (عن عبادة العجل واهتدينا إلى دين موسى).
[17] الفلسطينيّون (الفلستيّون) من شعوب البحر، هاجروا من جزر اليونان وخاصّةً كريت (إقريطش)، واستقرّوا على ساحل كَنعان في 1225 ق. م. وأعطوها اسمَهم. وكانت كنعان إذّاك مستعمَرة مصريّة ضعيفة، فثبّت العبرانيّون والفلسطينيّون أقدامهم في البلاد، وكثيراً ما تفوَّق الفلسطينيّون على أعدائهم بسبب تفوُّق أسلحتهم الحديديّة إلى أيّام حكم داود، وما لبثوا أن اندمجوا في الكنعانيّين. فيليب حتّي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ترجمة جورج حدّاد وعبد الكريم رافق (بيروت، دار الثقافة، ط3، لا ت.)، 1/196-201. ويرى كمال الصليبيّ أنّ الفلستيّين لم يكونوا مستوطنين غرباء وفدوا من الخارج، ولكنّهم كانوا من شعوب غرب شبه الجزيرة العربيّة، جاوروا بني إسرائيل على الساحل وفي المرتفعات، وتكلّموا اللغة نفسها، وكانت أراضيهم متداخلة، وانتهى أمرهم كشعب ذي شأن على تلك الأرض قبل انتهاء شأن بني إسرائيل بخمسمئة عام. التوراة جاءت من جزيرة العرب، ترجمة عفيف الرزّاز (بيروت، مؤسّسة الأبحاث العربيّة، ط6، 1997)، ص251-254-258.
[18] المقصود بكلمة «الآباء» آباء اليهود: إبراهيم وإسحق ويعقوب الذين تلقَّوا وعوداً إلهيّة بأن تكون أرض كَنعان من نصيبهم، ويرتبطون برباط الدم والنسَب والعِرق. ويمكن أن تشمل هذه الكلمة موسى وهارون. المسيري، 1/399.
[19] يُعتبَر إبراهيم جَدّ المسيح الأعلى عند المسيحيّين، وعند المسلمين جَدّ محمّد وأبا المؤمنين وباني الكعبة، وورد اسمه في القرآن 69 مرّة. جاء في آل عمران، 65-67: ﴿يا أهل الكتاب لمَ تُحاجّون في إبراهيم وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون* ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين﴾. وقد مثّلت الإيقونوغرافيا الشعبيّة إبراهيم بطريركاً هائماً إلى أحد جنبَيْه الكبش الضحيّة وإلى الجنب الآخر ابنه إسماعيل وأمامه الملاك جبريل يحمل سكّيناً طويلاً. مالك شبل، معجم الرموز الإسلاميّة، ترجمة أنطوان الهاشم (بيروت، دار الجيل، ط1، 2000)، ص30-31.
[20] التكوين، 17: 7-8.
[21] إشعيا، 41: 8؛ رسالة يعقوب، 2: 23؛ سورة النساء، 125.
[22] يَشيع في أدبيّات الفكر الدينيّ اليهوديّ عداءٌ لإسماعيل والإسماعيليّين (العرب)، كأنّما لم يكن لإبراهيم سوى ابنٍ وحيد هو إسحق، أو أنّ إسماعيل أدنى منه مرتبةً، لأنّ إسماعيل ابن جاريةٍ مصريّة، وتزوّج هو نفسه مصريّة ويمنيّة. ولذلك يقولون: «إنّ النسل الراقي بدأ بيعقوب». ويعتقدون أنّ غريزة الشرّ أكبر من غريزة الخير بثلاث عشْرة سنة، وهو فارق العمر بين إسماعيل وإسحق. ومن هنا ربّما كانت السنة الثالثة عشْرة سنّ البلوغ عند الفتى يغدو فيها يهوديّاً قلباً وقالباً، ثابتاً في الخير. ومن نافل القول إنّ إسماعيل مُستبعَد من العهد الذي عُقد بين الخالق وإبراهيم والذي بموجبه ورث نسلُ إبراهيم أرضَ كَنعان. الشامي، ص158-159؛ المسيري، 1/400.
[23] وردت قصّة التضحية بإسحق (عَقيدا) في التكوين، 22. ولكنّ بعض علماء الإسلام، بناءً على بعض الحجج والروايات، يقولون إنّ الله امتحن إبراهيم في إسماعيل لا في إسحق وبمكّة لا بفلسطين. مهران، 1/ 144-152. ولم يأتِ في القرآن نصّ صريح حاسم. أنظر: الصافات، 99-113.
[24] وردت أسماء أبناء يعقوب وأمّهاتهم في التكوين، 35: 23-26؛ أمّا يوسف (= الربّ يزيدني)، الابن الحادي عشر من أبناء يعقوب وأحبُّهم إليه، فقد حسده إخوتُه وتآمروا عليه فباعوه بيعَ الرقيق لقافلةٍ تجاريّة كانت تقصد مصر، وغدا يوسف مفسّر أحلام الفرعون، وعزيز مصر، أي الناظر الأكبر في أرضها ورئيس مخازنها. وما لبث يوسف أن استدعى أباه وإخوته جميعاً للإقامة معه. وردت قصّة يوسف في آخر التكوين، الإصحاحات 37-50.
[25] الخروج، الإصحاحات 7-11. وانظر حاشية التلمود التفسيريّة على هذه الآفات واشتدادها واحدة في أثر الأخرى في: أحمد إيبش، التلمود كتاب اليهود المقدّس (دمشق، دار قتيبة، 2006)، ص189-197.
[26] الخروج، 12: 40-41. ويرى بعض الباحثين أنّ إقامة بني إسرائيل في مصر كانت 215 سنة. أحمد شلبي، اليهوديّة (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، ط8، 1988)، ص261.
[27] العدد، 14: 28-35. قال ابن خلدون (المقدّمة، القاهرة - بيروت، دار الكتاب المصريّ واللبنانيّ، 1999، ص249): «إنّ حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذلّ والقهر والقوّة إلى جيل آخر عزيز لا يعرف القهر ولا يُسام بالمذلّة. وإنّ الأربعين سنة أقلّ ما يأتي فيها فناءُ جيل ونشأةُ جيل آخر».
[28] سجّلَ الخروج (20: 2-17) والتثنية (5: 7-21) أهمّ صيغ الوصايا العشْر التي تلقّاها موسى في سيناء، وهي: «1- لا يَكُنْ لكَ آلهةٌ غيري. 2- لا تصنَعْ لكَ تِمثَالاً مَنحوتًا ولا صورَةَ شيءٍ مِمَّا في السَّماءِ مِنْ فَوقُ، ولا مِمَّا في الأرضِ مِنْ تحتُ، ولا مِمَّا في المياهِ مِنْ تَحتِ الأرض. لا تسجدْ لها ولا تَعبُدْها. 3- لا تَحلِفْ باَسْمِ الرّبِّ إلهِكَ باطلاً. 4- أُذكُرْ يومَ السَّبتِ وقدّسه. 5- أكرِمْ أبَاكَ وأُمَّكَ. 6- لا تقتُلْ. 7- لا تزْنِ. 8- لا تسرِقْ. 9- لا تشهَدْ على غيرِكَ شَهادَةَ زُور. 10- لا تشتَهِ بيتَ غيرِكَ. لا تشتَهِ اَمرَأةَ غيرِكَ ولا شيئًا مِمَّا لهُ». وكانت الوصايا جزءاً من الصلاة في الهيكل. وقد يكون موسى عَرَفَ التوحيد في عهد أخناتون الذي لم تعِش عقيدته أكثر من عَقدين (1367-1350 ق. م.). راجع في هذا الصدد: سيغموند فرويد، موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي (بيروت، دار الطليعة، ط4، 1986).
[29] كسر موسى هذَيْن اللوحَيْن عندما هبط من جبل سيناء، ورأى قومه يعبدون العجل الذهبيّ الذي صنعه هارون لقومه من حُليّهم (الخروج، 32: 1-19)، رِدّةً منهم إلى الديانة المصريّة، وأحرق موسى العجلَ بالنار وقتل نحو ثلاثة آلاف رجل (الخروج، 32: 26-28). ولكنّه بأمرٍ من الربّ، نحت لوحَيْن بديلَيْن منهما (الخروج، 34: 2-28). وقد حُفظ اللوحان في تابوت العهد بخيمة الاجتماع (مِشْكان) في صحراء سيناء، من عصر موسى إلى عصر سليمان. وبعدها، حُفظا في قدس الأقداس بهيكل سليمان. ويُروى أنّ شظايا اللوحَيْن القديمَيْن قد حُفظت في المكان نفسِه. يستخدم الصهاينة العجلَ الذهبيّ رمزاً إلى اليهود الذين يعيشون خارج الأرض المقدّسة، أمّا خيمة الاجتماع فتعبّر عن سُكنى الإله وسط شعبه. وأمّا تابوت العهد أو عرش يَهْوَه، وهو صندوق مغطّى بالذهب من داخل ومن خارج، يقف عليه ملاكان باسطان أجنحتهما ووجهاهما نحو الغطاء (الخروج، 25: 10-22)، فيرمز إلى العهد مع الإله. الشامي، ص174، 199؛ المسيري، 1/408-409.
[30] التثنية، 8: 8.
[31] غوستاف لوبون، اليهود في تاريخ الحضارات الأولى، ترجمة عادل زعيتر (الجيزة، مكتبة النافذة، ط1، 2009)، ص53.
[32] العدد، 31: 41.
[33] الخروج، 15: 3. ولا تزال لفائف الشريعة (مخطوط أسفار موسى الخمسة) تُمرَّر بين صفّين من المقاتلين الشاهرين أسلحتهم في الحفلات العسكريّة الإسرائيليّة، ولا تزال بعض القوّات الإسرائيليّة تحمل معها هذه اللفائف التي كُتب عليها: «انهض أيّها الإله ودع أعداءك يتشتّتون واجعل مَن يكرهك يهرب مِن أمامك». المسيري، 2/58.
[34] «بَعْل» كلمة فينيقيّة تعني السيّد أو المولى أو الزوج أو المالك أو الربّ. وعلى الرغم من أنّ مجمع الآلهة الكَنعانيّ كان يرأسه «إيل»، فإنّ ابنه بعل إله الخصب كان يمثّل الدور الأساسيّ في المجمع، فأصبحت كلمة بعل مرادف كلمة إله. ولم يكن البعل إلهَ حرب مثل يَهْوَه، بل كان مسالماً، وكان اليهود يعبدونهما معاً: يهوه حين تشتدّ الأزمات، وبعل حين تنفرج، ولم يلبث الأوّل أن حلّ محلّ الثاني. المسيري، 1/ 408؛ حتّي، 1/ 222؛ مهران، 4/ 419-429.
[35] في طليعتهم إيليّا (= يَهْوَه إلهي، النصف الأوّل من القرن التاسع ق. م.)، وهو الناسك الذي تحدّى بَعْل الكنعانيّ بِيَهْوَه، وأعلنه ربّاً وحيداً في إسرائيل، ورُفع إلى السماء بمركبةٍ ناريّة. قارنَه بعض اليهود بموسى، وحسبه بعضهم الآخر المسيح، ومنهم من قال بأنّه يبشّر بمجيء المسيح. سمّاه القرآن الكريم إلياس والياسين، وذكره مرّتين: الأنعام، 85؛ الصافات، 123-132. وفي الفولكلور اليهوديّ هو «اليهوديّ الأزليّ الجوّال» يواسي الأرامل والأيتام والعُجّز، وعند أطفال اليهود يقابل «بابا نويل» في أوساط المسيحيّين. أنظر أخبار إيليّا في الملوك الثاني، الإصحاحان 1-2. ويمكن قراءة سيرته في السنكسار (جونيه، منشورات المكتبة البولسيّة، ط4، 1988)، 2/ 244-460؛ الشامي، ص41-42؛ كنفاني، ص86؛ حسن ظاظا، الفكر الدينيّ الإسرائيليّ - أطواره ومذاهبه (معهد البحوث والدراسات العربيّة، 1971)، ص116-127.
[36] المسيري، 1/ 394؛ حتّي، 1/ 206-223-225؛ كارين أرمسترونغ، القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، ترجمة فاطمة نصر ومحمّد عِناني (القاهرة، سطور، 1998)، ص72-73.
[37] التثنية، 7: 6.
[38] اللاويّين، 20: 26.
[39] أغسطس روهلنج، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة يوسف نصرالله (الفجّالة، مطبعة المعارف، ط1، 1899)، ص103.
[40] اللاويّين، 25: 23. ويُنظر في هذا الصدد روجيه غارودي، فلسطين أرض الرسالات السماويّة، ترجمة قُصَي أتامي وميشيل واكيم (دمشق، دار طلاس، 1991)، ص90-91.
[41] الخروج، 3: 8؛ اللاويّين، 20: 24؛ العدد، 14: 8؛ التثنية، 6: 3.9
[42] أنظر أخبار داود في صموئيل الثاني، ولا سيّما الإصحاحات 9-20 التي يعدّها فيليب حتّي «قطعة رائعة من الإنشاء التاريخيّ لم يُكتب مثلها» (1/205)؛ وفي الأخبار الأوّل، الإصحاحات 11-29. ويمكن قراءة أخبار الحروب التي خاضها داود مترجمةً عن الأصل العبريّ في حرب داود، ترجمة كمال الصليبي (عمّان، دار الشروق، ط2، 1991).
[43] صموئيل الأوّل، 31: 1-6.
[44] أنظر أخبار سليمان في الملوك الأوّل، الإصحاحات 1-11، وفي الأخبار الثاني، الإصحاحات 1-9. أمّا قصّة افتتان داود بزوجة قائد جيشه أوريّا (بَتْشابَع= ابنة اليوم السابع) واحتياله حتّى قتلَ زوجها فتزوّجها (صموئيل الثاني، 11: 2-15)، وأنّ ابنه سليمان ثمرة زنى (صموئيل الثاني، 12: 24) فقصّةٌ شجبها المفسّرون المسلمون؛ جاء في الكشّاف للزمخشري (الرياض، مكتبة العبيكان، ط1، 1998، 5 /253) أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «من حدّثكم بحديث داود على ما يرويه القَصّاص جلدته مائة وستّين». ورُوي أنّه حُدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحقّ، فكذّب المحدّثَ به، وقال: إن كانت القصّة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وإن كانت على ما ذكرتَ وكفّ الله عنها ستراً على نبيّه فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر: «لَسماعي هذا الكلام أحبُّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس». وعلّق على هذه القصّة ابن كثير في تفسيره (7/ 60)، قال: «قد ذكر المفسّرون ههنا قصّة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليّات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتّباعه». ثمّ إنّ سورة (ص) وفيها يخاطب الله داود ويصفه بحميد الأوصاف لا يلائمها القَدْح. وقد أحبّ الله سليمان وخصّه بمعجزات، فسخّر له الريح والطير والإنس والجنّ (الأنبياء، 80؛ النمل، 16). فخر الدين الرازي، عِصمة الأنبياء (القاهرة، مكتبة الثقافة الدينيّة، ط1، 1986)، ص111-128. وفي المزمور 51، يلوم النبيّ ناثان (= الإله أعطى) الملكَ داود على فعلته، فيطلب الخاطئُ المغفرة. وقد شاع بين اليهود المتشدّدين حَلْق شعر النساء تأسّياً على الخطايا التي ارتكبها داود. الشامي، ص59.
[45] الملوك الأوّل، 5: 12.
[46] إستغرق بناؤه سبع سنوات، واشتغل فيه 185 ألف عامل، في حين استغرق بناء القصر ضِعف هذه المدّة.جاء وصف هيكل سليمان في الملوك الأوّل، الإصحاحات 6-8؛ وفي الأخبار الثاني، الإصحاحات 2-4؛ فبدا وكأنّه الفردوس المفقود.
[47] الملوك الأوّل، 11: 3.
[48] المزامير هي «الزَّبور» بالعربيّة. جاء في سورة النساء، 163 وفي سورة الإسراء، 55 ﴿وآتينا داود زَبوراً﴾. وهي من أصل يونانيّ (سالموس) تعني رنين الأوتار أو أنشودة، وهي كتاب ترانيم إسرائيل، وأكبر أسفار الكتاب المقدّس (150 مزموراً). ميلر وهوبر، تاريخ الكتاب المقدّس، ترجمة وليم ووجدي وهبه (القاهرة، دار الثقافة، ط1، 2008)، ص25، 46.
[49] أنظر، على سبيل المثال: إشعيا، 1: 3-9.
[50] م. ن.، 20: 3.
[51] ن.، 1: 11-17.
[52] «إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج، ولو كانت حمراء كالأرجوان تصير كالصوف» (إشعيا، 1: 18).
[53] ن.، 59: 20. «ها هي العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عِمّانوئيل» (إشعيا، 7: 14). ومعنى عِمّانوئيل الله معَنا.
[54] ن.، 61: 1-2.
[55] ن.، 45: 21-22؛ 48: 12-13؛ 66: 1-2.
[56] يُعتقد أنّ في الرسالة إلى العبرانيين (11: 37) إشارة إلى استشهاده منشوراً.
[57] «في تلك الأيّام لن يُقال: الآباء أكلوا الحصرم والأبناء يضرسون. بل كلّ واحد بخطيئته يموت، ومن يأكل حصرماً تضرس أسنانه» (إرميا، 31: 29-30).
[58] م. ن.، 4: 23-26.
[59] ن.، 27: 6-8.
[60] اشتهرت مراثي إرميا على أطلال أورشليم. أنظر: مراثي إرميا، 2: 10-21.
[61] الملوك الثاني، 24: 14. وقد خلّد أحد شعراء اليهود ذكرى هذه القافلة البائسة في المزمور 137.
[62] ه. ج. ولز، معالم تاريخ الإنسانيّة، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط3، 1967)، 2/20.
[63] أهمّ رؤاه تلك الرؤيا عن العِظام الجافّة المبعثرة في أرجاء الأرض التي قُدّر لها أن تلتحم وتُبعث وتشكّل الشعب الحيّ المعافى. ويُقرأ نصّ هذه الرؤيا أيّام السبت في كلّ الكُنُس اليهوديّة في العالم. أنظر: حزقيال، 37: 1-11. وهو يصف الهيكل العتيد بالتفصيل وكأنّه يرى صورته بأمّ العين (حزقيال، الإصحاحات 41-48).
[64] إرميا، الإصحاحات 30-33.
[65] حَزقيال، 7: 1-27، 20: 1-44.
[66] إقرأ حُلم نبوخذ نصّر «التمثال العظيم»، وتفسير دانيال في سفره، 2: 31-45.
[67] دانيال، 7: 13-14؛ متّى، 24: 30، 26: 64.
[68] إرميا، 25: 11.
[69] روى سفر عَزْرا ونَحَمْيا (وهما سفرٌ واحد في الكتاب المقدّس اليهوديّ) العودة وإعادة بناء الهيكل ثمّ أسوار المدينة.
[70] عزرا، 8: 24.
[71] «إعمَلوا لِخيرِ المدينةِ التي سبَيتُكُم إليها، وصلُّوا مِنْ أجلِها. ففي خيرِها خيرُكُم». (إرميا، 29: 7)
[72] كان عزرا كاهناً كاتباً عالماً بالشريعة (عزرا، 7: 11)، يُعزى إليه أنّه أوّل من جمع أسفار التوراة ونظّمها وفسّرها، وأوّل من بنى الكنيس في بابل وفلسطين، وحمل إلى فلسطين الأحرفَ الآراميّة المربّعة الشكل، المعروفة بالخطّ الأشّوريّ، التي مهّدت لنشوء الأبجديّة العبرانيّة الحاليّة. أنظر: قاموس الكتاب المقدّس. وعزرا هو عُزَيْر الوارد ذكرُه مرّةً واحدة في القرآن الكريم، سورة التوبة، 30 ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾.
[73] عزرا، 9: 12.
[74] ما فتئت عزلة اليهود بادية في كثيرٍ من مجتمعات الغيتو (Ghetto)؛ تقع أحياء اليهود وحاراتهم في العالم خارج أسوار المدينة، أو يفصلها عنها حائطٌ خاصّ. هذه العزلة السكنيّة تعبّر عن شعور الأقليّة بالخطر والتوتّر والخوف من الاضطهاد، فتسعى إلى الاحتشاد في نقطةٍ واحدة ضماناً للحماية في حظيرةٍ واحدة ككلّ قطعان الرُّحَّل. جمال حمدان، اليهود أنثروبولوجيّاً (القاهرة، دار الهلال، 1996)، ص117- 119.
[75] شلبي، ص86.
[76] عزرا، 1: 1-11. وانظر أيضاً: فراس السوّاح، آرام دمشق وإسرائيل - في التاريخ والتاريخ التوراتيّ (دمشق، دار علاء الدين، ط5، 2002)، «اليهوديّة والنظام العالميّ الجديد للإمبراطوريّة الفارسيّة»، ص274-290.
[77] زكريّا، 3: 1-2.
[78] طوبيّا، 3: 8؛ معجم اللاهوت الكتابيّ (بيروت، دار المشرق، ط3، 1991)، ص463. لا يندرج هذا السِّفر في الكتاب المقدّس اليهوديّ، ولكنّ اليهود يقرأونه وهو يحظى باحترامٍ كبير. تاريخ الكتاب المقدّس، ص58.
[79] دانيال، 7: 13-14.
[80] أنظر «ذكرُ إسكندر بن فيلبُّس ومسيرِه إلى داريوس وخبرِه مع اليهود» في تاريخ يوسيفوس اليهوديّ (بيروت، 1872)، ص24-38.
[81] أرمسترونغ، ص259-260.
[82] جاء في المزمور (137: 1) على لسان جماعة إسرائيل بعد سبيهم إلى بابل: «على ضفاف أنهار بابل جلسنا، وبكينا عندما تذكّرنا صِهيون». وعن أهمّية جبل صِهيون، انظر: أرمسترونغ، ص32-33.
[83] أصدر هرتزل في العام 1896 كتاب الدولة اليهوديّة، وفي العام 1902 رواية الأرض القديمة الجديدة، فبشّر بولادة الحركة الصهيونيّة التي اكتسبت بسرعة فائقة أبعاداً عالميّة.
[84] ألّف بلفور (Balfour) كتباً عديدة في الفلسفة الدينيّة، من أهمّها: دفاع عن الشكّ الفلسفيّ (1879)، وأسس الاعتقاد الدينيّ (1893)، والإيمان بالله والفكر (1923). وثمّةَ شوارع في تل أبيب (= تلّ الربيع) سُمّيت باِسمه، وأطلق اليهود اسمَه على أبنائهم. المسيري، 2/220.
[85] تختلف الأرقام في شأن عدد اليهود الذين قضَوا ضحيّة الإبادة النازيّة بين مليون وأربعة ملايين وستّة ملايين. المسيري، 1/193.
[86] المسيري، 1/103؛ 2/197 وما يليها؛ كنفاني، ص35 وما يليها. وللمزيد، يُنظر: ريجينا الشريف، الصهيونيّة غير اليهوديّة، ترجمة أحمد عبد العزيز (الكويت، عالم المعرفة، العدد 96، ديسمبر 1985)؛ روجيه غارودي، إسرائيل بين اليهوديّة والصهيونيّة، ترجمة حسين حيدر (بيروت، دار التضامن، ط1، 1990).
[87] طارق السويدان، اليهود.. الموسوعة المصوّرة (الكويت، الإبداع الفكريّ، ط1، 2009)، ص36.
[88] كنوز التلمود، ص41-42 بتصرّف. والحاخام هِلّيل وُلد في بابل (ت 10 م.)، وكان رئيس المجلس الدينيّ الأعلى (السنهدرين)، لُقّب بالشيخ العتيق، ساند اليهود مئة عام قبل دمار الهيكل الثاني (70 م)، ويُعزى إليه أنّه أوّل من اهتمّ بتخطيط المِشنا وتجميعها وتقسيمها إلى أقسام مختلفة. ظاظا، ص78.
[89] تُلفَظ الكاف العبريّة كافاً إذا وقعت في أوّل الكلمة، فإن وقعت في وسط الكلمة أو في آخرها، لُفظت خاءً. الشامي، د.
[90] علي عبد الواحد وافي، الأسفار المقدّسة في الأديان السابقة للإسلام (الفجّالة – القاهرة، دار نهضة مصر، ط1، 1964)، ص12-13.
[91] يتألّف الكتاب المقدّس، وَفْق الكاثوليك، من 73 كتاباً؛ العهد القديم (46 كتاباً) والعهد الجديد (27 كتاباً)، ترجمته الرهبانيّة اليسوعيّة إلى العربيّة (1881)، وأسهم الشيخ إبراهيم اليازجي في تنقيح نصوص العهد القديم. ومن أشهر ترجماته ترجمة أحمد فارس الشدياق (1851)؛ والترجمة الأميركيّة للمرسلَين الإنجيليّين عالي سمِث وكرنيليوس فاندايك والمعلّم بطرس البستاني (1864) هذّب عبارتَها الشيخ ناصيف اليازجي وراجعها الشيخ يوسف الأسير؛ والترجمة التفسيريّة (كتاب الحياة) قامت بها لجنة من اللاهوتيّين من مختلف الكنائس كاثوليكيّة وأرثوذكسيّة وإنجيليّة (1988)؛ وللشاعر يوسف الخال والأب بولس الفغالي ترجمة سُمّيت بالمشتركة (1993).
[92] نشير، على سبيل المثال، إلى فيلو الإسكندريّ اليهوديّ (30 ق. م.- 50 م.) أوّل شارح معروف، وأوّل من استعمل اللوغوس أو الكلمة وسيطاً خَلَقَ الله به العالم؛ وإلى الإمام ابن حزم الأندلسيّ (ت 456 هـ.) مؤلّف كتاب الفصل في المِلل والأهواء والنِّحَل؛ وإلى الفيلسوف اليهوديّ باروخ سبينوزا كاتب رسالة في اللاهوت والسياسة [1670]، ترجمة حسن حنفي (بيروت، دار التنوير، ط1، 2005)؛ وإلى المؤرّخ اللبنانيّ كمال الصليبيّ (1929-2011) صاحب كتاب خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل (بيروت، دار الساقي، ط1، 1988)؛ وإلى رائدَين يهوديَّين في علم الآثار وتحقيق النصوص إسرائيل فنْكلْشتاين ونيل إشر سيلْبرمان مؤلّفَي كتاب التوراة اليهوديّة مكشوفة على حقيقتها، ترجمة سعد رستم (دمشق، صفحات للدراسات والنشر، 2009). وفي القرآن الكريم، المائدة، 13 ﴿يحرّفون الكَلِم عن مواضعه ونسُوا حظّاً ممّا ذُكّروا به﴾، وفي الجمعة، 5 ﴿مَثَل الذين حُمِّلوا التوراة ثمّ لم يَحملوها كمَثَل الحمار يحمل أسفاراً﴾.
[93] يستند الحاخامات إلى الآية التالية: «وقال الربّ لموسى: إصعد إليّ إلى الجبل وأقم هنا حتّى أعطيك لوحَي الحجارة والشريعة والوصيّة التي كتبتُها لتعليمهم» (الخروج، 24: 12). ويزعمون أنّ لوحَي الحجارة هما الوصايا العشْر، والشريعة هي التوراة، والوصيّة هي المِشنا التي كتبها الأنبياء، والتعليم هو الجِمارا التي وضعها الحاخامات. ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه (بيروت، دار النفائس، ط8، 2002)، ص14.
[94] بروتوكولات حكماء صِهيون هي مذكّرة قُدّمت إلى المؤتمر الصهيونيّ المنعقد برئاسة هرتزل في مدينة بازل بسويسرا العام 1897، حين كان الصهاينة يعدّون العدّة لإحياء دولة إسرائيل وتأسيس مملكة صِهيون العالميّة. بلغ عدد البروتوكولات 24 بروتوكولاً، وهي تتّفق مع تعاليم التوراة والتلمود والقبّالاه. ويمكن في هذا الشأن مراجعة: الخطر اليهوديّ - بروتوكولات حكماء صِهيون، ترجمة محمّد خليفة التونسيّ (بيروت، دار الكتاب العربيّ، ط4، لا ت)؛ فكتور مارسدن، بروتوكولات حكماء صِهيون، ترجمة عجاج نويهض (بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط4، 1996). أمّا عبد الوهّاب المسيري واستناداً إلى التحليل النصيّ وبعض الحقائق التي نُشرت عنها، فيرى أنّ البروتوكولات وثيقة مزيّفة ساذجة كتبها بالروسيّة موظّف روسيّ قيصريّ متطرّف كان يعمل في الكنيسة الروسيّة الأرثوذكسيّة (1905). أنظر كتابه: البروتوكولات واليهوديّة والصهيونيّة (القاهرة، دار الشروق، ط3، 2003).
[95] ترجم متن التلمود - المِشنا أستاذ اللغات الشرقيّة بكليّة الآداب، جامعة القاهرة، الدكتور مصطفى عبد المعبود سيّد منصور (الجيزة، مكتبة النافذة، ط1، 2007-2009) فجاء في 6 مجلّدات و2400 ص. وفي العام 2012 صدرت ترجمة التلمود البابليّ مع الجِمارا تحت إشراف مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان بالأردنّ، فجاءت في 20 مجلّداً و7100 ص.
[96] طائفة أو فرقة يهوديّة تمسّكَ أعضاؤها بدقائق الممارسة الدينيّة وتطرّفوا في تطبيق أحكام الشريعة، وتباهَوا بالتقوى والفضيلة، فازدرَوا سواهم ووقعوا في التزمُّت والشكليّة. لعلّ اسمهم، وقد شابهوا طبقة المجوس الزرادُشتيّين، مشتقّ من الفُرس؛ أو لعلّه يعني المفسّرين، من العبريّة «فرش» أي شرح وفسّر، أتباعَ عزرا المتضلّعين من علم التوراة. ولعلّه يعني أخيراً المنشقّ (من فَرَزَ) لأنّهم انشقّوا عن عامّة اليهود المؤمنين بتعاليم التوراة. أطلق عليهم أعداؤهم هذه التسمية، وكانوا يسمّون أنفسهم «الأحبار» أو «الربّانيّين». وهم يعتقدون في الملائكة والبعث في الحياة الدنيا والمسيح المنتظر، ويؤمنون بأزليّة التوراة وعصمة الحاخامات، لا يقدّمون القرابين في المعابد، ولا يتزوّجون، ويحافظون على وجودهم بالتبنّي. أنظر على التوالي: الأب صبحي حموي اليسوعيّ، معجم الإيمان المسيحيّ (بيروت، دار المشرق، ط2، 1998)، ص354؛ معجم اللاهوت الكتابيّ، ص605-606؛ مقدّمة سهيل زكّار لكتاب أحمد إيبش، التلمود كتاب اليهود المقدّس (م. س.)، ص16؛ مقدّمة كمال الصليبي لكتاب حروب داود، ص35؛ خان، ص32؛ شلبي، ص218-219.
[97] أغسطس روهلنج، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة يوسف نصرالله (الفجّالة، مطبعة المعارف، ط1، 1899)، ص32.
[98] أنظر أسس هذه الفرائض والأحكام في ميخا، 6: 8.
[99] التثنية، 12: 2-12؛ 13: 2-19؛ عاموس، 5: 4-6-14-15-21-23.
[100] م. ن.، 6: 1-13؛ 22: 22-29. على الرغم من مآسي أيّوب، فهو لم يكفر بربّه، فضاعف ما كان له قبلاً، وعاش أيّوب 140 سنة ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال. (أيّوب، 42: 10-17).
[101] العدد، 35: 16-31.
[102] الأحبار / اللاويّين، 20: 9-18؛ هوشع، 4: 11-13.
[103] اللاويّين، 11: 2-20؛ التثنية، 14: 3-21.
[104] مثلاً: «نجوم السماء تبكي مع من يبكي خلال الليل؛ المعرفة تَنشد السلام في العالم؛ احترمْ كلّ أحد، كأنّه معلّم تعلّمتَ منه شيئاً؛ تحت أجنحة السرافيم تمتدّ أذرع الرحمة الإلهيّة، مستعدّة دائماً لتقبّل الخاطئين؛ العنف في بيت مثل دودة في يقطينة؛ كلّ من لا يضطهد الذين يضطهدونه، وكلّ من يقبل التعدّي في صمت، وكلّ من يعمل الخير لأجل الحبّ، وكلّ من يبتسم في شدّته، أولئك هم أصدقاء الله، وعنهم قالت التوراة: إنّهم سوف يُعلَمون يوم القيامة كالشمس في الضحى». كنوز التلمود، ص35-65-70-78؛ خان، م. س.، ص87، 89.
[105] مثلاً: «حين خلق الله الإنسان أخذ تراباً من جانب القدس ومن أربعة أركان العالم، ونفخ في منخريه نسيم الحياة؛ خُلق العالم من أجل إسرائيل». كنوز التلمود، ص27، 103.
[106] أنظر على سبيل المثال الجامعة، 3: 1-22؛ 9: 1-12.
[107] المزامير، 30: 4.
[108] إشعيا، 11: 6-8.
[109] هيغل، العالم الشرقيّ، ترجمة إمام عبد الفتّاح إمام (بيروت، دار التنوير، ط3، 2007)، ص182-183.
[110] أنظر كتابنا: مطر من ورد، ص109.
[111] إشعيا، 26: 19؛ دانيال، 12: 13. وفي دانيال رؤيا قديم الأيّام وابن الإنسان، 7: 9-14؛ ورؤيا وقت الغضب، 10: 1-19.
[112] دانيال، 12: 2.
[113] مطر من ورد، ص82 متناً وحاشية؛ الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص47؛ شلبي، ص267.
[114] مطر من ورد، ص107.
[115] يُصوَّر طائر الغارودا بجناحَيْن ووجه ومخالب نسر وجذع وساقَيْ إنسان. الوجه أبيض، الجناحان قُرمزيّان، الجسم ذهبيّ؛ في حين يُصوَّر فشنو باللون الأزرق وله أربع أذرع تحمل الدبّوس والحَلَزون والأسطوانة وزهرة اللوتس. خورخي لويس بورخيس ومرغريتا غيرّيرو، كتاب المخلوقات الوهميّة، ترجمة بسّام حجّار (الدار البيضاء - بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، ط1، 2006)، ص101. أنظر إحدى صوره على الرابط التالي:
www.exoticindiaart.com/product/paintings/lord-vishnu-s-descent-from-vaikuntha-OR39
[116] دانيال، 7: 13.
[117] المسيري، 2/ 104-105؛ خان، ص60. قال مارتن لوثر: «إذا كان الله لا يُرسل إليّ مسيحاً من عنده يختلف عن المسيح الذي ينتظره اليهود، ويعلّقون عليه رجاءهم، فأفضلُ لي لو مُسختُ خنزيراً، فلا أبقى بعد ذلك إنساناً. فأيُّ خير ينالني من مسيح اليهود إن كان لا يُنقذ نفسي من وهدتها الروحيّة؟». مارتن لوثر، اليهود وأكاذيبهم، ترجمة محمود النجيري (الجيزة، مكتبة النافذة، ط1، 2007)، ص146. نشر لوثر هذا الكتاب في العام 1542، دعا فيه إلى طرد اليهود إذا لم يتحوّلوا إلى الدين المسيحيّ. وشجّع ذلك الموقفُ اضطهادَ اليهود في أوروبّا إبّان القرنين السادس عشر والسابع عشر، وشدّد من عزلتهم.
[118] إشعيا، 11: 6-7.
[119] دانيال، 12: 3.
[120] نجمة داود (ماجين دافيد) سداسيّة الشكل، تتألّف من مثلّثَيْن متساويَيْن متقاطعَيْن. عُرف هذا الرمز بِاسم خاتم سليمان (حوتام شلومو) الذي يطرد الأرواح الشريرة. لم ترد إشارة إلى شكل نجمة داود لا في التوراة ولا في التلمود، ولكنّها ذُكرت للمرّة الأولى في كتاب عنقود الكافر ليهودا هَداسي في القرن الرابع عشر الميلاديّ. رمزت إلى مملكة إسرائيل في عهد داود، وتظهر اليوم على عَلَم إسرائيل. رشاد الشامي، الرموز الدينيّة في اليهوديّة (جامعة القاهرة، مركز الدراسات الشرقيّة، 2000)، ص49-55.
[121] أنظر نماذج من هذه المواقف والصور في: المسيري، 2/ 73-74.
[122] السويدان، ص198.
[123] «وصلّوا إلى الربّ جهةَ المدينة التي اخترتها» (الملوك الأوّل، 8: 44).
[124] هو شمعدان ذهبيّ ذو فروع سبعة (ستّ شُعَب + الساق) كان يوضَع في خيمة الاجتماع. وفي الخروج (25: 34) أنّ الإله أوحى بصنعه على شكل شجرة (الحياة) كؤوسها على شكل زهرة اللوز بعُقدتها وأوراقها. وفي زكريّا (4: 10) تفسيرٌ أنّ السبعة السُرُج «هي أعين الربّ الجائلة في الأرض كلّها». ويُفسَّر الشمعدان أيضاً بأنّه يرمز إلى أيّام الخلق الستّة إضافةً إلى يوم السبت. وهو شعار رسميّ لدولة إسرائيل. المسيري، 2/59. أنظر الرابط: http://en.wikipedia.org/wiki/File:Menorah_0307.jpg
[125] كنوز التلمود، ص76.
[126] اليرمُلكة طاقيّة صغيرة أو قَلَنْسُوة تغطّي أعلى الرأس، ويعتمرها الملتزمون على الدوام. والطاليت شال أبيض خاصّ بالصلاة تتخلّله خطوطٌ زرقٌ أو سود، وذو أذيال أربعة تنتهي بأهداب (صيصيت) تذكّر بوصايا الربّ (العدد، 5: 38-39)، يُسدَل على الكتفين. الشامي، الرموز الدينيّة في اليهوديّة، ص59-75. أنظر الطاليت على الرابط التالي:
www.worldofjudaica.fr/juda%C3%AFque/tallitot/p_talit_hadar_bandes_noires_atarah_pri%C3%A8re
[127] للتوسّع في شؤون الصلاة اليهوديّة أنواعاً وأقساماً وكتباً ومواقيت وطقوساً ونصوصاً، انظر: ظاظا، ص167-193.
[128] يُكتب في المزوزاه جزآن من التثنية، 6: 4-9؛ و7: 12-16؛ الرموز الدينيّة في اليهوديّة، ص79-82.
[129] الخروج، 12: 12-13.
[130] الخِتان (ميلّاه) في اليهوديّة علامة العهد بين الإله وإبراهيم وجماعة إسرائيل، يمنحهم الأرض فيقدّمون إليه القربان، ومن لم يُختن لا يحلّ الإله فيه ولا يُعتبر فرداً من الشعب المقدّس. ولذا كان يتمّ الخِتان ولو يوم السبت. وذكرت التوراة الخِتان في عدّة مواضع، أهمّها في التكوين، 17: 10-15. وعرفه المصريّون منذ أقدم العصور، بل إنّ إبراهيم الخليل لم يقم بعمليّة الختان إلاّ بعد عودته من مصر. ولعلّ اليهود عرفوا الختان من تلك البلاد. وبعد أن كانوا يقدّمون إلى الإله قرابين بشريّة، اكتفوا بجزء من الإنسان، وهو ما يُقتطع في عمليّة الختان، رمزاً إلى التضحية. المسيري، 2/ 47-48؛ مهران، 1/ 357-358؛ شلبي، ص205.
[131] يُرجَّح أنّ عادة الزواج المبكر بين اليهود حتّى وقتٍ قريب (سنّ الرابعة عشْرة للبنت والثامنة عشْرة للصبيّ) كانت مسؤولة عن نوع من الانحطاط الجسميّ انعكس في القامة ضآلة. حمدان، ص131.
[132] التكوين، 2: 24.
[133] ذكره وافي، ص51.
[134] المزامير، 137: 5-6.
[135] أنظر على سبيل المثال: التثنية، 17: 17، 22: 13-29، 24: 1-4.
[136] أعمال الرسل، 9: 37.
[137] يوحنّا، 20: 7.
[138] م. ن.، 11: 44.
[139] صموئيل الثاني، 3: 31؛ لوقا، 7: 14.
[140] التكوين، 25: 10؛ 49: 31؛ 50: 13.
[141] الملوك الثاني، 33: 6؛ إرميا، 26: 23.
[142] أيّوب، 30: 23.
[143] الجامعة، 12: 5.
[144] التكوين، 2: 1-3؛ وراجع الوصيّة الرابعة من الوصايا العشْر في التثنية، 5: 7-21؛ الخروج، 20: 2-17.
[145] الخروج، 20: 8-11؛ إشعيا، 56: 1-8؛ 58: 13-14. وكلمة «السبت» في العبريّة (شبّات) تعني «الراحة»، وفي العربيّة «القَطْع». أنيس فريحه، أسماء الأشهر والعدد والأيّام وتفسير معانيها (طرابلس، جرّوس برس، ط1، 1988)، ص180-181.
[146] متن التلمود - المِشنا، القسم الثاني «موعيد»، المبحث الأوّل «شبّات»، الفصل الأوّل ج، ص33.
[147] ورد في المزامير، 81: 4: «أنفخوا بالبوق في هَلّة البدر، وعند اكتماله ليوم عيدنا». وجاء في التلمود كتاب اليهود المقدّس (ص374-375): «لماذا يصنعون البوق من قرن الكبش؟ لكي يذكّر الربّ الكبش الذي ضُحّي به بدلاً من إسحق. ويتمّ النفخ بالبوق لردّ الإنسان إلى رشده وتنبيهه إلى الوقت الذي يمضي بسرعة، وتذكيره بيوم الدينونة العظيم الذي يُنفخ فيه بالصُّور، وبقيامة الأموات». أنظر الشوفار على الرابط التالي:
http://ekladata.com/u6ePCE6r4ohY672WzbjjL3Works.jpg
[148] التثنية، 16: 1-8؛ اللاويّين، 23: 4-8. في ختام ليلة عيد الفصح، يُقال: «العام القادم في القدس»، أمّا في فلسطين فيُقال: «العام القادم في القدس المشيّدة». الشامي، موسوعة المصطلحات الدينيّة اليهوديّة، ص179.
[149] اللاويّين، 23: 43.
[150] التثنية، 16: 9-17.
[151] جاء في لسان العرب (10/15) أنّ البُراق دابّة امتطاها الرسول ليلة الإسراء؛ سُميّت بذلك لنصوع لونها وشدّة بريقها وسرعة حركتها الشبيهة بالبرق. وفي كتاب بورخيس (م. س.، ص35) أنّ مسلمي الهند يتصوّرون البُراق بوجه إنسان وبدن حمار وذَنَب طاووس.
[152] كشفت التنقيبات الأثريّة في أورشليم عن موقع المدينة وأساسات سورها الذي يعود إلى 1800 ق. م. والإصلاحات المتتالية التي خضع السور لها حتّى دمار المدينة 587 ق. م. على يد نبوخذ نصّر، وكشفت عن أساسات سور هيرودوس، غير أنّ علم الآثار لم يعثر على مدينة العصر الذهبيّ ولا على القصور التي شادها سليمان. أمّا الهيكل الذي بناه في القرن العاشر فلم يتمّ العثور على حجرٍ واحد من أساساته أو أيّ أثر يدلّ على أنّه قد قام في يومٍ من الأيّام. السوّاح، ص150-152.
[153] موسى بن ميمون (1135-1205 م.) أعظم فلاسفة اليهود في العصور الوسطى. وُلد في قُرْطُبة، وهاجر إلى فاس وفلسطين والإسكندريّة، وتوفّي في القاهرة، ونُقلت رُفاته إلى طبريّة. كان تلميذ ابن رشد وطبيب أسرة صلاح الدين. لم يعترف إلّا بأسفار موسى الخمسة. أمّا الصلاة فيجب أن تكون صمتاً. اختصر أسفار موسى واختصر التَّلْمود وشرحه بعنوان مِشنا توراة، وهو أعظم كتبه بالعبريّة. وأشهر مصنّفاته دلالة الحائرين، كتبه بالعربيّة بحروف عبريّة حتّى لا يقرأه غير اليهود (حقّقه حسين آتاي، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينيّة، لا تاريخ، 847 ص)؛ وهو محاولة أرسطيّة للتوفيق بين الدين والفلسفة على غرار ابن رشد في الإسلام وتوما الأكوينيّ في المسيحيّة. لُقّب أمير الفلاسفة. وقد تأثّر بفكره الفيلسوفُ الهولّنديّ اليهوديّ سبينوزا (1632-1677). للمزيد انظر: عبد المنعم الحفني، موسوعة فلاسفة ومتصوّفة اليهوديّة (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1994)، ص39-44، 124-132.
[154] وردت في كتاب السراج، وهو تفسيرٌ دقيق للمِشنا مكتوب بالعربيّة، ألّفه وهو بعدُ في الثالثة والعشرين من عمره. والمقتبس عن أديب صعب، الأديان الحيّة (بيروت، دار النهار، ط3، 2005)، ص140-141.
[155] يوميّات فرانتس كافكا، تحرير ماكس برود، ترجمة خليل الشيخ (هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ط1، 2009 )، 28 كانون الثاني 1922، ص474. وفي أحاديثه إلى صديقه يانوش يقول: «إنّ المدينة اليهوديّة القديمة الموبوءة التي تعيش فينا حقيقةٌ أشدّ رسوخاً من المدينة الحديثة النظيفة التي نعيش فيها. وما فتئنا نعبر حُلماً [هو أرض كَنعان] بأعينٍ مفتوحة، في حين لسنا سوى شبحٍ من زمنٍ غبر». فلسطين في رسائل كافكا، ترجمة محمّد أبو خضور (دمشق، دار النمير، ط1، 1999)، ص137-138 بتصرّف.
إضافةً إلى المصادر والمراجع المذكورة في الحواشي، استند بحثنا إلى المراجع التالية: وِل ديورانت، قصّة الحضارة، ترجمة محمّد بدران (بيروت - تونس، دار الجيل، 1998)، 2/ 321-398، 14/5-143؛ ميرسيا إلياد، تاريخ المعتقدات والأفكار الدينيّة، ترجمة عبد الهادي عدس (دار دمشق، ط1، 1986-1987)، 1/ 203-228، 411-434؛ 2/ 273-302؛ 3/ 171-196؛ ميغوليفسكي، أسرار الآلهة والديانات، ترجمة حسّان إسحق (دمشق، منشورات علاء الدين، ط4، 2009)، ص333-376؛ سهيل بشروئي ومرداد مسعودي، تراثنا الروحيّ، ترجمة محمّد غنيم (بيروت، دار الساقي، ط1، 2012)، ص409-449.